لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{أَمَّن يُجِيبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكۡشِفُ ٱلسُّوٓءَ وَيَجۡعَلُكُمۡ خُلَفَآءَ ٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ} (62)

فَصَلَ بين الإجابة وبين كَشْفِ السوء ؛ فالإجابةُ بالقَولِ والكشفُ بالطَّوْلِ ، الإجابة بالكلام والكشفُ بالإنعام . ودعاءُ المضطر لا حجابَ له ، وكذلك دعاء المظلوم ولكن

{ لِكُلِّ أَجِلٍ كِتَابٌ } [ الرعد : 38 ] .

ويقال للجناية : سراية ؛ فَمَنْ كان في الجناية مختاراً فليس تسلم له دعوى الاضطرار عند سراية جُرْمِه الذي سَلَفَ منه وهو مختارٌ فيه ، فأكثر الناس يتوهمون أنهم مضطرون ، وذلك الاضطرار سراية ما بَدَرَ منهم في حال اختيارهم .

وما دام العبدُ يتوهم من نفسه شيئاً من الحَوْلَ والحيلة ، ويرى لنفسه شيئاً من الأسباب يعتمد عليه أو يستند إليه - فليس بمضطرٍ ، فالمضطرُّ يرى نَفْسَه كالغريق في البحر ، أو الضَّالِّ في المتاهة ، وهو يرى عِنَانَه بيد سَيِّدِه ، وزِمَامه في قبضته ، فهو كالميت بين يدي غاسِله ، وهولا يرى لنفسه استحقاقاً للنجاة ؛ لاعتقاده في نفسه أنه من أهل السخط ، ولا يقرأ اسمه إلا من ديوان الشقاوة .

ولا ينبغي للمضطر أن يستعين بأحدٍ في أن يدعوَ له ، لأنَّ اللَّهَ وَعَدَ الإجابة له . . . لا لمن يدعو له .

ثم كما وَعَدَ المضطرَّ الإجابةَ وكَشْفَ السوء وَعَدَه بقوله :-

{ وَيَجْعَلُكُمْ خلَفَآءَ الأَرْضِ أَءِلَه مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } .

فإنَّ مع العسر يسراً ، ولم يقل : العسر إزالة ، ولكن قال : مع العسرِ يُسْرٌ ؛ فنهارُ اليُسْرِ حاصلٌ بعد ظلام العُسْرِ .

ثم قال : { أَءِلَه مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } لأنَّ العبدَ إذا زَالَ عُسْرهُ ، وكُشِفَ عنه ضُرُّه نَسِيَ ما كان فيه ، وكما قال القائل :

كأنَّ الفتى لم يَعْرَ يوماً إذا اكتسى *** ولم يَكُ صعلوكاً إذا ما تَمَوَّلاَ