اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَمَّن يُجِيبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكۡشِفُ ٱلسُّوٓءَ وَيَجۡعَلُكُمۡ خُلَفَآءَ ٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ} (62)

قوله : { أَمَّن يُجِيبُ المضطر إِذَا دَعَاهُ } المضطر : اسم مفعول مأخوذ من اضطر ، ولا يستعمل إلا مبنياً للمفعول ، وإنّما كرر الجعل هنا ، ولم يشرك{[39301]} بين المعمولات{[39302]} في عامل واحد ، لأن كل واحدة من هذه مِنّة مستقلة ، فأبرزها في جملة مستقلة بنفسها ، قال الزمخشري الضرورة الحال المحوجة إلى الالتجاء ، والاضطرار : افتعال منها ، فيقال : اضطُرّ إلى كذا والفاعل والمفعول مضطر{[39303]} . فإن قيل : هذا يعم المضطرين ، وكم من مضطر يدعو فلا يجاب ، فالجواب :

أنه ثبت في أصول الفقه أن المفرد المعرّف لا يفيد العموم ، وإنما يفيد الماهية فقط ، والحكم المثبت للماهية يكفي في صدقه ثبوته في فرد واحد من أفراد الماهية فقط ، فإنه تعالى وعد بالاستجابة ، ولم يذكر أنه يستجيب في الحال{[39304]} .

قوله : «وَيَكْشِفُ السُوءَ » كالتفسير للاستجابة ، فإنّه لا يقدر أحد على كشف ما دفع إليه من فقر إلى غنى ومرض إلى صحة ، إلاَّ القادر الذي لا يعجز ، والقاهر الذي لا ينازع{[39305]} ، { وَيَجْعَلُكُمْ خلفاء الأرض } أي : يورثكم سكناها{[39306]} والتصرف فيها قرناً بعد قرن ، وأراد بالخلافة الملك والتسليط{[39307]} . قوله { قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } قرأ أبو عمرو وهشام : «يَذكرُونَ » بالغيبة والباقون بالخطاب{[39308]} ، وهما واضحتان ، وأبو حيوة : «تَتَذكرون » بتاءين{[39309]} .


[39301]:لم يشرك: سقط من ب.
[39302]:في ب: المعمولان.
[39303]:الكشاف 3/149.
[39304]:انظر الفخر الرازي 24/208-209.
[39305]:انظر الفخر الرازي 24/209.
[39306]:في ب: من سكانها.
[39307]:انظر الفخر الرازي 24/209.
[39308]:السبعة (484)، الكشف 2/164، النشر 338-339، الإتحاف 338.
[39309]:المختصر (110)، البحر المحيط 7/90.