محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{أَمَّن يُجِيبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكۡشِفُ ٱلسُّوٓءَ وَيَجۡعَلُكُمۡ خُلَفَآءَ ٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ} (62)

{ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ } وهو الذي أحوجه مرض أو فقر أو نازلة من نوازل الدهر ، إلى اللجأ والتضرع إلى الله تعالى . اسم مفعول من ( الاضطرار ) الذي هو افتعال من ( الضرورة ) وهي الحالة المحوجة إلى اللجأ أي الالتجاء والاستناد .

قال ابن كثير : ينبه تعالى أنه المدعو عند الشدائد ، الموجود عند النوازل ، كما قال تعالى {[5971]} : { وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه } وقال تعالى {[5972]} : { ثم إذا مسكم الضر فإليه تجئرون } وهكذا قال ها هنا : { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ } أي من هو الذي لا يلجأ المضطر إلا إليه ، والذي لا يكشف ضر المضرورين سواه ؟

وقال ابن القيم في ( الجواب الكافي ) : إذا اجتمع مع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب ، وصادف انكسارا بين يدي الرب وذلا له وتضرعا ورقة ، ثم توسل إليه تعالى بأسمائه وصفاته وتوحيده ، فإن الدعاء لا يكاد يرد أبدا . ولاسيما إن صادف الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنها مظنة الإجابة ، أو أنها متضمنة للاسم الأعظم .

ثم ساقها ابن القيم مسندة .

ثم قال : وكثيرا ما نجد أدعية دعا بها قوم فاستجيب لهم . فيكون قد اقترن بالدعاء ضرورة صاحبه وإقباله على الله . أو حسنة تقدمت منه ، جعل الله سبحانه إجابة دعوته شكرا لحسنته ، أو صادف الدعاء وقت إجابة ، ونحو ذلك ، فأجيبت دعوته . فيظن الظان أن السر في لفظ ذلك الدعاء ، فيأخذه مجردا عن تلك الأمور التي قارنته من ذلك الداعي . وهذا كما إذا استعمل رجل دواء نافعا ، في الوقت الذي ينبغي ، على الوجه الذي ينبغي . فانتفع به . فظن غيره أن استعمال هذا الدواء بمجرده ، كاف في حصول المطلوب ، كان غالطا . وهذا موضع يغلط فيه كثير من الناس . ومن هذا يتفق دعاؤه باضطرار عن قبر فيجاب . فيظن الجاهل أن السر للقبر ولم يعلم أن السر للاضطرار وصدق اللجأ إلى الله . فإذا حصل ذلك في بيت من بيوت الله ، كان أفضل وأحب إلى الله . انتهى .

وقوله تعالى : { وَيَكْشِفُ السُّوءَ } أي كل ما يسوءه مما يضطر فيه وغيره { وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ } أي خلفاء فيها . وذلك توارثهم سكناها ، والتصرف فيها قرنا بعد قرن . أو أراد بالخلافة الملك والتسلط . قاله الزمخشري { أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ .


[5971]:(17 الإسراء 67).
[5972]:(16 النحل 53).