فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَمَّن يُجِيبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكۡشِفُ ٱلسُّوٓءَ وَيَجۡعَلُكُمۡ خُلَفَآءَ ٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ} (62)

{ أمن يجيب المضطر إذا دعاه ؟ } هذا الاستدلال منه سبحانه بحاجة الإنسان إليه على العموم والمضطر اسم مفعول من الاضطرار ، وهو افتعال من الضرورة وهي الحاجة المحوجة إلى اللجأ ، يقال : اضطره إلى كذا ، و المضطر هو المكروب المجهود ، الذي مسه الضر ولا حول له ولا قوة ، وقيل هو المذنب إذا استغفر ، وقيل : هو المظلوم إذا دعا ، أو من رفع يديه ولم ير لنفسه حسنة غير التوحيد ، وهو منه على خطر ، وقيل : هو الذي عراه ضر من فقر ، أو مرض ، أو نازلة من نوازل الدهر ، فألجأه إلى التضرع إلى الله .

والألف واللام في ( المضطر ) للجنس لا للاستغراق ، فقد لا يجاب دعاء بعض المضطرين ، لمانع يمنع من ذلك بسبب يحدثه العبد ، يحول بينه وبين إجابة دعائه ، وإلا فقد ضمن الله سبحانه إجابة دعاء المضطر إذا دعاه وأخبره بذلك عن نفسه ، والوجه في إجابة دعاء المضطر أن ذلك الاضطرار الحاصل له يتسبب عنه الإخلاص ، وقطع النظر عما سوى الله .

وقد أخبر الله سبحانه بأنه يجيب دعاء المخلصين له الدين ، وإن كانوا كافرين ، فقال { حتى إذا كنتم في الفلك ، وجرين بهم بريح طيبة ، وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين } وقال : { فلما نجاهم إلى البر إذا هم مشركون } فأجابهم عند ضرورتهم وإخلاصهم مع علمه بأنهم سيعودون إلى شركهم .

{ ويكشف السوء ؟ } الذي يسوء العبد من غير تعيين وقيل : هو الضر وقيل : هو الجور وهذا منعطف العام على الخاص .

{ ويجعلكم خلفاء الأرض ؟ } أي : يخلف كل قرن منكم القرن الذي قبله بعد انقضائهم والمعنى يهلك قرنا وينشئ آخرين : وقيل : يجعل أولادكم خلفا منكم ، وقيل : جعلكم خلفاء الجن في الأرض ، وقيل : يجعل المسلمين خلفا من الكفار ينزلون أرضهم وديارهم .

{ أإله مع الله ؟ } الذي يوليكم هذه النعم الجسام { قليلا ما } أي : تذكرا قليلا { تذكرون } و ( ما ) زائدة لتقليل القليل هو كناية عن العدم بالكلية فالمراد نفي تذكرهم رأسا ، قال الكرخي : المعنى نفي التذكر والقلة تستعمل في معنى النفي ، قرأ الجمهور بالفوقية على الخطاب وقرئ بالتحتية على الخبر ردا على قوله : بل أكثرهم لا يعلمون .