معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفۡسَكَۚ وَحَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأۡسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأۡسٗا وَأَشَدُّ تَنكِيلٗا} (84)

قوله تعالى : { فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك } ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم واعد أبا سفيان بعد حرب أحد موسم بدر الصغرى في ذي القعدة ، فلما بلغ الميعاد دعا الناس إلى الخروج ، فكرهه بعضهم ، فأنزل الله عز وجل { فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك } أي : لا تدع جهاد العدو ، والانتصار للمستضعفين من المؤمنين ولو وحدك ، فإن الله قد وعدك النصرة . وعاتبهم على ترك القتال ، والفاء في قوله تعالى : { فقاتل } جواب عن قوله { ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً } فقاتل .

قوله تعالى : { وحرض المؤمنين } ، على القتال ، أي حضهم على الجهاد ، ورغبهم في الثواب ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين راكباً ، فكفاهم الله القتال ، فقال جل ذكره : قوله تعالى : { عسى الله } أي : لعل الله .

قوله تعالى : { أن يكف بأس الذين كفروا } ، أي : قتال المشركين وعسى من الله واجب .

قوله تعالى : { والله أشد بأساً } أي : أشد صولة وأعظم سلطاناً .

قوله تعالى : { وأشد تنكيلاً } أي : عقوبة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفۡسَكَۚ وَحَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأۡسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأۡسٗا وَأَشَدُّ تَنكِيلٗا} (84)

{ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا }

هذه الحالة أفضل أحوال العبد ، أن يجتهد في نفسه على امتثال أمر الله من الجهاد وغيره ، ويحرض غيره عليه ، وقد يعدم في العبد الأمران أو أحدهما فلهذا قال لرسوله : { فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ } أي : ليس لك{[217]}  قدرة على غير نفسك ، فلن تكلف بفعل غيرك . { وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ } على القتال ، وهذا يشمل كل أمر يحصل به نشاط المؤمنين وقوة قلوبهم ، من تقويتهم والإخبار بضعف الأعداء وفشلهم ، وبما أُعد للمقاتلين من الثواب ، وما على المتخلفين من العقاب ، فهذا وأمثاله كله يدخل في التحريض على القتال .

{ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا } أي : بقتالكم في سبيل الله ، وتحريض بعضكم بعضًا . { وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا } أي : قوة وعزة { وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا } بالمذنب في نفسه ، وتنكيلا لغيره ، فلو شاء تعالى لانتصر من الكفار بقوته ولم يجعل لهم باقية .

ولكن من حكمته يبلو بعض عباده ببعض ليقوم سوق الجهاد ، ويحصل الإيمان النافع ، إيمان الاختيار ، لا إيمان الاضطرار والقهر الذي لا يفيد شيئا .


[217]:- في النسختين: ليس عليك.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفۡسَكَۚ وَحَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأۡسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأۡسٗا وَأَشَدُّ تَنكِيلٗا} (84)

فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا ( 84 ) مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا ( 85 ) وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ( 86 ) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ( 87 )

والفاء فى قوله { فَقَاتِلْ } للإِفصاح عن جواب شرط مقدر . أى : إذا كان الأمر كما حكى - سبحانه - عن المنافقين وكيدهم . . . فقاتل أنت يا محمد من أجل إعلاء كلمة الله ولا تلتفت إلى أفعالهم وأقوالهم .

وقوله { لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ } أى : قاتل - يا محمد - فى سبيل إعلاء كلمة الله ، والله - تعالى - لا يكلفك إلا فعل نفسك ، فتقدم للجهاد ولا تلتفت إلى تباطؤ المتباطئين ، أو تخذيل المخذلين ، فإن الله هو ناصرك لا الجنود ، فإن شاء نصرك وحدك كما ينصرك وحولك الألوف .

وجملة { لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ } فى محل نصب على الحال من فاعل فقاتل : أى : فقاتل حال كونك غير مكلف إلا نفسك وحدها .

قال صاحب الكشاف : قيل : دعا النبى صلى الله عليه وسلم الناس فى بدر الصغرى إلى الخروج ، وكان أبو سفيان قد واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم اللقاء فيها . فكره بعضهم أن يخرجوا فنزلت فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلا سبعون لم يعولوا على أحد . ولو لم يتبعه أحد لخرج وحده ، وقرئ { لاَ تُكَلَّفُ } بالجزم على النهى . ولا نكلف : بالنون وكسر اللام .

أى : لا نكلف نحن نفسك وحدها .

وقوله { وَحَرِّضِ المؤمنين } أى : حثهم على القتال ورغبهم فيه ، حتى ينفروا معك خفافا وثقالا من أجل نصرة الحق والدفاع عن المظلومين .

ولقد استجاب النبى صلى الله عليه وسلم لهذه الأوامر ، وأعد نفسه لقتال أعدائه ، ورغب أتباعه فى ذلك ، ولذا قال صلى الله عليه وسلم عندما أذن الله له فى القتال " والله لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتى " أى : حتى أموت .

ولقد اقتدى به أبو بكر الصديق فى حروب الردة فقال : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، والله لو منعونى عناقا كانوا يؤدونها لرسول الله صلى الله علي وسلم لقاتلتهم على منعها . ولو خالفتنى يمينى لجاهدتهم بشمالى .

ولقد استفاضت أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم فى ترغيب أمته فى الجهاد ، ومن ذلك قوله لأصحابه يوم بدر وهو يسوى الصفوف : قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض .

قال الفخر الرازى : دلت الآية الكريمة على أنه صلى الله عليه وسلم كان أشجع الخلق وأعرفهم بكيفية القتال ، لأنه - تعالى - ما كان يأمره إلا وهو صلى الله عليه وسلم موصوف بهذه الصفات . ولقد اقتدى به أبو بكر - رضى الله عنه - حيث حاول الخروج وحده لقتال ما نعى الزكاة ، ومن علم أن الأمر كله بيد الله ، وأنه لا يحصل أمر من الأمور إلا بقضاء الله سهل عليه ذلك . ودلت الآية على أنه صلى الله عليه وسلم لو لم يساعده على القتال لم يجز له التخلف عن الجهاد .

وقوله : { عَسَى الله أَن يَكُفَّ بَأْسَ الذين كَفَرُواْ والله أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً } بشارة للمؤمنين ، ووعد منه - سبحانه - بحسن عاقبتهم وسوء عاقبة الكافرين . و { عَسَى } حرف ترج . وهو هنا يفيد التحقق واليقين ، لأنه صادر عن الله - تعالى - ، الذى لا يخلف وعده . وفى التعبير بها تعليم للمؤمنين الأدب فى القول حتى لا يجزمون بأم يتعلق بالمستقبل ، بل يسددون ويقاربون ويباشرون الأسباب ثم بعد ذلك يتركون النتائج لله - تعالى - والمعنى : قاتل يا محمد فى سبيل الله وحرض المؤمنين على ذك ، عسى الله - تعالى - { أَن يَكُفَّ بَأْسَ الذين كَفَرُواْ } أى يمنع قتالهم وصولتهم وطغيانهم { والله أَشَدُّ بَأْساً } أى أشد صولة وأعظم سلطانا ، وأقدر بأسا على ما يريده { وَأَشَدُّ تَنكِيلاً } أى أشد عقوبة وتعذيبا .

والتنكيل : مصدر من قول القائل نكلت بفلان فأنا أنك به تنكيلا إذا أوجعته عقوبة ، وجعلته عبرة لغيره . وأصله التعذيب بالنكل وهو القيد ، ثم استعمل فى كل تعذيب بلغ الغاية فى الشدة والألم .

وأفعل التفضيل { وَأَشَدُّ } ليس على بابه ، لأن بأس المشركين لا قيمة له بجانب بأس الله - تعالى - وقوته ونفاذ أمره . وعذابهم لغيرهم من الضعفاء لا وزن له بجانب عذابه - سبحانه - للظالمين ، لأن عذابهم لغيرهم سينتهى مهما طال ، أما عذابه - سبحانه - فلا يمكن التخلص منه ولأن عذابهم لغيرهم سينتهى مهما طال ، أما عذابه - سبحانه - للكافرين الظالمين فهو باق دائم لا ينتهى ولا يزول .

والمقصود من هذا التذييل تهديد الكافرين بسوء المصير وتشجيع المؤمنين على قتالهم ، وبشارتهم النصر عليهم .

قال القرطبى : قوله - تعالى - { عَسَى الله أَن يَكُفَّ بَأْسَ الذين كَفَرُواْ } إطماع ، والإِطماع من الله - تعالى - واجب لأن إطماع الكريم إيجاب . .

فإن قال قائل : نحن نرى الكفار فى بأس وشدة ، وقلتم : إن عسى بمعنى اليقين فأين ذلك الوعد ؟ قيل له : قد وجد على الاستمرار والدوام . فمتى وجد ولو لحظة مثلا فقد صدق الوعد ؛ فقد كف الله بأس المشركين فى بدر الصغرى . وفى الحديبية وفى غزوة الأحزاب حيث ألقى الله - تعالى - فى قلوب الأحزاب الرعب فانصرفوا دون أن ينالوا خيرا { وَكَفَى الله المؤمنين القتال } فهذا كله بأس قد كفه الله عن المؤمنين .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفۡسَكَۚ وَحَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأۡسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأۡسٗا وَأَشَدُّ تَنكِيلٗا} (84)

{ فقاتل في سبيل الله } أن تثبطوا وتركوك وحدك . { لا تكلف إلا نفسك } إلا فعل نفسك لا يضرك مخالفتهم وتقاعدهم ، فتقدم إلى الجهاد وإن لم يساعدك أحد فإن الله ناصرك لا الجنود . روي ( أنه عليه الصلاة والسلام دعا الناس في بدر الصغرى إلى الخروج فكرهه بعضهم فنزلت . فخرج صلى الله عليه وسلم وما معه إلا سبعون لم يلو على أحد ) . وقرئ لا { تكلف } بالجزم ، و " لا نكلف " بالنون على بناء الفاعل أي لا نكلفك إلا فعل نفسك ، لا أنا لا نكلف أحدا إلا نفسك لقوله : { وحرض المؤمنين } على القتال إذ ما عليك في شأنهم إلا التحريض { عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا } يعني قريشا ، وقد فعل بأن ألقى في قلوبهم الرعب حتى رجعوا . { والله أشد بأسا } من قريش . { وأشد تنكيلا } تعذيبا منهم ، وهو تقريع وتهديد لمن لم يتبعه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفۡسَكَۚ وَحَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأۡسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأۡسٗا وَأَشَدُّ تَنكِيلٗا} (84)

هذا أمر في ظاهر اللفظ للنبي عليه السلام وحده ، لكن لم نجد قط في خبر أن القتال فرض على النبي صلى الله عليه وسلم دون الأمة مدة ما ، المعنى - والله أعلم - أنه خطاب للنبي عليه السلام في اللفظ ، وهو مثال ما يقال لكل واحد في خاصة نفسه ، أي أنت يا محمد وكل واحد من أمتك القول له { قاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك } ولهذا ينبغي لكل مؤمن أن يستشعر أن يجاهد ولو وحده ، ومن ذلك قول النبي عليه السلام «والله لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتي »{[4170]} وقول أبي بكر وقت الردة : «ولو خالفتني يميني لجاهدتها بشمالي » ، وخلط قوم في تعلق الفاء من قوله { فقاتل } بما فيه بعد{[4171]} ، والوجه أنها عاطفة جملة كلام على جملة ، وهي دالة على اطراح غير ما أمر به ، ثم خص النبي عليه السلام بالأمر بالتحريض أي الحث على المؤمنين في القيام بالفرض الواجب عليهم . و { عسى } إذا وردت من الله تعالى فقال عكرمة وغيره : إنها واجبة ، لأنها من البشر متوقعة مرجوة ففضل الله تعالى يوجب وجوبها ، وفي هذا وعد للمؤمنين بغلبتهم للكفرة ، ثم قوى بعد ذلك ، قلوبهم بأن عرفهم شدة بأس الله ، وأنه أقدر على الكفرة ، { وأشد تنكيلاً } لهم ، التنكيل : الأخذ بأنواع العذاب وترديده عليهم .


[4170]:- أي: حتى أموت، والسالفة: صفحة العنق، وقد كنى بانفرادها عن الموت لأنها لا تنفرد عما يليها إلا به.
[4171]:- من ذلك قول من يقول: إن وجه العطف بالفاء أن يكون متصلا بقوله: {وما لكم لا تقاتلون}، أو بقوله: {فسوف نؤتيه أجرا عظيما}، وهو محمول على المعنى على تقدير شرط، أي: إن أردت الفوز فقاتل، وكذلك قول من يقول: إنها معطوفة على قوله: {فقاتلوا أولياء الشيطان}.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفۡسَكَۚ وَحَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأۡسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأۡسٗا وَأَشَدُّ تَنكِيلٗا} (84)

تفريع على ما تقدّم من الأمر بالقتال ، ومن وصف المثبطين عنه ، والمتذمّرين منه ، والذين يفتنون المؤمنين في شأنه ، لأنّ جميع ذلك قد أفاد الاهتمام بأمر القتال ، والتحريضَ عليه ، فتهيّأ الكلام لتفريع الأمر به . ولك أن تجعل الفاء فصيحة بعد تلك الجمل الكثيرة ، أي : إذا كان كما علمت فقاتل في سبيل الله ، وهذا عود إلى ما مضى من التحريض على الجهاد ، وما بينهما اعتراض . فالآية أوجبت على الرسول صلى الله عليه وسلم القتال ، وأوجبت عليه تبليغ المؤمنين الأمرَ بالقتال وتحريضهم عليه ، فعبّر عنه بقوله : { لا تكلَّفُ إلاّ نفسَك وحرِّض المؤمنين } [ النساء : 84 ] وهذا الأسلوب طريق من طرق الحثّ والتحريض لِغير المخاطب ، لأنّه إيجاب القتال على الرسول ، وقد علم إيجابه على جميع المؤمنين بقوله : { فليقاتل في سبيل الله الذين يَشرون الحياة الدنيا بالآخرة } [ النساء : 74 ] فهو أمر للقدوة بما يجب اقتداء الناس به فيه . وبيّن لهم علّة الأمر وهي رجاء كفّ بأس المشركين ، ف ( عسى ) هنا مستعارة للوعد . والمراد بهم هنا كفّار مكة ، فالآيات تهيئة لِفتح مكة .

وجملة { والله أشدّ بأساً وأشدّ تنكيلاً } تذييل لتحقيق الرجاء أو الوعد ، والمعنى أنه أشدّ بأساً إذا شاء إظهار ذلك ، ومن دلائل المشيئة امتثال أوامره التي منها الاستعداد وترقّب المسببات من أسبابها .

والتنكيل عقاب يرتدع به رَائيهِ فضلاً عن الذي عوقب به .