معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ ثُمَّ لَمۡ يَحۡمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلۡحِمَارِ يَحۡمِلُ أَسۡفَارَۢاۚ بِئۡسَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (5)

قوله عز وجل :{ مثل الذين حملوا التوراة } ، أي كلفوا القيام بها والعمل بما فيها ، { ثم لم يحملوها } لم يعملوا بما فيها ولم يؤدوا حقها ، { كمثل الحمار يحمل أسفاراً } ، أي كتباً من العلم ، واحدها سفر ، قال الفراء : هي الكتب العظام يعني كما أن الحمار يحملها ولا يدري ما فيها ولا ينتفع بها ، كذلك اليهود يقرؤون التوراة ولا ينتفعون بها لأنهم خالفوا ما فيها ، { بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين } الذين ظلموا أنفسهم بتكذيب الأنبياء عليهم السلام ، يعني من سبق في علمه أنه لا يهديهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ ثُمَّ لَمۡ يَحۡمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلۡحِمَارِ يَحۡمِلُ أَسۡفَارَۢاۚ بِئۡسَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (5)

{ 5-8 } { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }

لما ذكر تعالى منته على هذه الأمة ، الذين ابتعث فيهم النبي الأمي ، وما خصهم الله به من المزايا والمناقب ، التي لا يلحقهم فيها أحد وهم الأمة الأمية الذين فاقوا الأولين والآخرين ، حتى أهل الكتاب ، الذين يزعمون أنهم العلماء الربانيون والأحبار المتقدمون ، ذكر أن الذين حملهم الله التوراة من اليهود وكذا النصارى ، وأمرهم أن يتعلموها ، ويعملوا بما فيها{[1095]} ، وانهم لم يحملوها ولم يقوموا بما حملوا به ، أنهم لا فضيلة لهم ، وأن مثلهم كمثل الحمار الذي يحمل فوق ظهره أسفارًا من كتب العلم ، فهل يستفيد ذلك الحمار من تلك الكتب التي فوق ظهره ؟ وهل يلحق به فضيلة بسبب ذلك ؟ أم حظه منها حملها فقط ؟ فهذا مثل علماء اليهود{[1096]}  الذين لم يعملوا بما في التوراة ، الذي من أجله وأعظمه الأمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، والبشارة به ، والإيمان بما جاء به من القرآن ، فهل استفاد من هذا وصفه من التوراة إلا الخيبة والخسران وإقامة الحجة عليه ؟ فهذا المثل مطابق لأحوالهم .

بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله الدالة على صدق رسولنا وصدق ما جاء به .

{ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } أي : لا يرشدهم إلى مصالحهم ، ما دام الظلم لهم وصفًا ، والعناد لهم نعتًا .


[1095]:- في ب: ويعملوا بها.
[1096]:- في ب: علماء أهل الكتاب.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ ثُمَّ لَمۡ يَحۡمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلۡحِمَارِ يَحۡمِلُ أَسۡفَارَۢاۚ بِئۡسَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (5)

بعد هذا البيان - لفضل الله - تعالى - على نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، وعلى من أرسله لهدايتهم ، إلى الحديث عن جانب من رذائل اليهود ، وأمرت النبى - صلى الله عليه وسلم - أن يتحداهم وأن يرد على أكاذيبهم . . . فقال - تعالى : { مَثَلُ الذين . . . } .

المراد بالمثل فى قوله - تعالى - : { مَثَلُ الذين حُمِّلُواْ التوراة . . } الصفة والحال . .

والمراد بالذين حملوا التوراة : اليهود الذين كلفهم الله - تعالى - بالعمل بما اشتملت عليه التوراة من هدايات وأحكام وآداب . . . ولكنهم نبذوها وتركوا العمل بها .

والأسفار : جمع سفر ، وهو الكتاب الكبير المشتمل على ألوان من العلم النافع ، وسمى بذلك لأنه يسفر ويكشف عما فيه من المعانى المفيدة للمطلع عليها .

والمعنى : حال هؤلاء اليهود الذين أنزل الله - تعالى - عليهم التوراة لهدايتهم . . . ولكنهم لم ينتفعوا بها . . . كحال الحمار الذى يحمل كتب العلم النافع ، ولكنه لم يستفد من ذلك شيئا ، لأنه لا يفقه شيئا مما يحمله . .

ففى هذا المثل شبه الله - تعالى - اليهود الذين لم ينتفعوا بالتوارة التى فيها الهداية والنور ، بحال الحمار الذين يحمل كتب العلوم النافعة دون أن يستفيد بها .

ووجه الشبه بين الاثنين : هو عدم الانتفاع بما من شأنه أن ينتفع به انتفاعا عظيما ، لسمو قيمته ، وجلال منزلته .

قال صاحب الكشاف : شبه اليهود فى أنهم حملة التوراة وقراؤها وحفاظ ما فيها ، ثم إنهم غير عاملين بها ، ولا بمنتفعين بآياتها . . . بالحمار ، حمل أسفارا ، أى : كتبا كبارا من كتب العلم ، فهو يمشى بها ، ولا يدرى منها إلا ما يمر بجنبيه وظهره من الكد والتعب ، وكل من علم ولم يعمل بعلمه فهذا مثله ، وبئس المثل . .

وقال الإمام ابن كثير : يقول - تعالى - ذا ما لليهود الذين أعطوا التوراة فلم يعملوا بها ، إن مثلهم فى ذلك كمثل الحمار يحمل أسفارا . . . فهو يحملها حملا حسيا ولا يدرى ما عليه ، وكذلك هؤلاء . لم يعملوا بمقتضى ما فى التوراة بل أولوه وحرفوه ، فهم أسوأ من الحمار ، لأن الحمار لا فهم له ، وهؤلاء لهم فهوم لم يستعملوها ، ولهذا قال - تعالى - : فى آية أخرى : { أولئك كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ أولئك هُمُ الغافلون } وقال القرطبى : وفى هذا المثل تنبيه من الله - تعالى - لمن حمل الكتاب ، أن يتعلم معانيه ، ويعمل بما فيه ، لئلا يلحقه من الذم ما لحق هؤلاء اليهود ، قال الشاعر :

زوامل للأسفار لا علم عندهم . . . بجيِّدها ، إلا كعلم الأباعر

لعمرك ما يدرى البعير إذا غدا . . . بأوْساقِه ، أو راح ما فى الغرائر

وعبر - سبحانه - عن تكليفهم العمل بالتوراة وعن تركهم لذلك بقوله : { حُمِّلُواْ التوراة ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا } للإشعار بأن هذا التكليف منه - تعالى - لهم ، كان عهدا مؤكدا عليهم ، حتى لكأنهم تحملوه كما يتحمل الإنسان شيئا قد وضع فوق ظهره أو كتفيه . ولكنهم نيذوا هذا العهد ، وألقوا بما فوق أكتافهم من أحمال ، وانقادوا لأهوائهم وشهواتهم انقياد الأعمى لقائده . .

ولفظ " ثم " فى قوله { ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا } للتراخى النسبى ، لأن عدم وفائهم بما عهد إليهم ، أشد عجبا من تحملهم لهذه العهود .

وشبههم ، بالحمار الذى هو مثل فى البلادة والغباء ، لزيادة التشنيع عليهم ، والتقبيح لحالهم ، حيث زهدوا وأعرضوا عن الانتفاع بأثمن شىء نافع ، - وهو كتاب الله - كما هو شأن الحمار الذى لا يفرق فيما يحمله على ظهره بين الشىء النافع والشىء الضار .

وجملة " يحمل أسفارا " فى موضع الحال من الحمار ، أو فى موضع جر على أنها صفة للحمار ، باعتبار أن المقصود به الجنس ، فهو معرفة لفظا ، نكرة معنى .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : " يحمل " ما محلة ؟ قلت : محله النصب على الحال ، أو الجر على الوصف ، لأن لفظ الحمار هنا ، كلفظ اللئيم فى قول الشاعر :

ولقد أمر على اللئيم يسبنى . . . ثم أضاف - سبحانه - إلى ذم هؤلاء اليهود ذما آخر فقال : { بِئْسَ مَثَلُ القوم الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِ الله . . } .

و { بِئْسَ } فعل ذم ، وفاعله ما بعده وهو قوله : { مَثَلُ القوم } وقد أغنى هذا الفاعل عن ذكر المخصوص بالذم ، لحصول العلم بأن المذموم هو حال هؤلاء القوم الذين وصفهم - سبحانه - بأنهم قد كذبوا بآياته .

أى : بئس المثل مثل هؤلاء القوم الذين كذبوا بآيات الله - تعالى - الدالة على وحدانيته وقدرته ، وعلى صدق أنبيائه فيما يبلغونه عنه - تعالى - .

وقوله : { والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين } تذييل قصد به بيان الأسباب التى أدت إلى عدم توفيق الله - تعالى - لهم إلى الهداية .

أى : والله - تعالى - قد اقتضت حكمته ، أن لا يهدى إلى طريق الخير ، من ظلم نفسه ، بأن آثر الغى على الرشد ، والعمى على الهدى ، والشقاوة على السعادة ، لسوء استعداه ، وإنطماس بصيرته .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ ثُمَّ لَمۡ يَحۡمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلۡحِمَارِ يَحۡمِلُ أَسۡفَارَۢاۚ بِئۡسَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (5)

مثل الذين حملوا التوراة علموها وكلفوا العمل بها ثم لم يحملوها لم يعملوا بها أو لم ينتفعوا بما فيها كمثل الحمار يحمل أسفارا كتبا من العلم يتعب في حملها ولا ينتفع بها ويحمل حال والعامل فيه معنى المثل أو صفة إذ ليس المراد من الحمار معينا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله أي مثل الذين كذبوا وهم اليهود المكذبون بآيات الله الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ويجوز أن يكون الذين صفة للقوم والمخصوص بالذم محذوفا والله لا يهدي القوم الظالمين .