معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ تُؤۡتِي ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُۖ بِيَدِكَ ٱلۡخَيۡرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (26)

قوله تعالى : { قل اللهم مالك الملك } . قال قتادة : ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يجعل ملك فارس والروم في أمته ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال ابن عباس رضي الله عنهما وأنس بن مالك رضي الله عنه : لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وعد أمته ملك فارس والروم ، قالت المنافقون واليهود : هيهات هيهات ، من أين لمحمد صلى الله عليه وسلم ملك فارس والروم وهم أعز وأمنع من ذلك ؟ ألم يكف محمداً مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم ؟ فأنزل الله هذه الآية ( قل اللهم ) قيل معناه يا ألله ، فلما حذف حرف النداء زيد الميم في آخره ، وقال قوم : للميم فيه معنى ، ومعناها اللهم آمنا بخير ، أي اقصدنا ، حذف منه حرف النداء كقولهم : هلم إلينا ، كان أصله : هل أم إلينا ، ثم كثرت في الكلام فحذفت الهمزة استخفافاً ، وربما خففوا أيضاً فقالوا : لا هم .

قوله ( مالك الملك ) ( يعنى : يا مالك الملك ، أي مالك العباد وما ملكوا ، وقيل : يا ملك السماوات والأرض ، وقال الله تعالى في بعض الكتب : " أنا الله ملك الملوك ، ومالك الملوك ، قلوب الملوك ونواصيهم بيدي ، فإن العباد أطاعوني جعلتهم عليهم رحمة وإن عصوني جعلتهم عليهم عقوبة ، فلا تشتغلوا بسبب الملوك ، ولكن توبوا إلي أعطفهم عليكم ) .

قوله تعالى : { تؤتي الملك من تشاء } . قال مجاهد وسعيد بن جبير : يعني ملك النبوة ، وقال الكلبي ( تؤتي الملك من تشاء ) محمداً وأصحابه .

قوله تعالى : { وتنزع الملك ممن تشاء } . أبي جهل وصناديد قريش ، وقيل ( تؤتي الملك من تشاء ) العرب ( وتنزع الملك ممن تشاء ) فارس والروم ، وقال السدي : ( تؤتي الملك من تشاء ) آتى الله الأنبياء عليهم السلام وأمر العباد بطاعتهم ، ( وتنزع الملك ممن تشاء ) نزعه من الجبارين ، وأمر العباد بخلافتهم . وقيل : ( تؤتي الملك من تشاء ) آدم وولده ( وتنزع الملك ممن تشاء ) إبليس وجنوده .

وقوله تعالى : { وتعز من تشاء وتذل من تشاء } . قال عطاء " تعز من تشاء " المهاجرين والأنصار . ( وتذل من تشاء ) فارس والروم ، وقيل :( تعز من تشاء ) محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى دخلوا مكة في عشرة آلاف ظاهرين عليها ، ( وتذل من تشاء ) أبا جهل وأصحابه حتى حزت رؤوسهم وألقوا في القليب ، وقيل ( تعز من تشاء ) بالإيمان والهداية ، ( وتذل من تشاء ) بالكفر والضلالة ، وقيل : ( تعز من تشاء ) بالطاعة ( وتذل من تشاء ) بالمعصية ، وقيل : ( تعز من تشاء ) بالنصرة . ( وتذل من تشاء ) بالقهر ، وقيل ( تعز من تشاء ) بالغنى ( وتذل من تشاء ) بالفقر ، وقيل ( تعز من تشاء ) بالقناعة والرضى ( وتذل من تشاء ) بالحرص والطمع .

قوله تعالى : { بيدك الخير } أي بيدك الخير والشر ، فاكتفى بذكر أحدهما . قال تعالى ( سرابيل تقيكم الحر ) أي الحر والبرد ، فاكتفى بذكر أحدهما .

قوله تعالى : { إنك على كل شيء قدير } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ تُؤۡتِي ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُۖ بِيَدِكَ ٱلۡخَيۡرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (26)

{ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم { قل اللهم مالك الملك } أي : أنت الملك المالك لجميع الممالك ، فصفة الملك المطلق لك ، والمملكة كلها علويها وسفليها لك والتصريف والتدبير كله لك ، ثم فصل بعض التصاريف التي انفرد الباري تعالى بها ، فقال : { تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء } وفيه الإشارة إلى أن الله تعالى سينزع الملك من الأكاسرة والقياصرة ومن تبعهم ويؤتيه أمة محمد ، وقد فعل ولله الحمد ، فحصول الملك ونزعه تبع لمشيئة الله تعالى ، ولا ينافي ذلك ما أجرى الله به سنته من الأسباب الكونية والدينية التي هي سبب بقاء الملك وحصوله وسبب زواله ، فإنها كلها بمشيئة الله لا يوجد سبب يستقل بشيء ، بل الأسباب كلها تابعة للقضاء والقدر ، ومن الأسباب التي جعلها الله سببا لحصول الملك الإيمان والعمل الصالح ، التي منها اجتماع المسلمين واتفاقهم ، وإعدادهم الآلات التي يقدروا عليها والصبر وعدم التنازع ، قال الله تعالى : { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم } الآية فأخبر أن الإيمان والعمل الصالح سبب للاستخلاف المذكور ، وقال تعالى : { هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم } الآية وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين } فأخبر أن ائتلاف قلوب المؤمنين وثباتهم وعدم تنازعهم سبب للنصر على الأعداء ، وأنت إذا استقرأت الدول الإسلامية وجدت السبب الأعظم في زوال ملكها ترك الدين والتفرق الذي أطمع فيهم الأعداء وجعل بأسهم بينهم ، ثم قال تعالى : { وتعز من تشاء } بطاعتك { وتذل من تشاء } بمعصيتك { إنك على كل شيء قدير } لا يمتنع عليك أمر من الأمور بل الأشياء كلها طوع مشيئتك وقدرتك .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ تُؤۡتِي ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُۖ بِيَدِكَ ٱلۡخَيۡرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (26)

من توجيهات القرآن الكريم :

بعد أن تحدثت سورة آل عمران ، عن المعرضين عن الحق أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم كما أمر كل مؤمن أن يتوجه إليه بالضراعة . فقال تعالى : { قُلِ اللهم . . . } .

قال القرطبي : قال ابن عباس وأنس بن مالك : " لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، ووعد أمته ملك فارس والروم ، قال المنافقون واليهود : هيهات هيهات ! من أين لمحمد ملك فارس والروم وهم أعز وأمنع من ذلك ، ألم يكف محمداً مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم . فأنزل الله هذه الآية .

والأمر بقوله { قُلِ } للنبى صلى الله عليه وسلم ولكل من يتأتى له الخطاب من المؤمنين .

وكلمة { اللهم } يرى الخليل وسيبويه أن أصلها يا الله فلما استعملت دون حرف النداء الذى هو " يا " جعلوا هذه الميم المشددة التى فى آخرها عوضا عن حرف النداء ، وهذا التعويض من خصائص الاسم الجليل ، كما اختص بجواز الجمع فيه بين " يا " و " أل " وبقطع همزته ، ودخول تاء القسم عليه .

والمعنى . قل أيها المخاطب على سبيل التعظيم لربك ، والشكر له ، والتوكل عليه والضراعة إليه ، قل : يا الله يا مالك الملك أنت وحدك صاحب السلطان المطلق في هذا الوجود ، بحيث تتصرف فيه كيف تشاء ، إيجادا وإعداما ، وإحياء وإماتة ، وتعذيبا وإثابة ، من غير أن ينازعك في ذلك أي منازع .

فكأن في هذه الجملة الكريمة { قُلِ اللهم مَالِكَ الملك } دعاءين خاشعين :

أما الدعاء الأول فهو بلفظ الجلالة المعبر عنه بقوله { اللهم } أى يا الله ، وفى هذا النداء كل معانى العبودية والتنزيه والتقديس والخضوع .

وأما الدعاء الثاني فهو المعبر عنه بقوله { مَالِكَ الملك } أى يا مالك الملك ، وفى هذا النداء كل معانى الإحساس بالربوبية ، والضعف أمام قدرة الله وسلطانه .

فقوله { مَالِكَ } منصوب بحرف النداء المحذوف . كما في قوله { قُلِ اللهم فَاطِرَ السماوات والأرض } أى يا فاطر السموات والأرض .

ثم فصل - سبحانه - بعض مظاهر خلقه التي تدل على أنه هو مالك الملك على الحقيقة فقال - تعالى - { تُؤْتِي الملك مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الملك مِمَّنْ تَشَآءُ } .

أى أنت وحدك الذي تعطى الملك من تشاء إعطاءه من عبادك ، وتنزعه ممن تشاء ، نزعه منهم ، فأنت المتصرف في شئون خلقك لا راد لقضائك ولا معقب لحكمك .

وعبر بالإيتاء الذى هو مجرد لإعطاء دون التمليك المؤذن بثبوت المالكية ، للتنبيه على أن المالكية على الحقيقة إنما هي مختصة بالله رب العالمين ، أما ما يعطيه لغيره من ملك فهو عارية مستردة ، وهو شىء زائل لا يدوم .

والتعبير عن إزالة الملك بقوله { وَتَنزِعُ الملك مِمَّنْ تَشَآءُ } يشعر بأنه - سبحانه - فى قدرته أن يسلب هذا العطاء من أى مخلوق مهما بلغت سعة ملكه ، ومهما اشتدت ، قوته ، وذلك لأن لفظ النزع يدل على أن المنزع منه الشىء كان متمسكا به ، فسلبه الله منه بمقتضى قدرته وحكمته .

والمراد بالملك هنا السلطان ، وقيل النبوة ، وقيل غير ذلك .

قال الفخر الرازي : وقوله { تُؤْتِي الملك مَن تَشَآءُ } محمول على جميع أنواع الملك فيدخل فيه ملك النبوة ، وملك العقل ، والصحة ، والأخلاق الحسنة . وملك النفاذ والقدرة ، وملك المحبة ، وملك الأموال ، وذلك لأن اللفظ عام فالتخصيص من غير دليل لا يجوز " .

ومفعول المشيئة في الجملتين محذوف أى : تؤتى الملك من تشاء إيتاءه وتنزعه ممن تشاء نزعه منه .

أما الأمر الثاني الذي يدل على أنه - سبحانه - هو مالك الملك على الحقيقة فهو قوله { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } .

العزة - كما يقول الراغب - حالة مانعة للإنسان من أن يغلب ، من قولهم : أرض عزاز : أى صلبة ، وتعزز اللحم : اشتد وعز ، كأنه حصل في عزاز يصعب الوصول إليه . . . . والعزيز الذى يقهر ولا يغلب .

وتذل ، من الذل ، وهو ما كان عن قهر ، يقال : ذل يذل ذلا إذا قهر وغلب والعزة صفة نفسية يحس بها المؤمن الصادق في إيمانه ، لأنه يشعر دائما بأنه عبد الله وحده وليس عبدا لأحد سواه ، قال - تعالى - { وَلِلَّهِ العزة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } فالمؤمنون الصادقون أعزاء ولو كانوا في المال والجاه فقراء . أما الكافرون أذلاء ، لأنهم خضعوا لغير الله الواحد القهار .

والمعنى : أنت يا الله يا ملك الملك ، أنت وحدك الذى تؤتى الملك لمن تشاء أن تؤتيه له ، وتنزعه ممن تريد نزعه منه ، وأنت وحدك الذي تعز من تشاء إعزازه بالنصر والتوفيق ، وتذل من تشاء إذلاله بالهزيمة والخذلان ، ثم ختم - سبحانه - الآية بهذا التسليم المطلق من المؤمنين لذته فقال - تعالى - : { بِيَدِكَ الخير إِنَّكَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .

أى أنت وحدك الذى تملك الخير كله ، وتتصرف فيه حسب إرادتك ومشيئتك ، لأنك على كل شىء قدير .

وأل في الخير للاستغراق الشامل ، إذ كل خير فهو بيده - سبحانه - وقدرته ، وتقديم الجار والمجرور { بِيَدِكَ } لإفادة الاختصاص ، أى بيدك وحدك على الحقيقة لا بيد غيرك ، وجملة " إنك على كل شيء قدير " تعليلية .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : " كيف قال { بِيَدِكَ الخير } فذكر الخير دون الشر ؟ قلت : لأن الكلام إنما وقع في الخير الذى يسوقه إلى المؤمنين وهو الذى أنكرته الكفرة فقال بيدك الخير ، تؤتيه أولياءك على رغم من أعدائك ، ولأن أفعال الله - تعالى - من نافع وضار صادر عن الحكمة والمصلحة فهو خير كله كإيتاء الملك ونزعه " .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ تُؤۡتِي ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُۖ بِيَدِكَ ٱلۡخَيۡرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (26)

يقول تعالى : { قُلْ } يا محمد ، معظما لربك ومتوكلا عليه ، وشاكرًا له ومفوضًا إليه : { اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ } أي : لك الملك كله { تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنزعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ } أي : أنت المعطي ، وأنت المانع ، وأنت الذي ما شئت كان وما لم تشأ لم يكن .

وفي هذه الآية تنبيه وإرشاد إلى شكر نعمة الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة ؛ لأن الله حول النبوة من بني إسرائيل إلى النبي العربي القرشي المكي الأمي خاتم الأنبياء على الإطلاق ، ورسول الله إلى جميع الثقلين الإنس والجن ، الذي جمع الله فيه محاسن من كان قبله ، وخصه بخصائص لم يُعْطهَا نبيًا من الأنبياء ولا رسولا من الرسل ، في العلم بالله وشريعته وإطلاعه على الغيوب الماضية والآتية ، وكشفه عن حقائق الآخرة ونشر أمته في الآفاق ، في مشارق الأرض ومغاربها ، وإظهار دينه وشرعه على سائر الأديان ، والشرائع ، فصلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين ، ما تعاقب الليل والنهار . ولهذا قال تعالى : { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ [ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنزعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ]{[4924]} } أي : أنت المتصرف في خلقك ، الفعال لما تريد ، كما رد تبارك وتعالى على من يتحكم{[4925]} عليه في أمره ، حيث قال : { وَقَالُوا لَوْلا نزلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] .

قال الله تعالى ردًا عليهم : { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ [ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ] {[4926]} } الآية [ الزخرف : 32 ] أي : نحن نتصرف في خلقنا كما نريد ، بلا ممانع ولا مدافع ، ولنا الحكمة والحجة في ذلك ، وهكذا نعطي النبوة لمن نريد ، كما قال تعالى : { اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [ الأنعام : 124 ] وقال تعالى : { انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ

[ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا ]{[4927]} } [ الإسراء : 21 ] وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة " إسحاق بن أحمد " من تاريخه عن المأمون الخليفة : أنه رأى في قَصْرٍ ببلاد الروم مكتوبا بالحميرية ، فعرب له ، فإذا هو : باسم الله ما اختلف الليل والنهار ، ولا دارت نجوم السماء في الفلك إلا بنقل النعيم عن مَلِك قد زال سلطانه إلى ملك . ومُلْكُ ذي العرش دائم أبدًا ليس بِفَانٍ ولا بمشترك{[4928]} .


[4924]:زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي هـ: "الآية".
[4925]:في أ، و: "تحكم".
[4926]:زيادة من جـ، ر، أ، و.
[4927]:زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي هـ: "الآية".
[4928]:تاريخ دمشق لابن عساكر (2/706 المخطوط) ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور (4/264).