التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ تُؤۡتِي ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُۖ بِيَدِكَ ٱلۡخَيۡرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (26)

قوله تعالى : ( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب ) .

قال ابن عباس وأنس بن مالك في سبب نزول ( قل اللهم مالك الملك ) لما افتتح رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة ووعد أمته ملك فارس والروم ، قالت المنافقون ، اليهود : هيهات هيهات . من أين لمحمد ملك فارس والروم ، هم أعز وأمنع من ذلك . ألم يكف محمدا مكة والمدينة حتى طمع في فارس والروم ؟ فأنزل الله هذه الآية{[438]} .

قوله : ( اللهم ) موضع خلاف لدى النحويين ، ونختار من أقوالهم ما نجده راجحا وهو أن ( اللهم ) معناه : يا ألله . والميم المشددة عوض عن : يا . وهو قول الخليل وسيبويه . وقيل غير ذلك{[439]} وبذلك يكون المعنى : يا مالك الملك . أي يا مالك الدنيا والآخرة . يا من له ملكوت الكون كله خالصا لك من غير شريك ولا نديد . أنت ( تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ) أي تعطي من تشاء من عبادك في هذه الدنيا ما تشاء مما تملكه أو تسلطه عليه ، وأنت قادر كذلك على انتزاع هذا الملك من مالكه المتسلط عليه من الناس . وكذلك فإن الله يعز بفضله ورحمته من يشاء من عباده إذ يسلبه الملك ويسلط عليه عدوه . وهو جل جلال بيده الخير . واليد بمعنى القدرة ، أي أن الخير بقدرة الله يكتبه لمن يشاء من خلقه . وألف التعريف في الخير تفيد الاستغراق . أي أن الخير كله بيد الله وحده لا بيد غيره . على أن الخير كلمة جامعة يلج فيها كل وجوه النعمة والعطاء ، سواء في ذلك المال أو الجاه أو الشرف أو السلطان . ويأتي في ذروة ذلك كله نعمة الدين والإيمان . وذلك مقتضى قوله : ( تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير ) فهذه حقائق راسخة عن عظيم شأن الله وعظيم قدرته مما ينبثق عن التصور العظيم لألوهية الله المدبر لأمور الكون جميعا والذي بيده ملكوت كل شيء . فمثل هاتيك الحقائق الثوابت الكبريات تجليها العبارة القرآنية الفذة ( إنك على كل شيء قدير ) .


[438]:- أسباب النزول للنيسابوري ص 63.
[439]:- تفسير الرازي جـ 8 ص 2.