تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ تُؤۡتِي ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُۖ بِيَدِكَ ٱلۡخَيۡرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (26)

{ قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير تولج الليل قي النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب }

المفردات :

اللهم : أصله يا الله فحذف ( يا ) عوض عنها الميم وشددت لكونها عوض عن حرفين ولا تجمع الميم ( يا ) إلا شذوذا كقول الشاعر :

إني إذا ما حدث ألما *** أقول يا اللهم يا اللهما

مالك الملك : الملك بضم الميم وفتحها وكسرها معناها الاحتواء أي الحيازة مع القدرة على التصرف مأخوذة من ملك الشيء يملكه : احتواه قادرا على حرية التصرف فيه . وهو بهذا المعنى يطلق على : ملك الله وملك غيره ومعنى : مالك الملك : صاحب السلطان والتصرف المطلق .

بيدك الخير : بقدرتك منح الخير ومنعه .

26

26- { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك من تشاء } .

أي أنت يا ربنا سبحانك لك السلطان الأعلى والتصرف التام في تدبير الأمور وإقامة ميزان النظام العام في الكائنات فأنت تأتي الملك من تشاء من عبادك إما تبعا للنبوة كما وقع لآل إبراهيم وإما بالاستقلال بحسب السنن الحكيمة الموصلة إلى ذلك واتباع الأسباب الاجتماعية بتكوين القبائل والشعوب وتنزع الملك ممن تشاء بانحراف الناس عن الطريق السوي الحافظ للملك من العدل وحسن الساسة وإعداد القوة بقدر المستطاع كما نزعه من بني إسرائيل وغيرهم وبظلمهم وفسادهم .

و تعز من تشاء : في الدنيا والآخرة بأسباب العزة والكرامة .

و تذل من تشاء : أن تذله في إحداهما او فيهما من غير ممانعة من الغير ولا مدافعة .

بيدك الخير : أي بقدرتك الخير كله لا بقدرة احد غيرك تتصرف فيه قبضا وبسطا حسبما تقتضيه مشيئتك .

إنك على كل شيء قدير : فقدرتك لا حدود لها وعطاؤك غير منقوص وأنت قادر على أن تعطي الملك من تشاء وتنزعه ممن تشاء .

من كتب التفسير :

1- جاء في تفسير أبي السعود :

روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خط الخندق عام الأحزاب وقطع لكل عشرة من أهل المدينة أربعين ذراعا وأخذوا يحفرونه خرج من بطن الخندق صخرة كالتل لم تعمل فيها المعاول فوجهوا سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فجاء عليه السلام وأخذ منه المعول فضربها ضربة صدعتها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم فكبر وكبر معه المسلمون وقال : أضاءت لي منها قصور الحيرة كأنها أنياب الكلاب . ثم ضرب الثانية فقال : أضاءت لي منها القصور الحمر من ارض الروم ثم ضرب الثالثة فقال : أضاءت لي قصور صنعاء وأخبرني جبريل ان أمتي ظاهرة على كلها فأبشروا فقال المنافقون : ألا تعجبون يمينيكم ويعدكم الباطل ويخبركم أنه يبصر من يرث قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أن تبرزوا فنزلت هذه الآية : { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء . . } ( 152 ) .

2- جاء في التفسير الوسيط لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر :

الملك بضم الميم في حق الله تعالى وهو على ما قاله المحققون صفة قائمة بذاته تعالى متعلقة بما سواه تعلق التصرف التام المقتضي الاستغناء المتصرف وافتقار المتصرف فيه ولا يصح إطلاقه بهذا المعنى على غير الله تعالى .

و هو أخص من الملك بكسر الميم فإنه صفة تقتضي الاستلاء والتسلط على شيء بطريق مشروع وتجعله صاحب الحق في التصرف من غير نظر إلى استغناء المتصرف وافتقار المتصرف فيه ولهذا يصح إطلاقه على غير الله تعالى .

3- جاءت في المنتخب في تفسير القرآن العظيم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة تعليقا في الهامش على قوله تعالى : { تخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي } . هو ما يأتي .

" دورة الحياة والموت هي معجزة الكون وسر الحياة نفسها والسمات الرئيسية في هذه الدورة أن الماء وثاني أكسيد الكاربون والنيتروجين والأملاح غير العضوية في التربة تتحول بفضل طاقة الشمس والنباتات الخضراء وأنواع معينة من البكتيريا إلى مواد عضوية في صورة نفايات الأحياء ونواتج أيضها وتنفسها .

ثم في صورة أجسامها كلها عندما تموت وتستسلم لعوامل التحول البكتيري والكيماوي التي تحيلها على مواد غير عضوية بسيطة مهيأة للدخول في دورة جديدة من دورات الحياة وهكذا في كل لحظة من الزمان يخرج الخالق القدير حياة من الموت وموتا من الحياة وهذه الدورة المتكررة لا تتم إلا في وجود كائن أودعه الله سر الحياة كبذرة النبات مثلا .

و الآية الكريمة تذكر أولي الألباب بالمعجزة الأولى وهي خلق الحياة من مادة الأرض - لإخراج الميت من الحي وهذا هو الإعجاز بعينه .