معاني القرآن للفراء - الفراء  
{قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ تُؤۡتِي ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُۖ بِيَدِكَ ٱلۡخَيۡرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (26)

وقوله : { قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ }

{ اللهم } كلمة تنصبها العرب . وقد قال بعض النحويين : إنما نصبت إذ زيدت فيها الميمان لأنها لا تنادى بيا ؛ كما تقول : يا زيد ،

ويا عبد الله ، فجعلت الميم فيها خَلَفا من يا . وقد أنشدني بعضهم :

وما عليكِ أن تقولي كُلَّما *** صلَّيتِ أو سبَّحتِ يا اللهمَّ ما

*** اُردُدْ علينا شيخنا مسلما ***

ولم نجد العرب زادت مثل هذه الميم في نواقص الأسماء إلا مخفَّفة ؛ مثل الفم وابنم وهم ، ونرى أنها كانت كلمة ضمّ إليها ؛ اُمّ ، تريد : يا ألله اُمّنا بخير ، فكثرت في الكلام فاختلطت . فالرفعة التي في الهاء من همزة أُمّ لما تركت انتقلت إلى ما قبلها . ونرى أن قول العرب : ( هَلُمَّ إلينا ) مثلها ، إنما كانت ( هل ) فضمّ إليها أُمّ فتركت على نصبها . ومن العرب من يقول إذا طرح الميم : يا ألله اغفر لي ، ويا الله اغفر لي ، فيهمزون ألفها ويحذفونها . فمن حذفها فهو على السبيل ؛ لأنها ألف ولام مثل الحارث من الأسماء . ومن همزها توهّم أنها من الحرف إذ كانت لا تسقط منه ؛ أنشدني بعضهم :

مباركٌ هُوّ ومَن سماه *** على اسمك اللهمَّ يا ألله

وقد كثرت ( اللهم ) في الكلام حتى خُفِّفت ميمها في بعض اللغات ؛ أنشدني بعضهم :

كحَلْفَةٍ من أبي رياح *** يسمعها اللهمَ الكُبار

وإنشاد العامّة : لاهه الكبار . وأنشدني الكسائي :

*** يسمعها الله والله كبار ***

وقوله تبارك وتعالى : { تُؤْتِى المُلْكَ مَنْ تَشَاء } . ( إذا رأيت من تشاء مع من تريد من تشاء أن تنزِعه منه ) . والعرب تكتفي بما ظهر في أوّل الكلام مما ينبغي أن يظهر بعد شئت . فيقولون : خذ ما شئت ، وكن فيما شئت . ومعناه فيما شئت أن تكون فيه . فيحذف الفعل بعدها ؛ قال تعالى : " اعملوا ما شِئتم " وقال تبارك وتعالى { في أي صورةٍ ما شاء ركّبك } والمعنى -والله أعلم - : في أي صورة شاء أن يركّبك ركّبك . ومنه قوله تعالى : { وَلَوْلاَ إذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شَاء الله } وكذلك الجزاء كله ؛ إن شئت فقم ، وإن شئت فلا تقم ؛ المعنى : إن شئت أن تقوم فقم ، وإن شئت ألاَّ تقوم فلا تقم . وقال الله { فَمَنْ شَاء فَلْيُؤْمِنْ ومَنْ شَاء فَلْيَكْفُرْ } فهذا بيّن أنّ المشيئة واقعة على الإيمان والكفر ، وهما متروكان . ولذلك قالت العرب : ( أَيُّها شئت فلك ) فرفعوا أيّا لأنهم أرادوا أيُّها شئت أن يكون لك فهو لك . وقالوا ( بِأيِّهم شئت فمرّ ) وهم يريدون : بأيّهم شئت أن تمرّ فمرّ .