الآية 26 وقوله تعالى : { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء } الآية ، يحتمل قوله : { مالك الملك } وجهين :
[ أحدهما ]{[3706]} : { يملك الملك } كل ملك في الدنيا حقيقة الملك .
والثاني : أن الملك له يؤتي من يشاء من ملكه ، وينزع من يشاء الملك ، وهو المالك لذلك ، والقادر عليه .
والآية ترد على القدرية قولهم لأنهم يقولون : إن الله لا يعطي الكافر الملك ، وهو أخبر جل وعلا أنه يؤتي من يشاء الملك ، وقد روي : ( الكافر له الملك ) . فإن قالوا أراد بالملك الدين ، قيل : إن أراد الدين فقد أخبر جل وعلا أيضا أنه ينزع ، فكيف يستقيم على قولكم في الأصلح هذا ؟
ثم في الآية تقوية لمن قرأ { مالك يوم الدين } [ الفاتحة : 3 ] بالألف [ بوجهين :
أحدهما : لأنه أعم وأجمع ، ولأنه ]{[3707]} : قال : { مالك الملك } ، وهو أعم .
والثاني : الملك إنما يعبر عن الولاية والسلطان ، والمالك إنما يعبر عن حقيقة الملك ، ومن له في الشيء حقيقة الملك فله ولاية التغلب والتصرف فيه وولاية{[3708]} السلطان ولا كل من له ولاية السلطان يكون له ولاية التغلب فيه ، لذلك كان بالألف أقرب .
ومن قرأ : ملك { يوم الدين } بغير ألف{[3709]} ذهب إلى هذا كقوله : { الملك يومئذ لله يحكم بينهم } [ الحج : 56 ] ، ومن الملك يقال : ملك ، ويقال : مالك ، لذلك كان ما ذكر ، والله أعلم . والمالك على الإطلاق لا يقال إلا على الله ، وكذلك الرب على الإطلاق لا يقال إلا على الله . أما العبد فإنه يقرب الشيءُ إليه ، فيقال : رب الدار ومالكها ، ورب الدابة ومالكها ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { قل اللهم مالك الملك } قال القائلون : /57- أ/ الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ، وقال آخرون : الخطاب بذلك لكل عاقل ، وهو كقوله : { قل هو الله أحد } [ الإخلاص : 1 ] إلى آخر السورة{[3710]} ، ذلك الخطاب لكل واحد لا لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة .
قال الشيخ رضي الله عنه : هو خطاب ولكنه أمر بالبلاغ ليقوله كل أحد لأنه لو خوطب به ، لم يذكر { قل } عند قراءته .
وقوله تعالى : { اللهم } قال قائلون : { اللهم } يعني [ يا الله ]{[3711]} وقال آخرون : الله على القطع ، أمنا : اقصدنا بالخير ، والله أعلم .
قال الشيخ ، رحمه الله ، في قوله : { قل اللهم مالك الملك } الآية فكأن الله جل وعلا امتحن من رغب في الملك ، أو نال حظا منه ، أن يصرفوا وجه الرغبة إليه ، أو يروا حقيقة ما نالوه منه ، فيوجهوا إليه الشكر ، ويخضعوا له بالعبادة والطاعة في أمرهم به لينالوا شرفه ، ويدوم له عزه ذلك كقوله : { من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة } [ النساء : 134 ] ليريهم أن الذي يملك هذا النوع الذي رغبت فيه أنفسكم ، ومنعتكم عن القيام بحقه ، هو الذي يملك ذلك ، فإليه فاصرفوا سعيكم ولشكره استديموا الذي له اخترتم جل كدحكم ، فإنه يملك ذلك دون غيره .
وجملة ذلك في قوله : { وما بكم من نعمة فمن الله } [ النحل : 53 ] ومعقول ، في ما عليه طبع البشر ، وإليه دعتهم عقولهم ، أن كل شيء تؤثره أنفسهم كان الذي يحق عليهم طلبه عند من به يوصل إليه واختبارهم ما به يبلغون ما يؤملون من أنواع الحيل التي تقربهم إلى ذلك . فمثله يلزم أمر الملك ولذات الدنيا ، ويقرر في قلوبهم وجود ذلك لقوم ، لو كان ينال بالتدبير أو بحسن السياسة ، وطلب ذلك من الوجوه التي يطالب بها البشر ، لم يكن الذين لهم ذلك بأحق من غيرهم ، بل كان [ فيهم من حرموا منه ]{[3712]} أولى بذلك ، وأحق أن يكون في ذلك متبوعا لا تابعا من الذين نالوه ليعلم أن الذي يملك دفع ذلك إلى أحد أو تمليكه أحدا غير الذي صرفوا كدحهم [ إليه ]{[3713]} ، وجعلوا له سعيهم فيكون الله في كل أمر مما عليه أمر البشر آية عظيمة وعلامة لطيفة على تقرره بملك ذلك وتوحيده بالتدبير فيه لمن له بصيرة ولمن به يمتحن عباده .
وعلى ذلك إذ ثبتت أدلة التوحيد ولزوم الاعتبار له ليعرف من له الحق ثبت القول ببطلان ما ينكره كثير من المعتزلة أن الملك الذي ناله الجبابرة ، والسعة التي تصل إلى الكفرة لم يكن نالوه بتقدير الله ، ولا وصلوا إليه بتدبيره{[3714]} ، إذ حقه ما ذكرت من عظم ما فيه من النعم ليلزمهم أرفع المحن وأعلى الشكر ، وله أن يبلوا بالحسنات والسيئات {[3715]} كما وعد جل وعلا وجملته أن الدنيا إذ هي دار محنة ومكان ابتلاء فليس الذي يعطي منه على الاستحقاق ولا ما يمنع على العقوبة ، وإن احتمل الدفع والمنع لذلك ، ولكن له وللمحن والمحنة أكثر ما على مخالفة الأهواء وتحمل المكاره ، ويكون ذلك على إعطاء ما يعظم في أنفسهم أو التمكين ليمتحنوا ، فيتبين الإيثار والترك لوجه الله والرغبة في من إليه حقيقة ملك كل شيء ، أو الميل إلى من إليه أنواع التقدير والمخادعات من غير تحقيق ، ولا قوة إلا بالله .
وعلى ذلك قوله : { أن آتاه الله الملك } [ البقرة / 258 ] يبين ذلك احتجاجه على إبراهيم عليه السلام بالذي ذكر وإغضاء إبراهيم عنه ، ولو كان الذي آتاه الملك إبراهيم عليه السلام لم [ يكن ليجترئ ]{[3716]} على تلك المقالة بقوله : { أنا أحيي وأميت } ولا قوة إلا بالله .
ثم على قول المعتزلة : إن الله تعالى إنما يشاء أن يؤتي الملك أولياءه ، وينزع عن أعدائه في الجملة ، فكيف ادعى لنفسه هذا السلطان والملك ، وكان الوجود على ضد ذلك ؟ أيظن المعتزلة أن الملاحدة تطعن ما هو يوجب الشبهة في حجج التوحيد بأوضح مما أعطاهم المعتزلة بهذا القول ، ويمكنهم من الطعن في نقض ما ادعت الموحدة{[3717]} من علو الرب وقدرته وجلاله بأبلغ{[3718]} مما لقنهم المعتزلة بما لبست ثوب التوحيد ، واستترت بستره في الظاهر ، ثم أعطت الملحدة هذا ليظنوا أنهم بلغوا ما به نقض التوحيد ، ودفع{[3719]} حجج أهله ؟ جل الله عما وصفته الملحدة ، وتعالى ، وبه العصمة والنجاة . وما{[3720]} أعطتهم المعتزلة في الجملة سبقهم{[3721]} به إبليس حتى كانوا به وبمثله{[3722]} يحتجون ، فيظنون أنهم أحق بالنبوة منهم{[3723]} وبما أعطوا من الملك والثروة في الدنيا ، ظنوا{[3724]} أنهم أجل عند الله تعالى ، وأرفع في [ المنزلة منهم ، فلم ]{[3725]} يكن ليؤثرهم بالرسالة عنهم . لكن أولئك [ الموحدين ]{[3726]} حققوا حقائق النعم لله ونيل ما نالوا من الملك والشرف به ، والمعتزلة رامت{[3727]} إزالة ذلك عن الله ليزيلوا عنهم ما لزمهم من الشكر له والطاعة لمن بعثه الله ، نسأل الله تمام نعيمه في الدين والدنيا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.