{ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ } ، قد روى الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وروى جعفر ابن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : " إنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال : " لما أراد اللَّه أنْ ينزّل فاتحة الكتاب ، وآية الكرسي ، و{ شَهِدَ اللَّهُ } ، و{ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ } . . . إلى { بِغَيْرِ حِسَابٍ } تعلقن بالعرش ، وليس بينهن وبين اللَّه حجاب ، وقلن : يا رب تهبطنا دار الذنوب وإلى من يعصيك ونحن متعلقات بالطيور والعرش . فقال تعالى : وعزَّتي وجلالي ما من عبد قرأكنَّ في دبر كل صلاة مكتوبة إلاَّ أسكنتهُ حظيرة القدس على ما كان فيه ، وإلاّ نظرتُ له بعيني في كل يوم سبعين مرة ، وإلاَّ قضيت له في كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة ، وإلاَّ أعذته من كل عدو ونصرته عليه ، ولا يمنعه دخول الجنة إلاَّ الشرك " .
وقال معاذ بن جبل : " احتبستُ عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوماً لم أصلِّ معهُ الجمعة . فقال : يا معاذ ما منعك من صلاة الجمعة ؟ قلت : يا رسول اللَّه كان ليوحنا اليهودي عليَّ أوقية ( من تبر ) ، وكان على بابي يرصدني ، فأشفقت أن يحبسني دونك . فقال : " أتحب يا معاذ أنْ يقضي اللَّه دينك ؟
قلت : نعم يا رسول اللَّه . قال : قل { اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ } . . إلى قوله : { بِغَيْرِ حِسَابٍ } ، وقل : " يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمها تُعطي منها ما تشاء وتمنع منها ما تشاء ، اقضِ عني دَيني . فإنْ كان عليك ملىء الأرض ذهباً قضاهُ اللَّه عنك " .
قال قتادة : " ذُكر لنا أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سأل ربه أنْ يجعل مُلك فارس والروم في أمته ، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية . " وقال ابن عباس ، وأنس بن مالك :
" لما فتح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مكة ووعد أمته مُلك فارس والروم . قالت : المنافقين واليهود : هيهات هيهات من أينَ لمحمد مُلك فارس ، هم أعزَّ وأمنع من ذلك ، ألم يكف محمداً مكة والمدينة حتى طمع في مُلك فارس والروم . فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية . " وروى كثير بن عبد اللَّه بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده ، قال : " خطّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الخندق في عام الأحزاب . ثمّ قطع أربعين ذراعاً بين كلّ عشرة ، قال : فاحتج المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي ، وكان رجلاً قوياً ، فقال المهاجرون : سلمان مِنّا . وقال الأنصار : سلمان منّا .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم " سلمان منّا أهل البيت " .
قال عمرو بن عوف : " كنتُ أنا وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن المزني وستة من الأنصار في أربعين ذراعاً ، فحفرنا حتى بلغنا الصدى أخرج اللَّه من بطن الخندق صخرة مروة كسرت حديدنا وشقَّت علينا . فقلنا يا سلمان : آت إلى رسول اللَّه وأخبره خبر هذه الصخرة . فإمّا أنْ نعدل عنها فإنَّ المعدل قريب ، وإما أن يأمرنا فيها بأمر ، فإنّا لا نحب أن نجاوز خطه .
قال : فرقى سلمان إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو ضارب عليه قبّة تركية . فقال : يا رسول اللَّه خرجت صخرة بيضاء مروة من بطن الخندق ، وكسرت حديدنا وشقت علينا حتى ما يجيء منها قليل ولا كثير ، فمرنا فيها بأمرك فإنّا لا نحب أن نجاوز خطك ، قال : فهبط رسول اللَّه مع سلمان الخندق وبقينا نحن التسعة على شفة الخندق . فأخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المعول من سلمان فضربها ضربة صدعها ، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها ، يعني المدينة ، حتى لكأن مصباحاً في جوف بيت مظلم ، فكبَّر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تكبير فَتْح ، وكبَّر المسلمون ، ثم ضربها صلى الله عليه وسلم فكسرها ، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحاً في جوف بيت مظلم ، فكبَّر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تكبير فتح ، وكبَّر المسلمون معه . فأخذ بيد سلمان ورقى . فقال سلمان : بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه لقد رأيتُ شيئاً ما رأيتُ مثلهُ قط فالتفت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى القوم فقال : رأيتم ما يقول سلمان ؟ قالوا : نعم يا رسول اللَّه ( بأبينا أنت وأمّنا وقد رأيناك تضرب فيخرج برق كالموج ، فرأيناك تكبّر فنكبّر ولا نرى شيئاً غير ذلك ) قال : ضربت ضربتي الأولى ، فبرق الذي رأيتم ، أضاءت لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب ، وأخبرني جبرائيل ( عليه السلام ) أنَّ أمتي ظاهرة عليها ، ثم ضربت ضربتي الثانية فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور نصرى من أرض الروم كأنَّها أنياب الكلاب ، وأخبرني جبرائيل ( عليه السلام ) أنَّ أمتي ظاهرة عليها . ( ثم ضربت ضربتي الثالثة فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب ، وأخبرني جبرائيل أنَّ أمتي ظاهرة عليها ) فأبشروا . فاستبشر المسلمون ، وقالوا : الحمد لله موعود صدق بأن وعدنا النصرُ بعد الحصر . ( فطبقت الأحزاب فقال : المسلمون : { هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ }
وقال المنافقون : ألا تعجبون يُمنّيكم ويعدكم الباطل ، ويخبركم أنَّه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى ، وأنَّها تفتح لكم وأنتم إنَّما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أنْ تبرزوا ، قال : فأنزل القرآن : { وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً } [ الأحزاب : 12 ] وأنزل اللَّه في هذه القصة قوله تعالى : { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ } .
واختلف النحاة في وجه دخول الميم في هذا الاسم وأصلهُ ( اللَّه ) وفي نصبه .
وقال بعضهم : إنَّما أُدخل الميم في آخره بدلاً من حرف النداء المحذوف من أوله ؛ لأنَّ أصلهُ ( يا اللَّه ) فحذفت حرف النداء وأُدخلت الميم خلفاً منه .
كما قالوا : فم ، ودم ، وزر ، قم مُحذف وستهم ، وما أشبه ذلك من الأسماء والنعوت التي يحذف منها الحرف .
واحتجوا بأنّ نحوها من الأسماء والنعوت إذا حُذف منها حرف أُبدل مكانهُ ميم ، ولمّا كان المحذوف من هذا الاسم حرفين كان البدل ميمين ، فأدغمت إحداها في الأُخرى فجاء التشديد لذلك ، وفي سائر أخواتها مخففة ؛ لأنَّ المحذوف حرف واحد ثم نُصب لحق التضعيف .
وأنكر الآخرون هذه القول وقالوا : سمعنا العرب يدخل الميم فيه مع ياء النداء وأنشد الفرّاء :
وما عليكِ أنْ تقولي كلما *** سبحتَّ أو هللت يا اللّهمّ ما
اردد علينا شيخنا مسلما *** فإنّنا من خيره لن نعدما
قالوا : ونرى أنَّما أصله اللَّه في الدعاء . بمعنى ( يا اللَّه ) ضُم إليها أمَّ وحذف حرف النداء . يُراد يا الله آتنا الخير أي : اقصدنا به ثمّ ضرب في الكلام حتى اختلطت به . فحذفت الهمزة استخفافاً كقولهم : هلَّم إلينا كان أصلهُ هل لم إلينا ، أي اقصد أو أسرع . ثم كُثرت هذه اللفظة حتى قالوا : لاهم بمعنى اللهم ، وربما خفضوا ميمها أيضاً ، واللَّه أعلم .
وقال أبو رجاء العطاردي : هذه الميم في قوله : ( اللَّهم ) : تجمع سبعين اسماً من أسمائه عزَّ وجلَّ مالك المُلك . قال اللَّه تعالى في بعض الكتب : أنا اللَّه مالك الملوك ومالك الملك ، قلوب الملوك ونواصيها بيدي ، فإذا العباد أطاعوني جعلت عليهم رحمة ، وإذا العباد عصوني جعلت عليهم عقوبة ، فلا تشتغلوا بسبَّ الملوك ، ولكن توبوا إليَّ أعطفهم عليكم .
{ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } ، قال مجاهد وسعيد بن جبير : يعني ملك النبوة ، الكلبي : { تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } محمد وأصحابه ، { وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } : أبي جهل وصناديد قريش .
وقال معتصم : { تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } : العرب . { وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } : الروم والعجم وسائر الأمم .
السدَّي : { تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } : آتى اللَّه الأنبياء وأمر العباد بطاعتهم . { وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } : نزع من الجبّارين وأمر العباد بخلافهم . وقيل : { تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } : آدم وولده ، { وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } إبليس وجُنده .
وقيل : { تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } : داود . { وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } : جالوت .
وقيل : { تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } : صخراً . { وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } : سليمان ( عليه السلام )كان يطعم الخبز الجواري ويأكل خبز الشعير ، وكان يلبس المرقعة ولم ينظر أربعين سنة إلى السماء تخشيّاً لله .
وكان يدخل المسجد فيرتاد فقيراً يقعد بجنبهِ ، ويقول : مسكينٌ جالس مسكيناً { وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } : ملك النفس حتى يغلبهُ هواه ويتخذهُ إلهاً . كما قال اللَّه عزَّ وجل{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ } [ الجاثية : 23 ] .
ملكتُ نفسي فذاك ملكٌ *** ما مثلهُ للأنام ملكٌ
فصرتُ حراً بملك نفسي *** فما لخلق عليَّ ملكٌ
آخر :من ملك النفس فحر ( ضاهي ) والعبدُ من يملكهُ هواه
وقيل : هو ملك العافية . قال اللَّه تعالى :
{ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً } [ المائدة : 20 ] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من أصبح منكم آمناً في سربه ، معافىً في بدنه ، وعندهُ قوت يومهِ ؛ فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها " .
وقيل : هو القناعة . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ملوك أمتي القانع يوماً بيوم ، فمن أوتي ذلك فلم يقبلهُ بقبوله ولم يصبر عليه شاكراً قصر عملهُ ، وقل عقلهُ " .
وعن ابن المبارك قال : دخلت على سفيان الثوري بمكة ، فوجدتهُ مريضاً شارب دواء ، وبه غمٌ شديد فسلمتُ عليه ، وقلت : مالك يا عبد اللَّه ؟ فقال : أنا مريضٌ شارب دواء وبيَّ غمٌ شديد ، فقلتُ : أعندك بصلة ؟ قال : نعم ، فقلت : آتيني بها فأتاني بها ، فكسرتها ثم قلتُ : شِمَّها فشَمَّها ؛ فعطس عند ذلك فقال : الحمدُ لله ربَّ العالمين ، فسكن ما به ، فقال لي : يا بن المبارك أنت فقيه وطبيب أو قال : عالمٌ وطبيب ، فقلت لهُ : مجرّب يا أبا عبد اللَّه . قال : فلمّا رأيته سكن ما بهِ وطابت نفسهُ . قلتُ : إني أريد أنْ أسألك حديثاً . فقال : سلْ ما شئتَ .
فقلت : أخبرني ما الناس ؟ قال : الفقهاء . قلتُ : فما الملوك ؟ قال : الزَّهادْ . قلتُ : فما الأشراف ؟ قال : الأتقياء . قلتُ : فما الغوغاء ؟ قال : الذين يكتبون الأحاديث ليستأكلوا به أموال الناس . قلت له : أخبرني رحمك اللَّه : ما السفلة ؟ قال : الظلمة . ثم ودّعتهُ وخرجت من عنده . قال : يا ابن المبارك عليك بهذا الخبر فإنهُ موجود رخيص قبل أنْ يغلوا فلا يوجد بالثمن .
وقال عبد العزيز بن يحيى : { تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } : يعني الملك على المهين وقهر الشيطان . كما قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : " إنَّ الشيطان ليجري من بني آدم مجرى الدم " .
وقال تعالى : { تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } : يعني ملك المعرفة ، كما آتى السحرة : { وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } ، كما نزع من إبليس وبلعام .
الحسين بن الفضل : { تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ } : يعني ملك الجنة كما آتى المؤمنين قال اللَّه تعالى : { وَمُلْكًا كَبِيرًا } ، { وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } : كما نُزع من الكفار وأهل النَّار .
أبو عثمان : أراد ( بالملك ) : توفيق للإيمان والطاعة .
وحكى الأستاذ أبو سعيد الواعظ : إنَّهُ سمع بعض زهّاد اليمن يقول : هو قيام الليل .
الشبلي : الاستغناء بالمكوِن عن الكونين .
الواسطي : افتخر الملوك بالملك . فأخبرهم اللَّه تعالى أنَّ الملك ( زائل ) عندهم لقوله تعالى : { تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ } .
قالت الحكماء في هذه الآية : هذا إخبار عن كمال القدرة . وأنَّ القادر على الكمال هو القادر على الشيء وضده ، فأخبر أنَّه قادر على أن يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء .
{ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } : قال عطا : تعز من تشاء : المهاجرين والأنصار ، وتذل من تشاء : فارس والروم .
وقيل : { وَتُعِزُّ مَن تَشَآء } : محمداً وأصحابه حين دخلوا مكة وعشرة آلاف ظاهرين عليها ، وتذل من تشاء : أبا جهل وأصحابه حين حزَّوا رؤوسهم وألُقوا في القليب .
وقيل : { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } : بالايمان والمعرفة . وتذل من تشاء : بالخذلان والحرمان .
وقيل : { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } : بالتمليك والتسليط . وتذل من تشاء : بسلب الملك وتسليط عدوهُ عليه .
الورّاق : { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } : بقهر النفس ومخالفة الهوى . { وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } : باتباع الهوى .
الكياني : { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } : بقهرهِ الشيطان . { وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } : بقهر الشيطان لنا .
وقيل : { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } : بالقناعة والرضا . { وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } : بالخزي والطمع .
قال الثعلبي ( رحمه اللَّه ) : وسمعتُ السلمي يقول : سمعت عبد اللَّه بن علي يقول : سمعت محمد بن الفضل يقول : سمعت الزبير بن عبد الواحد يقول : سمعت بنان الحمّال يقول : الحرَّ عبدٌ ما طمع . والعبد حرٌ ما قنع .
وقال وهب : خرج الغنى والعز يجولان فلقيا القناعة فاستقرا .
وقال عيسى ( عليه السلام ) لأصحابه : لأنتم أغنى من الملوك .
قالوا : كيف يا روح اللَّه ولسنا نملك شيئاً ؟
قال : أنتم ليس عندكم شيء ولا تريدونها ، وعندهم أشياء ولا تكفيهم .
ألاَّ يا نفس أنْ ترضي بقوت *** فأنتِ عزيزة أبداً غنَّية
دعي عنكِ المطامع والأماني *** فكم أمنية جلبت منيَّة
أفادتني القناعة كل عز *** وهل عزٌّ أعزُّ من القناعة
فصيرَّها لنفسك رأس مال *** وصيّرها مع التقوى بضاعة
وقيل : { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } : بالإخلاص ، وتذلُ مَن تشاء : بالرياء .
وقال الحسن بن الفضل : { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } : بالجنة والرؤية . { وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } : بالنار والحجاب . { بِيَدِكَ الْخَيْرُ } : يعني الخير والشر ، فأكتفي بذكر الخير ؛ فإنَّهُ الأفضل والاغلب كقوله تعالى : { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ } [ النحل : 81 ] : أي الحر والبرد { إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .