بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ تُؤۡتِي ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُۖ بِيَدِكَ ٱلۡخَيۡرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (26)

{ قُلِ اللهم مالك الملك } قال ابن عباس في رواية أبي صالح : نزلت في شأن المنافقين ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة قال عبد الله بن أبي رأس المنافقين : إن محمداً يتمنى أن ينال ملك فارس والروم وأنَّى له ذلك ؟ فنزلت هذه الآية .

وقال بعضهم سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه ، أن يجعل له ملك فارس والروم في أمته ، فعلمه الله بأن يدعو بهذا الدعاء ، وهو قول مقاتل وقال بعضهم : إن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بحفر الخندق ، فظهر في الخندق صخرة عجزوا عن حفرها ، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول ، وضرب ضربة ، فظهر من تلك الصخرة نور فقال له سلمان : رأيت شيئاً عجيباً . فقال له النبي : « هَلْ رَأَيْتَ ذلك » ؟ قال : نعم . فقال : رأيت في ذلك النور قصور أهل الشام ، ثم ضرب ضربة أخرى ، فظهر أيضاً كذلك . فقال : رأيت قصور أهل فارس . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « سَيَظْهَرُ لأُمَّتِي مُلْكُ الشَّامِ ، وَمُلْكُ فَارِسَ » فقال المنافقون : إن محمداً لا يأمن على نفسه ، واضطر إلى حفر الخندق ، فكيف يتمنى ملك الشام وفارس ، فنزلت هذه الآية .

وقال بعضهم إن مشركي مكة قالوا : إن فارس والروم يبيتان في الحرير والديباج ، فلو كان هو نبياً ، كيف ينام على الحصير ؟ فنزلت هذه الآية

{ قُلِ اللهم مالك الملك تُؤْتِي الملك مَن تَشَاء } وأصل { اللهم } في اللغة يا الله أمنا بخير ، أي اقْصِدْنا بالرحمة ، ولكن لما كثر استعمال هذا اللفظ في الناس صارت الكلمتان ككلمة واحدة . فقال : { اللهم } ، يعني اللهم يا مالك الملك ، { تُؤْتِي الملك مَن تَشَاء } يعني تؤتي محمداً صلى الله عليه وسلم ومن تبعه { وَتَنزِعُ الملك مِمَّن تَشَاء } من فارس والروم { وَتُعِزُّ مَن تَشَاء } يعني أهل الإسلام { وَتُذِلُّ مَن تَشَاء } يعني أهل الشرك والطغيان { بِيَدِكَ الخير } يعني النصرة والغنيمة والعز { إِنَّكَ على كُلّ شيء قَدِيرٌ } من الذل والعز . وقال الضحاك : تؤتي الملك من تشاء ، يعني الإسلام ، وتعز من تشاء بالإسلام ، وتذل من تشاء بالشرك ، بيدك الخير ، يعني الهداية والسعادة ، إنك على كل شيء قدير .

وقال الزَّجَّاج : تؤتي الملك من تشاء ، معناه تولي الملك من تشاء أن تؤتيه ، وتنزع الملك ممن تشاء أن تنزعه ، إلا أنه حذف الهاء ، لأن في الكلام دليلاً عليه . قال مقاتل : وقد قيل في الملك قولان : أحدهما هو المال والعبيد ، والآخر من جهة الغلبة بالدين .