قوله تعالى :{ من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً } قال الفراء : معنى الآية من كان يريد أن يعلم لمن العزة فلله العزة جميعاً . وقال قتادة : من كان يريد العزة فليتعزز بطاعة الله معناه الدعاء إلى طاعة من له العزة ، أي : فليطلب العزة من عند الله بطاعته ، كما يقال : من كان يريد المال فالمال لفلان ، أي : فليطلبه من عنده ، وذلك أن الكفار عبدوا الأصنام وطلبوا بها التعزز كما قال الله واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا ، وقال : { الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً } { إليه } أي : إلى الله ، { يصعد الكلم الطيب } وهو قوله لا إله إلا الله ، وقيل : هو قول الرجل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر .
أحبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور السمعاني ، أنبأنا أبو جعفر الرياني ، أنبأنا حميد بن زنجويه ، أنبأنا الحجاج بن نصر ، أنبأنا المسعودي عن عبد الله بن المخارق ، عن أبيه ، عن ابن مسعود قال : إذا حدثتكم حديثاً أنبأتكم بمصداقه من كتاب الله عز وجل : " ما من عبد مسلم يقول خمس كلمات : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، وتبارك الله ، إلا أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه ثم صعد بهن فلا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن حتى يحيى بها وجه رب العالمين ، ومصداق ذلك في كتاب الله عز وجل قوله : { إليه يصعد الكلم الطيب } ذكره ابن مسعود . وقيل : الكلم الطيب : ذكر الله . وعن قتادة : إليه يصعد الكلم الطيب أي : يقبل الله الكلم الطيب . قوله : { والعمل الصالح يرفعه } أي : يرفع العمل الصالح الكلم الطيب ، فالهاء في قوله يرفعه راجعة إلى الكلم الطيب ، وهو قول ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وعكرمة ، وأكثر المفسرين . وقال الحسن وقتادة : الكلم الطيب ذكر الله والعمل الصالح أداء فرائضه ، فمن ذكر الله ولم يؤد فرائضه رد كلامه على عمله ، وليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال ، فمن قال حسناً وعمل غير صالح رد الله عليه قوله ، ومن قال حسناً وعمل صالحاً يرفعه العمل ذلك بأن الله يقول : { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه } وجاء في الحديث : " لا يقبل الله قولاً إلا بعمل ولا قولاً ولا عملاً إلا بنية " . وقال قوم : الهاء في قوله يرفعه راجعة إلى العمل الصالح أي : الكلم الطيب يرفع العمل الصالح ، فلا يقبل عمل إلا أن يكون صادراً عن التوحيد ، وهذا معنى قول الكلبي ومقاتل . وقيل : الرفع من صفة الله عز وجل معناه : العمل الصالح يرفعه الله عز وجل . وقال سفيان بن عيينة : العمل الصالح هو الخالص ، يعني أن الإخلاص سبب قبول الخيرات من الأقوال والأفعال ، دليله قوله عز وجل : { فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً } فجعل نقيض الصالح الشرك والرياء ، { والذين يمكرون السيئات } قال الكلبي : أي : الذين يعملون السيئات . وقال مقاتل : يعني الشرك . وقال أبو العالية : يعني الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم في دار النبوة ، كما قال الله تعالى : { وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك } وقال مجاهد : وشهر بن حوشب ، هم أصحاب الرياء . { لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور } يبطل ويهلك في الآخرة .
{ 10 } { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ }
أي : يا من يريد العزة ، اطلبها ممن هي بيده ، فإن العزة بيد اللّه ، ولا تنال إلا بطاعته ، وقد ذكرها بقوله : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ } من قراءة وتسبيح وتحميد وتهليل وكل كلام حسن طيب ، فيرفع إلى اللّه ويعرض عليه ويثني اللّه على صاحبه بين الملأ الأعلى { وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ } من أعمال القلوب وأعمال الجوارح { يَرْفَعُهُ } اللّه تعالى إليه أيضا ، كالكلم الطيب .
وقيل : والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب ، فيكون رفع الكلم الطيب بحسب أعمال العبد الصالحة ، فهي التي ترفع كلمه الطيب ، فإذا لم يكن له عمل صالح ، لم يرفع له قول إلى اللّه تعالى ، فهذه الأعمال التي ترفع إلى اللّه تعالى ، ويرفع اللّه صاحبها ويعزه .
وأما السيئات فإنها بالعكس ، يريد صاحبها الرفعة بها ، ويمكر ويكيد ويعود ذلك عليه ، ولا يزداد إلا إهانة ونزولا ، ولهذا قال : { والعمل الصالح يرفعه وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } يهانون فيه غاية الإهانة . { وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ } أي : يهلك ويضمحل ، ولا يفيدهم شيئا ، لأنه مكر بالباطل ، لأجل الباطل .
ثم بين - سبحانه - أن العزة الكاملة إنما هى لله - تعالى - وحده فقال : { مَن كَانَ يُرِيدُ العزة فَلِلَّهِ العزة جَمِيعاً . . . } .
والمراد بالعزة : الشرف والمنعة والاستعلاء ، من قولهم : أرض عَزاز ، أى : صلبة قوية . و { مَن } شرطية ، وجواب الشرط محذوف . وقوله : { فَلِلَّهِ العزة جَمِيعاً } تعليل للجواب المحذوف .
والمعنى من كان من الناس يريد العزة التى لا ذلة معها . فليطع الله وليعتمد عليه وحده فالله - تعالى - العزة كلها فى الدنيا والآخرة ، وليس لغيره منها شئ .
وفى هذا رد على المشركين وغيرهم من يطلبون العزة من الأصنام أو من غيرها من المخلوقات قال - تعالى - : { واتخذوا مِن دُونِ الله آلِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } وقال - سبحانه - : { الذين يَتَّخِذُونَ الكافرين أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ المؤمنين أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ العزة فَإِنَّ العزة للَّهِ جَمِيعاً } قال القرطبى ما ملخصه : يريد - سبحانه فى هذه الآية ، أن ينبه ذوى الأقدار والهمم ، من يان تنال العزة ومن أين تستحق ، فمن طلب العزة من الله - تعالى وجدها عنده ، - إن شاء الله - ، غير ممنوعة ولا محجوبة عنه . . ومن طلبها من غيره وكلَه إلى من طلبها عنده . وقال صلى الله عليه وسلم مفسرا لهذه الآية : " من أراد عز الدارين فليطع العزيز " ، ولقد أحسن القائل :
وإذا تذللت الرقاب تواضعا . . . منا إليك فعزها فى ذلها
فمن كان يريد العزة لينال الفوز الأكبر ، فليعتز بالله - تعالى - ، فإن منا عتز بغير الله ، أذله الله ، ومن اعتز به - سبحانه أعزه .
ولا تنافى بين هذه الآية وبين قوله - تعالى - : { وَلِلَّهِ العزة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ولكن المنافقين لاَ يَعْلَمُونَ } لأن العزة الكاملة لله - تعالى - وحده ، أما عزة الرسول صلى الله عليه وسلم فمستمدة من قربه من الله - تعالى - ، كما أن عزة المؤمنين مستمدة من إيمانهم بالله - تعالى - وبرسوله صلى الله عليه وسلم .
والخلاصة أن هذه الآية الكريمة ترشد المؤمنين إلى الطريق الذى يوصلهم إلى السعادة الدنيوية والأخروية . ألا وهو طاعة الله - تعالى - ، والاعتماد عليه والاعتزاز به .
وقوله - سبحانه - : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب والعمل الصالح يَرْفَعُهُ } حض لمؤمنين على النطق بالكلام الحسن ، وعلى الإِكثار من العمل الصالح .
و { يَصْعَدُ } من الصعود بمعنى الارتفاع إلى أعلى والعروج من مكان منخفض إلى مكان مرتفع . يقال صعد فى السلم ويصعد صعودا إذا ارتقاه وارتفع فيه .
و { الكلم } اسم جنس جمعى واحده كلمة .
والمراد بالكلمة الطيب : كل كلام يرضى الله - تعالى - من تسبيح وتحميد وتكبيره . وأمره بالمعروف ، ونهى عن المنكر ، وغير ذلك من الأقوال الحسنة .
والمراد بصعوده : قبوله عند الله - تعالى - ورضاه عن صاحبه ، أو صعود صحائف هذه الأقوال الطيبة .
والمعنى : إليه - تعالى - وحده ، لا إلى غيره يصعد الكلم الطيب ، أى : يقبل عنده ، ويكون مرضيا لديه ، أو إليه - وحده - ترفع صحائف أعمال عباده ، الصادقين فيجازيهم بما يستحقون من ثواب ، والعمل الصالح الصادر عن عباده المؤمنين يرفعه الله - تعالى - إليه ، ويقبله منهم ، ويكافئهم عليه .
فالفاعل لقوله { يَرْفَعُهُ } ضمير يعود على الله - تعالى - العمل الصالح إليه ، ويقبله من أصحابه .
ومنهم من يرى أن الفاعل لقوله { يَرْفَعُهُ } هو العمل الصالح . والضمير المنصوب يعود إلى الكلم الطيب . أى : أن العمل الصالح هو الذى يرفع الكلم الطيب . بأنه يجعله مقبولا عند الله - تعالى - .
ومنهم من يرى العكس . أى : أن الكلم الطيب هو الذى يرفع العمل الصالح .
قال الشوكانى ما ملخصه : ومعنى : { والعمل الصالح يَرْفَعُهُ } أن العمل الصالح يرفع الكلم الطيب . كما قال الحسن وغيره . ووجهه أنه لا يقبل الكلم الطيب إلا من العمل الصلاح وقيل : إن فاعل { يَرْفَعُهُ } هو الكلم الطيب ، ومفعوله العمل الصالح . ووجه أن العمل الصالح لا يقبل إلا مع التوحيد والإِيمان وقيل : إن فاعل { يَرْفَعُهُ } ضمير يعود إلى الله - تعالى - .
والمعنى : أن الله - تعالى - يرفع العمل الصلاح على الكلم الطيب ، لأن العمل يحقق الكلام . وقيل : العمل الصالح هو الذى يرفع صاحبه .
ويبدو لنا أن أرجح هذه الأقوال ، أن يكون الفاعل لقوله { يَرْفَعُهُ } هو الله - تعالى - ، وأن الضمير المنصوب عائد إلى العمل الصالح لأن الله - تعالى - هو الذى يقبل الأقوال الطيبة ، وهو - سبحانه - الذى يرفع الأعمال الصالحة ويقبلها عنده من عباده المؤمنين .
ثم بين - تعالى - بعد ذلك سوء عاقبة الذين يمكرون السوء فقال : { والذين يَمْكُرُونَ السيئات لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ } .
والمكر : التدبير المحكم . أو صرف غيرك عما يريده بحيلة . وهو مذموم إن تحرى به صاحبه الشر والسوء - كما فى الآية الكريمة ، ومحمود إن تحرى به صاحبه الخير والنفع و { السيئات } جمع سيئة وهى صفة لموصوف محذوف .
وقوله { يَبُورُ } أى : يبطل ويفسد ، من البوار : يقال : بار المتاع بوارا إذا كسد وصار فى حكم الهالك .
أى : والذين يمكرون المكرات السيئات من المشركين والمنافقين وأشباههم ، لهم عذاب شديد من الله - تعالى - ، ومكر أولئك الماكرين المفسدين ، مصيره إلى الفساد والخسران ، لأن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله .
ويدخل فى هذا المكر السيئ ما فعله المشركون مع الرسول صلى الله عليه وسلم فى دار الندوة ، حيث بيتوا قتله ، ولكن الله - تعالى - نجاه من شرورهم ، كما دخل فيه غير ذلك من أقوالهم القبيحة ، وأفعالهم الذميمة ، ونياتهم الخبيثة .
وقوله : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا } أي : مَنْ كان يحب أن يكون عزيزًا في الدنيا والآخرة ، فليلزم طاعة الله ، فإنه يحصل له مقصوده ؛ لأن الله مالك الدنيا والآخرة ، وله العزة جميعها ، كما قال تعالى : { الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } [ النساء : 139 ] .
وقال تعالى : { وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } [ يونس : 65 ] ، وقال : { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ } [ المنافقون : 8 ] .
قال مجاهد : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ } بعبادة الأوثان ، { فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } .
وقال قتادة : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا } أي : فليتعزز بطاعة الله عز وجل .
وقيل : مَنْ كان يريد علْم العزة ، لمن هي ، { فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } ، حكاه ابن جرير .
وقوله : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ } يعني : الذكر والتلاوة والدعاء . قاله غير واحد من السلف .
وقال ابن جرير : حدثني محمد بن إسماعيل الأحْمَسِيّ ، أخبرني جعفر بن عَوْن ، عن عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي ، عن عبد الله بن المخارق ، عن أبيه المخارق بن سليم{[24478]} قال : قال لنا عبد الله - هو ابن مسعود - إذا حدثناكم حديثا أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله : إن العبد المسلم إذا قال : " سبحان الله وبحمده ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، تبارك الله " ، أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه ، ثم صَعد بهن إلى السماء فلا يمُرّ بهن على جمْعٍ من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن ، حتى يجيء بهن وجه الرحمن عز وجل ، ثم قرأ عبد الله : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } .
وحدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن عُلَيَّة ، أخبرنا سعيد الجُرَيْرِي{[24479]} ، عن عبد الله بن شقيق قال{[24480]} : قال كعب الأحبار : إن ل " سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر " لدويا حول العرش كدويّ النحل ، يُذَكِّرْنَ بصاحبهن ، والعمل الصالح في الخزائن . {[24481]}
وهذا إسناد صحيح إلى كعب الأحبار ، رحمه الله ، وقد روي مرفوعًا .
قال الإمام أحمد : حدثنا ابن نُمَيْر ، حدثنا موسى - يعني : ابن مسلم الطحان - عن عون بن عبد الله ، عن أبيه - أو : عن أخيه{[24482]} - عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الذين يذكرون من جلال الله ، من تسبيحه وتكبيره وتحميده وتهليله ، يتعاطفن حول العرش ، لهن دوي كدوي النحل ، يذكرون بصاحبهن ألا يحب أحدكم ألا يزال له عند الله شيء يذكر به ؟ " . {[24483]}
وهكذا رواه ابن ماجه عن أبي بشر بكر بن خلف ، عن يحيى بن سعيد{[24484]} القطان ، عن موسى بن أبي [ عيسى ]{[24485]} الطحان ، عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن أبيه - أو : عن أخيه - عن النعمان بن بشير ، به . {[24486]}
وقوله : { وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } : قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : الكلم الطيب : ذكر الله ، يصعد به إلى الله ، عز وجل ، والعمل الصالح : أداء فرائضه . ومن ذكر الله ولم يؤد فرائضه ، رد كلامه على عمله ، فكان أولى به .
وكذا قال مجاهد : العمل الصالح يرفع الكلام الطيب . وكذا قال أبو العالية ، وعكرمة ، وإبراهيم النَّخعِيّ ، والضحاك ، والسُّدِّيّ ، والربيع بن أنس ، وشَهْر بن حَوْشَب ، وغير واحد [ من السلف ] . {[24487]}
وقال إياس بن معاوية القاضي : لولا العمل الصالح لم يرفع الكلام .
وقال الحسن ، وقتادة : لا يقبل قولٌ إلا بعمل .
وقوله : { وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ } : قال مجاهد ، وسعيد بن جُبَيْر ، وشَهْر بن حَوْشَب : هم المراؤون بأعمالهم ، يعني : يمكرون بالناس ، يوهمون أنهم في طاعة الله ، وهم بُغَضَاء إلى الله
عز وجل ، يراؤون بأعمالهم ، { وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا } [ النساء : 142 ] .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هم المشركون .
والصحيح أنها عامة ، والمشركون داخلون بطريق الأولى ، ولهذا قال : { لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ } ، أي : يفسد ويبطل ويظهر زيفهم عن قريب لأولي البصائر والنهى ، فإنه ما أسر عبد{[24488]} سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه ، وما أسر أحد سريرة إلا كساه الله رداءها ، إن خيرًا فخير ، وإن شرًّا فشر . فالمرائي لا يروج أمره ويستمر إلا على غبي ، أما المؤمنون المتفرسون فلا يروج ذلك عليهم ، بل يُكشَف{[24489]} لهم عن قريب ، وعالم الغيب لا تخفى عليه خافية .