قوله : { مَن كَانَ يُرِيدُ } شرط جوابه مقدر باختلاف التفسير في قوله : { مَن كَانَ يُرِيدُ العزة } ( فقال مجاهد{[45088]} : معناه ) من كان يريد العزة بعبادة الأوثان فيكون تقديره فليطلبها{[45089]} .
وقال قتادة : من كان يريد العزة وطريقه القويم ويحِبُّ نَيْلَها على وجهها . فيكون تقديره على هذا فليطلبها .
وقال الفراء : مِنْ كَانَ يريد علمَ{[45090]} العزة فيكون التقدير : فَلْيَنْسب ذلك إلى الله .
وقيل : من كان يريد العزة لا يعقبها{[45091]} ذلّة . فيكون التقدير : فهو لا يُبَالِهَا . ودل على هذه الأجوبة قوله : { فَلِلَّهِ العزة } وإنما قيل : إن الجواب محذوف وهو هذه الجملة لوجهين :
أحدهما : أن العزة لله مطلقاً من غير ترتبها على شرط إرادة أحدٍ .
والثان : أنه لا بدّ في الجواب من ضمير يعود على اسم الشرط إذا كان غير ظرف ولم يوجد هنا ضمير{[45092]} ، و «جَميعاً حال ، والعامل فيها الاسْتِقْرَارُ{[45093]} .
قال قتادة : من كان يريد العزة فليتفرد بطاعة{[45094]} الله عزّ وجلَ- ومعناه الدعاء إلى طاعة من له العزة أي فليطلب العزة من عند الله بطاعته كما يقال : من كان يريد المال فالمال لفُلان ( أي ){[45095]} فليطلبه من عنده وذلك أن الكفار عبدوا الأصنام وطلبوا بها التعزيز كما قال تعالى : { واتخذوا مِن دُونِ الله آلِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً كَلاَّ } [ مريم : 81-82 ] وقال : { الذين يَتَّخِذُونَ الكافرين أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ المؤمنين أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ العزة فَإِنَّ العزة للَّهِ جَمِيعاً } [ النساء : 139 ] .
قوله : { إِلَيْهِ يَصْعَد } العامة على بنائه للفاعل من » صَعَدَ «ثلاثياً » الكَلِمُ الطَّيِّبُ «( برفعهما{[45096]} فاعلاً{[45097]} ونعتاً{[45098]} وعليّ وابنُ مسعود يُصْعِدُ{[45099]} من أصْعَدَ الكَلِمَ{[45100]} الطَّيّبَ ) منصوبان على المفعول والنعت وقرئ يُصْعَدُ{[45101]} مبنياً للمفعول . وقال ابن عيطة : قرأ الضحاك يُصْعَد بضم الياء لكن لم يبيّن كونه مبنياً للفاعل أو المفعول{[45102]} .
قال المفسرون : الكَلِمُ الطَّيب قول لا إله إلا الله . وقيل : هو قول الرجل : سُبْحَان اللَّهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ ولاَ إلَه إلاَّ اللَّهُ أَكْبَرُ . وعن ابن مسعود قال : إذا حَدٌثْتُكُمْ حَديثاً أنبأتكم بِمصْدَاقِهِ من كتاب الله - عزّ وجلّ - ما مِن عبدٍ مسلم يقول خمس كلمات سُبْحَان الله والحمدُ لله ولا إله إلا الله والله أكبرُ وتبارك الله إلا أحذهُنَّ ملكٌ فَجعَلَهُنَّ تحت جناحه ثم صعد بِهِنَّ ، فلا يمرّ بهن على جمع من الملائكة إلاَّ استغفروا لقائلهن حتى يَجِيءَ بهنَّ وَجْهَ ربِّ العالمين ومصداقه من كتاب الله عزّ وجلّ قوله : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب } وقيل : الكلم الطيب : ذكر الله . وعن قتادة : إليه يصعد الكلم الطيب أي يقبل اللَّهُ الكلمَ الطيب{[45103]} .
قوله : { وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ } العامة على الرفع وفيه وجهان :
أحدهما : أنه معطوف على » الكَلِمُ الطَّيَّبُ «فيكون صاعداً أيضاً .
و «يَرْفَعُهُ » على هذا استئناف إخبار من الله برفعهما . وإنما وَحَّدَ الضمير وإن كان المراد الكلم والعمل ذهاباً بالضمير مذهب اسم الإشارة{[45104]} كقوله : { عَوَانٌ بَيْنَ ذلك } [ البقرة : 68 ] وقيل : لاشتراكهما في صفة واحدة وهي الصُّعود .
والثاني : أنه مبتدأ و «يرفعه » الخبر{[45105]} ولكن اختلفوا في فاعل «يَرْفَعُ » على ثلاثة أوجه :
أحدهما : أنه ضمير الله تعالى أي والعمل على الصالح يرفعهُ الله إليه{[45106]} .
والثاني : أنه ضمير العمل الصالح{[45107]} وضمير النصب على هذا وجهان :
أحدهما : أنه يعود على صاحب العمل أي يرفع صَاحِبَهُ .
والثان : أنه ضمير الكلم الطيب أي العمل الصالح يرفع الكلمَ الطيب . ونُقل هذا عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وعكرمة وأكثر المفسرين{[45108]} إلاَّ أنَّ ابن عطية منع{[45109]} هذا عن ابن عباس وقال : لا يصح ؛ لأن مذهب أهل السنة أن الكلم الطيب مقبول وإن كان صاحبه عاصياً .
والثالث : أن ضمير الرفع للكلم والنصب للعمل أي يرفع العَمَلَ{[45110]} وقرأ ابنُ أبي عَبَلَةَ وعِيسَى بالنّصب الْعَمَلَ الصَّالِحَ على الاشتغال والضمير المرفوع لِلْكَلِم أو لله{[45111]} والمنصوب للْعَمَلِ .
قال الحسن وقتادة : الكلمُ الطَّيَّبُ ذكر الله والعمل الصالح أداء فرائضه ، فمن ذكر الله ولم يؤد فرائضه ردّ كلامه على عمله وليس الإيمان بالتمني ولا بالتًّخَلِّي لكن ما وقَرَ في القلوب وصدقه الأعمال فمن قال حَسَناً وعَمِلَ غير صالح ردّ الله عليه قوله ومن قال حَسَناً وعمل صالحاً رفعه العمل لقوله تعالى : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب والعمل الصالح يَرْفَعُهُ } وقال عليه ( الصلاة و ) السلام - «لَمْ يَقْبَل اللَّهُ إلاَّ بِعَمَلٍ وَلاَ قَوْلاً وَعَمَلاً إلاَّ بِنِيَّة » . ومن قال الهاء في قوله «يَرفعُهُ » راجعةٌ إلى العمل الصالح أي الكلم الطيب يرفع العمل الصالح فلا يُقْبَلُ عَمَلٌ إلا أن يكون صادراً عن التوحيد . وهذا معنى قول الكلبي ومقاتل . وقال سفيان بن عيينة : العمل الصالح هو الخالص يعني أن الإخلاص سبب قبول الخيرات من الأقوال والأفعال لقوله تعالى : { فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا } [ الكهف : 110 ] فجعل نقيض العمل الصالح الشِّرك والرياء{[45112]} .
قوله : { والذين يَمْكُرُونَ السيئات } «يمكرون » أصله قاصر فعلى هذا ينتصب{[45113]} «السيّئات » على نعت مصدر محذوف أي المكراتِ السيئات{[45114]} أو نعتٍ لمضاف إلى ( مصدر ){[45115]} أي أصْنَاف المَكْرَاتِ السيئاتِ{[45116]} ويجوز أن يكون «يَمْكُرُونَ » مضمناً معنى يكْسِبُون فينتصب «السيئات » مفعولاً به{[45117]} قال الزمخشري{[45118]} ويحتمل أن يقال استعمل المكر استعمال العمل فمعناه تعديته كما قال : { لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السيئات } [ النساء : 18 ] قال مقاتل : يعني الشرك . وقال أبو العالية : يعني الذين مكروا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دار النَّدْوة{[45119]} كما قال تعالى : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الذين كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ } [ الأنفال : 30 ] .
قوله : { وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ } هو مبتدأ و «يبور » خبره والجملة خبر قوله : { وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ }{[45120]} وجوَّز الحَوْفِيُّ وأبو البقاء أن يكون «هو » فصلاً بين المبتدأ أو الخبر وخبره{[45121]} وهذا مردود بأن الفصل لا يقع قبل الخبر إذا كان فعلاً إلاَّ أن الجُرْجَانيِّ{[45122]} جوز ذلك ، وجوز أبو البقاء أيضاً أن يكون «هو » تأكيداً{[45123]} وهذا مردود بأن المضمر لا يؤكد الظاهر{[45124]} ومعنى «يَبُور » يَهْلِكُ ويَبْطُلُ{[45125]} في الآخرة .