قوله تعالى : { أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة } ، يعني الذين يدعونهم المشركون آلهة يعبدونهم . قال ابن عباس ، و مجاهد : وهم عيسى ، وأمه ، وعزير ، والملائكة ، والشمس ، والقمر ، والنجوم ، يبتغون أي يطلبون إلى ربهم الوسيلة أي القربة . وقيل : الوسيلة الدرجة العليا ، أي : يتضرعون إلى الله في طلب الدرجة العليا . وقيل : الوسيلة كل ما يتقرب به إلى الله تعالى . وقوله : { أيهم أقرب } ، معناه : ينظرون أيهم أقرب إلى الله فيتوسلون به . وقال الزجاج : أيهم أقرب يبتغي الوسيلة إلى الله تعالى ويتقرب إليه بالعمل الصالح ، { ويرجون رحمته } ، جنته ، { ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذوراً } ، أي يطلب منه الحذر . وقال عبد الله بن مسعود : نزلت الآية في نفر من العرب كانوا يعبدون نفراً من الجن فأسلم الجنيون ولم يعلم الإنس الذين كانوا يعبدونهم بإسلامهم ، فتمسكوا بعبادتهم فعيرهم الله وأنزل هذه الآية . وقرأ ابن مسعود { أولئك الذين يدعون } بالتاء .
ثم أخبر أيضا أن الذين يعبدونهم من دون الله في شغل شاغل عنهم باهتمامهم بالافتقار إلى الله وابتغاء الوسيلة إليه فقال : { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ } من الأنبياء والصالحين والملائكة { يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ } أي : يتنافسون في القرب من ربهم ويبذلون ما يقدرون عليه من الأعمال الصالحة المقربة إلى الله تعالى وإلى رحمته ، ويخافون عذابه فيجتنبون كل ما يوصل إلى العذاب .
{ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا } أي : هو الذي ينبغي شدة الحذر منه والتوقي من أسبابه .
وهذه الأمور الثلاثة الخوف والرجاء والمحبة التي وصف الله بها هؤلاء المقربين عنده هي الأصل والمادة في كل خير .
فمن تمت له تمت له أموره وإذا خلا القلب منها ترحلت عنه الخيرات وأحاطت به الشرور .
وعلامة المحبة ما ذكره الله أن يجتهد العبد في كل عمل يقربه إلى الله وينافس في قربه بإخلاص الأعمال كلها لله والنصح فيها وإيقاعها على أكمل الوجوه المقدور عليها ، فمن زعم أنه يحب الله بغير ذلك فهو كاذب .
ثم بين - سبحانه - أن كل معبود - سوى الله - عز وجل - يفتقر إلى عونه - سبحانه - ، وإلى رجاء الثواب منه ، وإلى دفع العذاب عنه ، فقال - تعالى - { أولئك الذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الوسيلة أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ . . } واسم الإِشارة { أولئك } يعود على المعبودين من دون الله ، وهو مبتدأ ، وخبره . قوله : { يبتغون } وما عطف عليه من قوله : { وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ } .
والضمير فى { يدعون } يعود إلى المشركين ، وفى يبتغون يعود إلى المعبودين و { أيهم } بدل من واو الفاعل فى يبتغون ، و { أقرب } خبر لمبتدأ محذوف ، تقديره : هو ، أى : يبتغيها الذى هو أقرب ، والجملة صلة أى .
ويقرر لهم أن من يدعونهم آلهة من الملائكة أو الجن أو الإنس . . إن هم إلا خلق من خلق الله ، يحاولون أن يجدوا طريقهم إلى الله ويتسابقون إلى رضاه ، ويخافون عذابه الذي يحذره من يعلم حقيقته ويخشاه :
( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ، ويرجون رحمته ويخافون عذابه . إن عذاب ربك كان محذورا ) . .
وقد كان بعضهم يدعو عزيرا ابن الله ويعبده ، وبعضهم يدعو عيسى ابن الله ويعبده . وبعضهم يدعو الملائكة بنات الله ويعبدهم ، وبعضهم يدعو غير هؤلاء . . فالله يقول لهم جميعا : إن هؤلاء الذين تدعونهم ، أقربهم إلى الله يبتغي إليه الوسيلة ، ويتقرب إليه بالعبادة ، ويرجو رحمته ، ويخشى عذابه - وعذاب الله شديد يحذر ويخاف - فما أجدركم أن تتوجهوا إلى الله ، كما يتوجه إليه من تدعونهم آلهة من دونه وهم عباد لله ، يبتغون رضاه .
وهكذا يبدأ الدرس ويختم ببيان تهافت عقائد الشرك في كل صورها . وتفرد الله سبحانه بالألوهية والعبادة والاتجاه .
والإشارة ب { أولئك الذين يدعون } إلى النبيئين لزيادة تمييزهم .
والمعنى : أولئك الذين إنْ دعوا يُستجَبْ لهم ويكشف عنهم الضر ، وليسوا كالذين تدعونهم فلا يملكون كشف الضر عنكم بأنفسهم ولا بشفاعتهم عند الله كما رأيتم من أنهم لم يغنوا عنكم من الضر كشفاً ولا صرفاً .
وجملة { يبتغون } حال من ضمير { يدعون } أو بيان لجملة { يدعون } .
والوسيلة : المرتبة العالية القريبة من عظيم كالمَلك .
و { أيهم أقرب } يجوز أن يكون بدلاً من ضمير { يبتغون } بدل بعض ، وتكون ( أي ) موصولة . والمعنى : الذي هو أقرب من رضى الله يبتغي زيادة الوسيلة إليه ، أي يزداد عملاً للازدياد من رضى الله عنه واصطفائه .
ويجوز أن يكون بدلاً من جملة { يبتغون إلى ربهم الوسيلة } ، و ( أي ) استفهامية ، أي يبتغون معرفة جواب : أيهم أقرب عند الله .
وأقرب : اسم تفضيل ، ومتعلقه محذوف دل عليه السياق . والتقدير : أيهم أقرب إلى ربهم .
وذكر خوف العذاب بعد رجاء الرحمة للإشارة إلى أنهم في موقف الأدب مع ربهم فلا يزيدهم القرب من رضاه إلا إجلالاً له وخوفاً من غضبه . وهو تعريض بالمشركين الذين رَكبوا رؤوسهم وتوغلوا في الغرور فزعموا أن شركاءهم شفعاؤهم عند الله .
وجملة { إن عذاب ربك كان محذوراً } تذييل . ومعنى { كان محذورا } أن حقيقته تقتضي حذر الموفقين إذ هو جدير بذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.