معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لِيَفۡتَدُواْ بِهِۦ مِنۡ عَذَابِ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنۡهُمۡۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (36)

قوله تعالى : { وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم } ، أخبر أن الكافر لو ملك الدنيا كلها ومثلها معها ، ثم فدى بذلك نفسه من العذاب لم يقبل منه ذلك الفداء .

قوله تعالى : { ولهم عذاب أليم } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لِيَفۡتَدُواْ بِهِۦ مِنۡ عَذَابِ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنۡهُمۡۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (36)

{ 36 ، 37 } { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ }

يخبر تعالى عن شناعة حال الكافرين بالله يوم القيامة ومآلهم الفظيع ، وأنهم لو افتدوا من عذاب الله بملء الأرض ذهبا ومثله معه ما تقبل منهم ، ولا أفاد ، لأن محل الافتداء قد فات ،

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لِيَفۡتَدُواْ بِهِۦ مِنۡ عَذَابِ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنۡهُمۡۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (36)

وبعد أن حض - سبحانه - عباده المؤمنين على تقواه والتقرب إليه بصالح الأعمال لكي ينالوا الفلاح والنجاح ، عقب ذلك ببيان ما أعده للكافرين من عذاب أليم فقال - تعالى - :

{ إِنَّ الذين كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ . . . }

المعنى : { إِنَّ الذين كَفَرُواْ } بآياتنا وجحدوا الحق الذي جاءتهم به رسلنا { لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي الأرض جَمِيعاً } أي : لو أن لم جميع ما في الأرض من أموال وخيرات ومنافع { وَمِثْلَهُ مَعَهُ } أي : وضعفه معه ، وقدموا كل ذلك { لِيَفْتَدُواْ بِهِ } أي : ليخلصوا به أنفسهم { مِنْ عَذَابِ يَوْمِ القيامة مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ } أي : ما قبله الله منهم ، لأن سنته قد اقتضت أن تكون نجاة الإِنسان من العذاب يوم القيامة متوقفة على الإِيمان والعمل الصالح ، لا على الأموال وما يشبهها من حطام الدنيا مهما عظم شأنها وكثر عددها . { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي : شديد في آلامه وأوجاعه .

فالآية الكريمة تبين ما أعده الله - تعالى - يوم القيامة للكافرين بآياته من عذاب أليم ، لن يصرفه عنهم صارف مهما قدموا من ثمن ، أو بذلوا من أموال .

وقوله { لَوْ أَنَّ لَهُمْ } إلخ ، جملة شرطية جوابها قوله تعالى { مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ } وهذه الجملة الشرطية وجوابها خبر إن في قوله : { إِنَّ الذين كَفَرُواْ } .

وصدرت الآية الكريمة بأداة التوكيد " إن " للرد على ما ينكره الكافرون من وقوع عذاب عليهم يوم القيامة فقد حكى القرآن عنهم أنهم قالوا : { نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } .

والمراد بقوله : { لَوْ أَنَّ لَهُمْ } أي : لو أن لكل واحد من هم منفرداً ، ما في الأرض جميعا ومثله معه ، وقدمه يوم القيامة ليخلص نفسع من العذاب ، سما قبل منه ذلك الذي قدمه . وفي ذلك ما فيه من ثبوت العذاب عليهم ووقوعه بهم لا محالة . وقوله : ( جميعا ) توكيد للموصول وهو ( ما ) في قوله : { مَّا فِي الأرض } أو حال منه : وقوله : ( ومثله ) معطوف على اسم أن وهو ( ما ) الموصولة .

وقوله : ( معه ) ظرف واقع موقع الحال من المعطوف والضمير يعود إلى الموصول . وجاء الضمير المجرور في قوله { لِيَفْتَدُواْ بِهِ } بصيغة الإِفراد ، مع أن الذي تقدمه شيئان وهما : ما في الأرض جميعا ومثله . للإِشارة إلى أنهما لتلازمهما قد صارا بمنزلة شيء واحد . أو لإِجراء الضمير مجرى اسم الإِشارة بأن يؤول المرجع المتعدد بالمذكور أي ليفتدوا بذلك المذكور من عذاب يوم القيامة ما تقيل منهم .

ونفي - سبحانه - قبول الفدية منهم بقوله : { مَا تُقُبِّلَ مِنْهُم } لإِفادة تأكيد هذا النفي واستبعاده ، إذ أن صيغة " التقبل " تدل على تكلف القبول أي : أنه لا يمكن قبول الفداء منهم مهما قدموا من أموال ومهما بذلوا من محاولات في سبيل الوصول لغرضهم .

قال الفخر الرازي : والمقصود من هذا الكلام التمثيل للزوم العذاب لهم ، فإنه لا سبيل لهم إلى الخلاص منه .

روى البخاري عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى عليه وسلم :

" يؤتي بالرجل من أهل النار فيقال له : يا بن آدم كيف وجدت مضجعك ؟ فيقول : شر مضجع . فيقال له . أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت تفتدي به ؟ فيقول : نعم ، فيقال له : قد كنت سئلت ما هو أيسر من ذلك : أن لا تشرك بالله شيئاً فيؤمر به إلى النار " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لِيَفۡتَدُواْ بِهِۦ مِنۡ عَذَابِ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنۡهُمۡۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (36)

27

وعلى الجانب الآخر مشهد الكفار ، الذين لا يتقون الله ولا يبتغون إليه الوسيلة ولا يفلحون . . وهو مشهد شاخص متحرك ؛ لا يعبر عنه السياق القرآني في أوصاف وتقريرات ، ولكن في حركات وانفعالات . . على طريقة القرآن في رسم مشاهد القيامة ؛ وفي أداء معظم الأغراض :

{ إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعاً ، ومثله معه ، ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ، ولهم عذاب أليم . يريدون أن يخرجوا من النار ، وما هم بخارجين منها ، ولهم عذاب مقيم } . .

إن أقصى ما يتصوره الخيال على أساس الافتراض : هو أن يكون للذين كفروا كل ما في الأرض جميعا . ولكن السياق يفترض لهم ما هو فوق الخيال في عالم الافتراض . فيفرض أن لهم ما في الأرض جميعا ، ومثله معه ؛ ويصورهم يحاولون الافتداء بهذا وذلك ، لينجوا به من عذاب يوم القيامة . ويرسم مشهدهم وهم يحاولون الخروج من النار . ثم عجزهم عن بلوغ الهدف ، وبقاءهم في العذاب الأليم المقيم . .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لِيَفۡتَدُواْ بِهِۦ مِنۡ عَذَابِ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنۡهُمۡۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (36)

الأظهر أنّ هذه الجملة متّصلة بجملة { ولهم في الآخرة عذاب عظيم } [ المائدة : 33 ] اتّصال البيان ؛ فهي مبيّنة للجملة السابقة تهويلاً للعذاب الّذي توعّدهم الله به في قوله : { ذلك لهم خزي في الدّنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم } [ المائدة : 33 ] فإنّ أولئك المحاربين الّذين نزلت تلك الآية في جزائهم كانوا قد كفروا بعد إسلامهم وحاربوا الله ورسوله ، فلمّا ذكر جزاؤهم عقّب بذكر جزاء يَشملهم ويشمل أمثالهم من الّذين كفروا وذلك لا يناكد كون الآية للسابقة مراداً بها ما يشتمل أهل الحرابة من المسلمين .

والشرط في قوله : { لَوْ أنّ لَهُمْ مَا في الأرض } مقدّر بفعل دلّت عليه ( أنّ ) ، إذ التّقدير : لو ثبت ما في الأرض مِلكاً لهم ؛ فإنّ ( لَوْ ) لاختصاصها بالفعل صحّ الاستغناء عن ذكره بعدها إذا وردت ( أنّ ) بعدها . وقوله { ومثلَه معه } معطوف على { ما في الأرض } ، ولا حاجة إلى جعله مفعولاً معه للاستغناء عن ذلك بقوله { معه } . واللام في { ليفتدوا به } لتعليل الفعل المقدّر ، أي لو ثبت لهم ما في الأرض لأجل الافتداء به لا لأجل أن يكنزوه أو يهبوه .

وأفرد الضمير في قوله : { به } مع أنّ المذكور شيئان هما : { ما في الأرض } { ومثلَه } : إمّا على اعتبار الضّمير راجعاً إلى { ما في الأرض } فقط ، ويكون قوله { ومثلَه معه } معطوفاً مقدّماً من تأخير . وأصل الكلام لو أنّ لهم ما في الأرض ليفتدوا به ومثلَه معه . ودلّ على اعتباره مقدّماً من تأخير إفراد الضّمير المجرور بالباء . ونكتة التّقديم تعجيل اليأس من الافتداء إليهم ولو بمضاعفة ما في الأرض . وإمَّا ، وهو الظاهر عندي ، أن يكون الضّمير عائداً إلى { مثله معه } ، لأنّ ذلك المثل شمل ما في الأرض وزيادة فلم تبق جدوى لفرض الافتداء بما في الأرض لأنّه قد اندرج في مثله الذي معه .

ويجوز أن يُجرى الضّمير مجرى اسم الإشارة في صحّة استعماله مفرداً مع كونه عائداً إلى متعدّد على تأويله بالمذكور ؛ وهذا شائع في اسم الإشارة كقوله تعالى : { عوان بين ذلك } [ البقرة : 68 ] أي بين الفارض والبكر ، وقوله : { ومن يفعل ذلك يَلْق أثاماً } [ الفرقان : 68 ] إشارة ما ذكر من قوله : { والّذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم الله إلاّ بالحقّ ولا يزنون } [ الفرقان : 68 ] ، لأنّ الإشارة صالحة للشيء وللأشياء ، وهو قليل في الضّمير ، لأنّ صيغ الضّمائر كثيرة مناسبة لِما تعود إليه فخروجها عن ذلك عدول عن أصل الوضع ، وهو قليل ولكنّه فصيح ، ومنه قوله تعالى : { قُلْ أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم مَن إله غير الله يأتيكم به } [ الأنعام : 46 ] أي بالمذكور . وقد جعله في « الكشاف » محمولاً على اسم الإشارة ، وكذلك تأوّله رؤبة لمّا أنشد قولَه :

فيها خُطوط من سوادِ وبَلَق *** كأنّه في الجلد توليعُ البَهَق

فقال أبو عبيدة : قلت : لرؤبة إن أردت الخطوط فقُل : كأنَّها ، وإن أردتَ السوادَ فقل : كأنّهما ، فقال : أردتُ كأنّ ذلكَ وَيْلَكَ . ومنه في الضّمير قوله تعالى : { وآتوا النّساء صدقاتهنّ نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً } [ النساء : 4 ] . وقد تقدّم عند قوله تعالى : { عوان بين ذلك } في سورة البقرة ( 68 ) .