وقوله - سبحانه - : { كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بالناصية } ردع وزجر لهذا الكافر الطاغى الناهى عن الخير ، ولكل من يحاول أن يفعل فعله .
والسفع : الجذب بشدة على سبيل الإِذلال والإِهانة ، تقول : سفعت بالشيء ، إذا جذبته جذبا شديدا بحيث لا يمكنه التفلت أو الهرب . . . وقيل : هو الاحتراق ، من قولهم : فلان سفعته النار ، إذا أحرقته وغيرت وجهه وجسده . والناصية : الشعر الذى يكون فى مقدمة الرأس . أي : كلا ليس الأمر كما فعل هذا الإِنسان الطاغي ، ولئن لم يقلع عما هو فيه من كفر وغرور ، لنقهرنه ، ولنذلنه ، ولنعذبنه عذابا شديدا فى الدنيا والآخرة .
والتعبير بقوله - تعالى - : { لَنَسْفَعاً بالناصية } يشعر بالأخذ الشديد ، والإِذلال المهين ، لأنه كان من المعروف عند العرب ، أنهم كانوا إذا أرادوا إذلال إِنسان وعقابه ، سحبوه من شعر رأسه .
والتعريف فى الناصية ، للعهد التقديري . أي : بناصية ذلك الإِنسان الطاغي ، الذي كذب وتولى ، ونهى عن إقامة الصلاة .
وأمام مشهد الطغيان الذي يقف في وجه الدعوة وفي وجه الإيمان ، وفي وجه الطاعة ، يجيء التهديد الحاسم الرادع الأخير ، مكشوفا في هذه المرة لا ملفوفا : كلا . لئن لم ينته لنسفعا بالناصية . ناصية كاذبة خاطئة . فليدع ناديه . سندع الزبانية .
إنه تهديد في إبانه . في اللفظ الشديد العنيف : ( كلا . لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ) .
هكذا( لنسفعن ) بهذا اللفظ الشديد المصور بجرسه لمعناه . والسفع : الأخذ بعنف . والناصية : الجبهة . أعلى مكان يرفعه الطاغية المتكبر . مقدم الرأس المتشامخ :
ثم توعد تعالى إن لم ينته بأن يؤخذ بناصيته فيجر إلى جهنم ذليلاً ، تقول العرب : سفعت بيدي ناصية الفرس ، والرجل إذا جذبتها مذللاً له ، قال عمرو بن معد يكرب : [ الكامل ]
قوم إذا سمعوا الصياح رأيتهم . . . ما بين ملجم مهره أو سافع{[11908]}
فالآية على نحو قوله : { فيؤخذ بالنواصي والأقدام }{[11909]} [ الرحمن : 41 ]
وقال بعض العلماء بالتفسير : { لنسفعاً } معناه : لنحرقن ، من قولهم سفعته النار إذا أحرقته ، واكتفى بذكر الناصية لدلالتها على الوجه والرأس{[11910]} ، وجاء { لنسفعاً } في خط المصحف بألف بدل النون ، وقرأ أبو عمرو في رواية هارون : «لنسفعن » مثقلة النون ، وفي مصحف ابن مسعود : «لأسفعن بالناصية ناصية كاذبة فاجرة » ، وقرأ أبو حيوة : «ناصيةً كاذبةً خاطئةً » بالنصب في الثلاثة ، وروي عن الكسائي أنه قرأ بالرفع فيها كلها ، والناصية مقدم شعر الرأس .
أكّد الردع الأول بحرف الردع الثاني في آخر الجملة وهو المَوْقع الحقيق لِحرف الردع إذْ كان تقديم نظيره في أول الجملة ، لِما دعا إليه لمقام من التشويق .
{ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بالناصية } .
أعقب الردع بالوعيد على فعله إذا لم يرتدع وينته عنه .
واللام موطئة للقسم ، وجملة « لنسفَعَنْ » جواب القسم ، وأما جواب الشرط فمحذوف دل عليه جواب القَسَم .
والسفْع : القبض الشديد بجَذْب .
والناصية مقدَّم شعر الرأس ، والأخذ من الناصية أخذُ من لا يُترك له تَمَكُّنٌ من الانفلات فهو كناية عن أخذه إلى العذاب ، وفيه إذلال لأنهم كانوا لا يقبضون على شعر رأس أحد إلاّ لضربه أو جرّه . وأكدَ ذلك السفع بالباء المزيدة الداخلة على المفعول لتأكيد اللصوق .
والنون نون التوكيد الخفيفة التي يكثر دخولها في القسم المثبَت ، وكتبت في المصحف ألِفاً رعياً للنطق لها في الوقف لأن أواخر الكلِم أكثر ما ترسم على مراعاة النطق في الوقف .
والتعريف في « الناصية » للعهد التقديري ، أي بناصيته ، أي ناصية الذي ينهى عبداً إذا صلى وهذه اللام هي التي يسميها نحاة الكوفة عوضاً عن المضاف إليه . وهي تسمية حسنة وإن أباها البصريون فقدروا في مثله متعلِّقاً لمدخول اللام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.