المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{كَلَّا لَئِن لَّمۡ يَنتَهِ لَنَسۡفَعَۢا بِٱلنَّاصِيَةِ} (15)

ثم توعد تعالى إن لم ينته بأن يؤخذ بناصيته فيجر إلى جهنم ذليلاً ، تقول العرب : سفعت بيدي ناصية الفرس ، والرجل إذا جذبتها مذللاً له ، قال عمرو بن معد يكرب : [ الكامل ]

قوم إذا سمعوا الصياح رأيتهم . . . ما بين ملجم مهره أو سافع{[11908]}

فالآية على نحو قوله : { فيؤخذ بالنواصي والأقدام }{[11909]} [ الرحمن : 41 ]

وقال بعض العلماء بالتفسير : { لنسفعاً } معناه : لنحرقن ، من قولهم سفعته النار إذا أحرقته ، واكتفى بذكر الناصية لدلالتها على الوجه والرأس{[11910]} ، وجاء { لنسفعاً } في خط المصحف بألف بدل النون ، وقرأ أبو عمرو في رواية هارون : «لنسفعن » مثقلة النون ، وفي مصحف ابن مسعود : «لأسفعن بالناصية ناصية كاذبة فاجرة » ، وقرأ أبو حيوة : «ناصيةً كاذبةً خاطئةً » بالنصب في الثلاثة ، وروي عن الكسائي أنه قرأ بالرفع فيها كلها ، والناصية مقدم شعر الرأس .


[11908]:ونسب هذا البيت إلى حميد بن ثور الهلالي، الصحابي المعروف، ويروى كما في "اللسان": "الصريخ" بدلا من "الصياح": والصريخ: صوت المستصرخ، ومعنى "سافع" : آخذ بناصيته، وهذا كناية عن الاستعداد للقتال بسرعة، فهم قوم عرفوا بالنجدة والشهامة وسرعة العمل لإنقاذ المستغيث.
[11909]:من الآية 41 من سورة الرحمن.
[11910]:هذا معنى آخر، وهو أن (لنسفعن) بمعنى: لنسودن وجهه بالإحراق، فقال: لنسودن الناصية بدلا من الوجه لأنها مقدم الوجه، والشاهد على ذلك قول الشاعر: وكنت إذا نفس الغوي نزت به سفعت على العرنين منه بميسم أي: وسمته على عرنينه، فهو كقوله تعالى: (سنسمه على الخرطوم).