الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{كَلَّا لَئِن لَّمۡ يَنتَهِ لَنَسۡفَعَۢا بِٱلنَّاصِيَةِ} (15)

قوله تعالى : " كلا لئن لم ينته " أي أبو جهل عن أذاك يا محمد . " لنسفع بالناصية " " لنسفعا " أي لنأخذن " بالناصية " فلنذلنه . وقيل : لنأخذن بناصيته يوم القيامة ، وتطوى مع قدميه ، ويطرح في النار ، كما قال تعالى : " فيؤخذ بالنواصي والأقدام " {[16216]} [ الرحمن : 41 ] . فالآية - وإن كانت في أبي جهل - فهي عظة للناس ، وتهديد لمن يمتنع أو يمنع غيره عن الطاعة . وأهل اللغة يقولون : سفعت بالشيء : إذا قبضت عليه وجذبته جذبا شديدا . ويقال : سفع بناصية فرسه . قال :

قوم إذا كثر الصياح رأيتهم *** من بين مُلْجِم مُهْرِهِ أو سَافِعِ{[16217]}

وقيل : هو مأخوذ من سفعته النار والشمس : إذا غيرت وجهه إلى حال تسويد ، كما قال :

أثافِيَّ سُفْعاً في مُعَرَّسِ مِرْجَلِ *** ونُؤْيٌ كَجِذْمِ الحوضِ أثلَمَ خاشِعِ{[16218]}

والناصية : شعر مقدم الرأس . وقد يعبر بها عن جملة الإنسان ، كما يقال : هذه ناصية مباركة ، إشارة إلى جميع الإنسان . وخص الناصية بالذكر على عادة العرب فيمن أرادوا إذلاله وإهانته أخذوا بناصيته . وقال المبرد : السفع : الجذب بشدة ، أي لنجرن بناصيته إلى النار . وقيل : السفع الضرب ، أي لنلطمن وجهه . وكله متقارب المعنى . أي يجمع عليه الضرب عند الأخذ ، ثم يجر إلى جهنم .


[16216]:آية 41 سورة الرحمان.
[16217]:البيت لحميد بن ثور الهلالي الصحابي، ويروى: "ما بين ملجم . .. .".
[16218]:هكذا ورد البيت في جميع نسخ الأصل وتفسير ابن عادل، وهو ملفق من قصيدتين. فالشطر الأول من معلقة زهير. والبيت كما في ديوانه ومعلقته: أثافي سفعا في معرس مرجل *** ونؤيا كجذم الحوض لم يتثلم والشطر الثاني من قصيدة للنابغة: والبيت كما في ديوانه: رماد ككحل العين لأيا أبينه * ونؤى كجذم الحوض أثلم خاشع والأثلم: المتثلم. والخاشع: اللاصق بالأرض. والأثافى: الحجارة التي تجعل عليها القدر ؛ الواحدة أثفية. والسفع: السود. والمعرس: الموضع الذي فيه المرجل. والمرجل: كل قدر يطبخ فيها، من حجارة أو حديد أو خزف أو نحاس. والنؤى: حاجز يرفع حول البيت من تراب لئلا يدخل البيت الماء من خارج. وجذم الحوض: حرفه وأصله. ولم يتثلم: يعني النؤى قد ذهب أعلاه، ولم يتثلم ما بقى به، أي يتكسر.