ثم ردع أبا جهل عن نهيه ، أو عن عدم علمه بإحاطة الله بجميع الكائنات ، أو عن عزمه على أن يقتل محمداً ، أو يطأ رقبته ، فإن تلميذ محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي يقتله ويطأ صدره ، والسفع القبض على الشيء وجذبه بشدة ، ومنه سفع النار للفحها ، كأنها تأخذ من الجسد بياضه وطراوته . وقد كتب { لنسفعا } في المصحف بالألف على حكم الوقف ؛ لأن النون الخفيفة المؤكدة يوقف عليه بالألف ، واللام في قوله { بالناصية } للعهد ، والمراد : لنأخذن بناصيته ، ولنسحبنه بها إلى النار ، ثم إن هذا السفع إما أن يكون إلى نار الآخرة وهو ظاهر ، وإما أن يكون في الدنيا كما روي أنه عاد إلى النهي فمكن الله المسلمين يوم بدر حتى جروه بالناصية . يحكى أنه لما نزلت سورة الرحمن قال النبي صلى الله عليه وسلم : من يقرؤها على رؤساء قريش ؟ فتثاقل القوم مخافة أذيتهم فقام ابن مسعود فقال : أنا . فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يعلم من صعفه ، ثم قال : من يقرأوها عليهم ؟ فلم يقم إلا ابن مسعود فأجلسه ، ثم قال في الثالثة كذلك فلم يقم إلا هو فأذن له ، فحين دخل عليهم وكانوا مجتمعين حول الكعبة قرأ السورة ، فقام أبو جهل فلطمه فانشق أذنه فأدماه ، فانصرف وعينه تدمع ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم رق قلبه وأطرق رأسه مغموماً ، فإذا جبرائيل جاء ضاحكاً مستبشراً فقال : يا جبرائيل تضحك وابن مسعود يبكي ، فقال : ستعلم ، فلما كان يوم بدر التمس ابن مسعود أن يكون له حظ في الجهاد فقال صلى الله عليه وسلم : خذ رمحك والتمس في الجرحى من كان به رمق فاقتله ، فإنك تنال ثواب المجاهدين . فأخذ يطالع القتلى فإذا أبو جهل مصروع فخاف أن يكون به قوة فيؤذيه ، فوضع الرمح على منخره من بعيد فطعنه . ولعل هذا معنى قوله { سنسمه على الخرطوم } [ القلم : 15 ] ثم لما عرف عجزه لم يقدر أن يصعد على صدره لضعفه ، فارتقى إليه بحيلة ، فلما رآه أبو جهل قال : يا رويعي الغنم لقد ارتقيت مرتقى صعباً . فقال ابن مسعود : الإسلام يعلو ولا يعلى عليه . ثم قال أبو جهل : بلغ صاحبك أنه لم يكن أحد أبغض إليّ منه في حال حياتي ، ولا أحد أبغض إليّ منه في حال مماتي ، فروي أنه صلى الله عليه وسلم لما سمع ذلك قال : فرعوني أشد من فرعون موسى عليه السلام ، فإنه قال " آمنت " ، وهو قد زاد عتواً . ثم قال لابن مسعود : اقطع رأسي بسيفي هذا ؛ لأنه أحد وأقطع . فلما قطع رأسه لم يقدر على حمله . قال أهل العلم : ولعل الحكيم سبحانه إنما خلقه ضعيفاً لأجل أن لا يقوى على الحمل لوجوه منها : أنه كلب والكلب يجر . والثاني ليشق أذنه فتقتص الأذن بالأذن . والثالث تحقق الوعد المذكور في قوله { لنسفعا } فإن ابن مسعود لما لم يطقه شق أذنه وجعل الخيط فيه ، وجعل يجره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجبرائيل عليه السلام بين يديه يضحك ، ويقول : يا محمد أذن بأذن ، لكن الرأس هاهنا مع الأذن . والناصية شعر الجبهة ، وقد يسمى مكان الشعر ناصية ، وقد كنى هاهنا عن الوجه والرأس بالناصية ، قالوا : السبب فيه أن أبا جهل كان مهتماً بترجيل الناصية وتطييبها فلقاه الله نقيض المقصود حين أعرض عن حكم المعبود .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.