غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{كَلَّا لَئِن لَّمۡ يَنتَهِ لَنَسۡفَعَۢا بِٱلنَّاصِيَةِ} (15)

1

ثم ردع أبا جهل عن نهيه ، أو عن عدم علمه بإحاطة الله بجميع الكائنات ، أو عن عزمه على أن يقتل محمداً ، أو يطأ رقبته ، فإن تلميذ محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي يقتله ويطأ صدره ، والسفع القبض على الشيء وجذبه بشدة ، ومنه سفع النار للفحها ، كأنها تأخذ من الجسد بياضه وطراوته . وقد كتب { لنسفعا } في المصحف بالألف على حكم الوقف ؛ لأن النون الخفيفة المؤكدة يوقف عليه بالألف ، واللام في قوله { بالناصية } للعهد ، والمراد : لنأخذن بناصيته ، ولنسحبنه بها إلى النار ، ثم إن هذا السفع إما أن يكون إلى نار الآخرة وهو ظاهر ، وإما أن يكون في الدنيا كما روي أنه عاد إلى النهي فمكن الله المسلمين يوم بدر حتى جروه بالناصية . يحكى أنه لما نزلت سورة الرحمن قال النبي صلى الله عليه وسلم : من يقرؤها على رؤساء قريش ؟ فتثاقل القوم مخافة أذيتهم فقام ابن مسعود فقال : أنا . فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يعلم من صعفه ، ثم قال : من يقرأوها عليهم ؟ فلم يقم إلا ابن مسعود فأجلسه ، ثم قال في الثالثة كذلك فلم يقم إلا هو فأذن له ، فحين دخل عليهم وكانوا مجتمعين حول الكعبة قرأ السورة ، فقام أبو جهل فلطمه فانشق أذنه فأدماه ، فانصرف وعينه تدمع ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم رق قلبه وأطرق رأسه مغموماً ، فإذا جبرائيل جاء ضاحكاً مستبشراً فقال : يا جبرائيل تضحك وابن مسعود يبكي ، فقال : ستعلم ، فلما كان يوم بدر التمس ابن مسعود أن يكون له حظ في الجهاد فقال صلى الله عليه وسلم : خذ رمحك والتمس في الجرحى من كان به رمق فاقتله ، فإنك تنال ثواب المجاهدين . فأخذ يطالع القتلى فإذا أبو جهل مصروع فخاف أن يكون به قوة فيؤذيه ، فوضع الرمح على منخره من بعيد فطعنه . ولعل هذا معنى قوله { سنسمه على الخرطوم } [ القلم : 15 ] ثم لما عرف عجزه لم يقدر أن يصعد على صدره لضعفه ، فارتقى إليه بحيلة ، فلما رآه أبو جهل قال : يا رويعي الغنم لقد ارتقيت مرتقى صعباً . فقال ابن مسعود : الإسلام يعلو ولا يعلى عليه . ثم قال أبو جهل : بلغ صاحبك أنه لم يكن أحد أبغض إليّ منه في حال حياتي ، ولا أحد أبغض إليّ منه في حال مماتي ، فروي أنه صلى الله عليه وسلم لما سمع ذلك قال : فرعوني أشد من فرعون موسى عليه السلام ، فإنه قال " آمنت " ، وهو قد زاد عتواً . ثم قال لابن مسعود : اقطع رأسي بسيفي هذا ؛ لأنه أحد وأقطع . فلما قطع رأسه لم يقدر على حمله . قال أهل العلم : ولعل الحكيم سبحانه إنما خلقه ضعيفاً لأجل أن لا يقوى على الحمل لوجوه منها : أنه كلب والكلب يجر . والثاني ليشق أذنه فتقتص الأذن بالأذن . والثالث تحقق الوعد المذكور في قوله { لنسفعا } فإن ابن مسعود لما لم يطقه شق أذنه وجعل الخيط فيه ، وجعل يجره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجبرائيل عليه السلام بين يديه يضحك ، ويقول : يا محمد أذن بأذن ، لكن الرأس هاهنا مع الأذن . والناصية شعر الجبهة ، وقد يسمى مكان الشعر ناصية ، وقد كنى هاهنا عن الوجه والرأس بالناصية ، قالوا : السبب فيه أن أبا جهل كان مهتماً بترجيل الناصية وتطييبها فلقاه الله نقيض المقصود حين أعرض عن حكم المعبود .

/خ19