اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{كَلَّا لَئِن لَّمۡ يَنتَهِ لَنَسۡفَعَۢا بِٱلنَّاصِيَةِ} (15)

قوله : { كَلاَّ } ردع لأبي جهل عن نهيه عن عبادة الله تعالى ، أو كلا لن يصل أبو جهلٍ إلى أن يقتل محمداً صلى الله عليه وسلم ويطأ عنقه .

وقال مقاتل : كلا لا يعلم أن الله يرى ، وإن كان يعلم ؛ لكن إذا كان لا ينتفع بناصيته يوم القيامة ، وليسحبنه بها في النَّار ، كقوله تعالى : { فَيُؤْخَذُ بالنواصي والأقدام } [ الرحمن : 41 ] ، فالآية وإن كانت في أبي جهلٍ ، فهي عظةٌ للنَّاس ، وتهديد لمن يمنع غيره عن الطاعة .

قوله : { لَنَسْفَعاً } ، الوقف على هذه النون بالألف ، تشبيهاً لها بالتنوين ، ولذلك يحذف بعد الضمة والكسرة وقفاً ، وتكتب هنا ألفاً اتباعاً للوقف .

وروي{[60552]} عن أبي عمرو : «لَنَسْفَعَنَّ » بالنون الثقيلة .

والسَّفع : الأخذ والقبض على الشيء بشدة ، يقال : سفع بناصية فرسه ، قال عمرو بن معديكرب : [ الكامل ]

5257- قَوْمٌ إذَا سَمِعُوا الصَّريخَ رَأيْتهُم *** ما بَيْنَ مُلْجمِ مُهْرهِ أوْ سَافعِ{[60553]}

وقيل : هو الأخذ ، بلغة قريش .

وقال الرَّاغب : السَّفع : الأخذ بسفعة الفرس ، أي : بسواد ناصيته ، وباعتبار السواد قيل للأثافي : سفع ، وبه سُفْعَةُ غضب اعتباراً بما يعلم من اللون الدخاني وجه من اشتد به الغضب . وقيل للصقر : أسفع ، لما فيه من لمع السواد ، وامرأة سفعاء اللون انتهى .

وفي الحديث : «فَقَامَت أمْرَأةٌ سَفْعاءُ الخدَّيْنِ »{[60554]} .

وقيل : هو مأخوذ من سفعت النار والشمس إذا غيرت وجهه إلى حال تسويد .

قال : [ الكامل ]

5258- أثَافِيَّ سُفْعاً في مُعرَّسِ مِرْجَلٍ *** ونُؤيٌ كجذْمِ الحَوْضِ أثلمُ خَاشِعُ{[60555]}

قال القرطبيُّ{[60556]} : السفع الضرب ، أي : ليلطمن وجهه ، وكله متقارب المعنى ، أي : يجمع عليه الضرب عند الأخذ ، ثم يجر إلى جهنم .

وقرأ ابن مسعود{[60557]} : «لأسفعن » ، أي : يقول الله تعالى : يا محمد أنا الذي أتولّى إهانته ، لقوله تعالى : { هُوَ الذي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ } [ الأنفال : 62 ] { هُوَ الذي أَنزَلَ السكينة } [ الفتح : 4 ] ، والناصية : شعر مقدم الرأس ، وقد يعبر بها عن جملة الإنسان ، وخص الناصية بالذكر على عادة العرب فيمن أرادوا إذلاله وإهانته أخذوا بناصيته .


[60552]:ينظر: المحرر الوجيز (5/503)، والبحر المحيط (8/491)، والدر المصون (6/547).
[60553]:ينظر ديوانه (145)، والكشاف (4/778)، واللسان (سفع) والقرطبي 20/85، والبحر 8/487 ، والدر المصون 6/47.
[60554]:أخرجه مسلم (3/439 – نووي) كتاب: صلاة العيدين، باب: (1) حديث (4) من حديث جابر.
[60555]:ينظر القرطبي 20/85.
[60556]:الجامع لأحكام القرآن 20/85.
[60557]:ينظر: الكشاف 4/778، والمحرر الوجيز 5/503.