{ وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ } أي : إن إرادة الله غالبة ، فإنه إذا أراد أن يغويكم ، لردكم الحق ، فلو حرصت غاية مجهودي ، ونصحت لكم أتم النصح - وهو قد فعل عليه السلام - فليس ذلك بنافع لكم شيئا ، { هُوَ رَبُّكُمْ } يفعل بكم ما يشاء ، ويحكم فيكم بما يريد { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } فيجازيكم بأعمالكم .
ثم أضاف إلى هذا الاعتراف بقدرة الله - تعالى - اعترافا آخر بشمول إرادته فقال : { وَلاَ يَنفَعُكُمْ نصحي إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ } .
والنصح معناه : تحرى الصلاح والخير للمنصوح مع إخلاص النية من شوائب الرياء .
يقال : نصحته ونصحت له . . . أى : أرشدته إلى ما فيه صلاحه .
ويقال : رجل ناصح الجيب إذا كان نقى القلب طاهر السريرة . والناصح الخالص من كل شئ .
أى : إنى قد دعوتكم إلى طاعة الله ليلا ونهارا ، ولم أقصر معكم فى النصيحة ومع ذلك فإن نصحى الدائم لن يفيدكم شيئا ، ما دامت قلوبكم فى عمى عنه ، وأسماعكم فى صمم منه ، ونفوسكم على غير استعداد له .
وجواب الشرط فى قوله { إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ } محذوف لدلالة ما قبله عليه .
وقوله : { إِن كَانَ الله يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } : زيادة تأكيد منه - عليه السلام - لعموم قدرة الله وإرادته .
أى : إن كان الله - تعالى - يريد أن يضلكم عن طريق الحق ، ويصرفكم عن الدخول فيه ، بسبب إصراركم على الجحود والعناد ، فعل ذلك ، لأنه هو ربكم ومالك أمركم ، وإليه وحده ترجعون يوم القيامة ، ليجازيكم الجزاء الذى تستحقونه .
وهكذا نجد نوحا - عليه السلام - قد سلك فى دعوته إلى الله ، أحكم السبل ، واستعمل أبلغ الأساليب ، وصبر على سفاهة قومه صبرا جميلا .
( ولا ينفعكم نصحي - إن أردت أن أنصح لكم - إن كان الله يريد أن يغويكم ، هو ربكم وإليه ترجعون ) . .
فإذا كانت سنة الله تقتضي أن تهلكوا بغوايتكم ، فإن هذه السنة ستمضي فيكم ، مهما بذلت لكم من النصح . لا لأن الله سيصدكم عن الانتفاع بهذا النصح ، ولكن لأن تصرفكم بأنفسكم يجعل سنة الله تقتضي أن تضلوا ،
وما أنتم بمعجزين لله عن أن ينالكم ما يقدر لكم ، فأنتم دائما في قبضته ، وهو المدبر والمقدر لأمركم كله ؛ ولا مفر لكم من لقائه وحسابه وجزائه :
{ وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ } أي : أي شيء يُجدِي عليكم إبلاغي لكم وإنذاري إياكم ونصحي ، إن كان الله يريد إغواءكم ودماركم ، { هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } أي : هو مالك أزمة الأمور ، والمتصرف{[14578]} الحاكم العادل الذي لا يجور ، له الخلق وله الأمر ، وهو المبدئ المعيد ، مالك الدنيا والآخرة .
{ ولا ينفعكم نُصحي إن أردت أن أنصح لكم } شرط ودليل وجواب والجملة دليل جواب قوله : { إن كان الله يريد أن يغويكم } وتقدير الكلام أن كان الله يريد أن يغويكم ، فإن أردت أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحي ، ولذلك تقول لو قال الرجل أنت طالق إن دخلت الدار إن كلمت زيدا فدخلت ثم كلمت لم تطلق ، وهو جواب لما أوهموا من أن جداله كلام بلا طائل . وهو دليل على أن إرادة الله تعالى يصح تعلقها بالإغواء وأن خلاف مراده محال . وقيل { أن يغويكم } أن يهلككم من غوى الفصيل غوى إذا بشم فهلك . { هو ربكم } هو خالقكم والمتصرف فيكم وفق إرادته . { واليه تُرجعون } فيجازيكم على أعمالكم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.