معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَيۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَٰمُ رِجۡسٞ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (90)

قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر } ، أي : القمار .

قوله تعالى : { والأنصاب } ، يعني : الأوثان ، سميت بذلك لأنهم كانوا ينصبونها ، واحدها نصب ، بفتح النون وسكون الصاد ، ونصب بضم النون مخففاً ومثقلاً .

قوله تعالى : { والأزلام } ، يعني : القداح التي كانوا يستقسمون بها ، واحدها زلم وزلم . قوله تعالى : { رجس } . خبيث مستقذر .

قوله تعالى : { من عمل الشيطان } ، من تزيينه .

قوله تعالى : { فاجتنبوه } ، رد الكناية إلى الرجس .

قوله تعالى : { لعلكم تفلحون } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَيۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَٰمُ رِجۡسٞ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (90)

{ 90 ، 91 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ }

يذم تعالى هذه الأشياء القبيحة ، ويخبر أنها من عمل الشيطان ، وأنها رجس . { فَاجْتَنِبُوهُ } أي : اتركوه { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } فإن الفلاح لا يتم إلا بترك ما حرم الله ، خصوصا هذه الفواحش المذكورة ، وهي الخمر وهي : كل ما خامر العقل أي : غطاه بسكره ، والميسر ، وهو : جميع المغالبات التي فيها عوض من الجانبين ، كالمراهنة ونحوها ، والأنصاب التي هي : الأصنام والأنداد ونحوها ، مما يُنصب ويُعبد من دون الله ، والأزلام التي يستقسمون بها ، فهذه الأربعة نهى الله عنها وزجر ، وأخبر عن مفاسدها الداعية إلى تركها واجتنابها . فمنها : أنها رجس ، أي : خبث ، نجس معنى ، وإن لم تكن نجسة حسا .

والأمور الخبيثة مما ينبغي اجتنابها وعدم التدنس بأوضارها . ومنها : أنها من عمل الشيطان ، الذي هو أعدى الأعداء للإنسان .

ومن المعلوم أن العدو يحذر منه ، وتحذر مصايده وأعماله ، خصوصا الأعمال التي يعملها ليوقع فيها عدوه ، فإنها فيها هلاكه ، فالحزم كل الحزم البعد عن عمل العدو المبين ، والحذر منها ، والخوف من الوقوع فيها .

ومنها : أنه لا يمكن الفلاح للعبد إلا باجتنابها ، فإن الفلاح هو : الفوز بالمطلوب المحبوب ، والنجاة من المرهوب ، وهذه الأمور مانعة من الفلاح ومعوقة له .

ومنها : أن هذه موجبة للعداوة والبغضاء بين الناس ، والشيطان حريص على بثها ، خصوصا الخمر والميسر ، ليوقع بين المؤمنين العداوة والبغضاء .

فإن في الخمر من انغلاب العقل وذهاب حجاه ، ما يدعو إلى البغضاء بينه وبين إخوانه المؤمنين ، خصوصا إذا اقترن بذلك من السباب ما هو من لوازم شارب الخمر ، فإنه ربما أوصل إلى القتل . وما في الميسر من غلبة أحدهما للآخر ، وأخذ ماله الكثير في غير مقابلة ، ما هو من أكبر الأسباب للعداوة والبغضاء .

ومنها : أن هذه الأشياء تصد القلب ، ويتبعه البدن عن ذكر الله وعن الصلاة ، اللذين خلق لهما العبد ، وبهما سعادته ، فالخمر والميسر ، يصدانه عن ذلك أعظم صد ، ويشتغل قلبه ، ويذهل لبه في الاشتغال بهما ، حتى يمضي عليه مدة طويلة وهو لا يدري أين هو .

فأي معصية أعظم وأقبح من معصية تدنس صاحبها ، وتجعله من أهل الخبث ، وتوقعه في أعمال الشيطان وشباكه ، فينقاد له كما تنقاد البهيمة الذليلة لراعيها ، وتحول بين العبد وبين فلاحه ، وتوقع العداوة والبغضاء بين المؤمنين ، وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة ؟ " فهل فوق هذه المفاسد شيء أكبر منها ؟ "

ولهذا عرض تعالى على العقول السليمة النهي عنها ، عرضا بقوله : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } لأن العاقل -إذا نظر إلى بعض تلك المفاسد- انزجر عنها وكفت نفسه ، ولم يحتج إلى وعظ كثير ولا زجر بليغ .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَيۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَٰمُ رِجۡسٞ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (90)

وبعد أن نهى الله المؤمنين عن تحريم ما أحله لهم ، وأمرهم بأن يتمتعوا بما رزقهم من خير بدون إسراف أو تقتير ، وبين لهم حكم ما عقدوه من أيمان بعد كل ذلك وجه - سبحانه - نداء ثانيا إليهم بين لهم فيه مضار الخمر وأشباهها من الرذائل ، وأمرهم باجتنابها ، فقال تعالى :

{ ياأيها الذين آمَنُواْ . . . }

قال الفخر الرازي : اعلم أن هذا النوع الثالث من الأحكام المذكورة في هذا الموضع - فقد امر الله المؤمنين بعدم تحريم الطيبات ثم بين حكم الأيمان المنعقدة .

ووجه اتصال هذه الآيات بما قبلها أنه - تعالى - قال فيما تقدم : { لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ الله لَكُمْ } إلى قوله : { وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله حَلاَلاً طَيِّباً } ثم لما كان من جملة الأمور المستطابة الخمر والميسر ، لا جرم أنه - تعالى - بين أنهما غير داخلين في المحلات بل في المحرمات .

والخمر - بمعنى المصدر - هو الستر ، ولذلك يقال لما يستر به الرأس عند النساء خمار . والخمر - بمعنى الاسم - ما يخمر العقل ويستره ، ويمنعه من التقدير السليم :

قال القرطبي : والخمر مأخوذة من خمر ، إذا ستر ، ومن خمار المرأة لأنه يستر وجهها . وكل شيء غطى شيئاً فقد خمره . ومنه : خمروا آنيتكم أي : غطوها .

وقيل : إنما سميت الخمر خمراً ، لأنها تركت حتى أدركت كما يقال : قد اختمر العجين ، أي : بلغ إدراكه ، وخمر الرأي ، أي ترك حتى يتبين فيه الوجه .

وقيل : إنما سميت الخمر خمراً ، لأنها تخالط العقل . من المخامرة وهي المخالطة . ومنه قولهم : دخلت في خمار الناس - بفتح الخاء وضمها - أي : اختلطت بهم . فالمعاني الثالثة متقاربة ، فالخمر تركت حتى أدركت ، ثم خالطت العقل ، ثم خمرته والأصل الستر .

والميسر : القمار - بكسر القاف - وهو في الأصل مصدر ميمي من يسر كالموعد من وعد . وهو مشتق من اليسر بمعنى السهولة ، لأن المال يجيء للكاسب من غير جهد ، أو هو مشتق من يسر بمعنى جزأ ، ثم أصبح علما على كل ما يتقامر عليه كالجزور ونحوه .

قال القرطبي : الميسر : الجزور الذي كانوا يتقامرون عليه ، سمي ميسراً لأنه يجزأ أجزاء فكأنه موضوع التجزئة . وكل شيء جزأته فقد يسرته . والياسر : الجازر ، لأنه يجزئ لحم الجزور . ويقال للضاربين بالقداح والمتقامرين على الجزور : ياسرون لأنهم جازرون إذ كانوا سببا لذلك .

والمراد بالميسر ما يشمل كل كسب يجيء بطريق الحظ المبني على المصادفة فاللعب بالنرد على مال يسمى قماراً ، واللعب بالشطرنج على مال يسمى قماراً وهكذا ما يشبه ذلك من ألوان تمليك المال بالمخاطرة وبطريق الحظ المبني على المصادفة .

وتحريم الميسر تحريم لذات الفعل . فالعمل في ذاته حرام ، والكسب عن طريقه حرام .

والأنصاب : جمع نصب ، وتطلق على الأصنام التيك انت تنصب للعبادة لها أو على الحجارة التي كانت تخصص للذبح عليها تقرباً للأصنام .

والأزلام : جمع زلم . وهي السهام التي كانوا يتقاسمون بها الجزور أو البقرة إذا ذبحت فسهم عليه واحد ، وسهم اثنان وهكذا إلى عشرة . أو هي السهام التي كانوا يكتبون على أحدها : أمرني ربي وعلى الآخر نهاني ربي ، ويتركون الثالث غفلا من الكتابة فإذا أرادوا سفراً أو حرباً أو زواجاً أو غير ذلك ، أتوا إلى بيت الأصنام واستقسموها ، فإن خرج أمرني ربي أقدموا على ما يرونه ، وإن خرج نهاني ربي أمسكوا عنه ، وإن خرج الغفل أجالوها ثانية حتى يخرج الآمر أو الناهي .

وقد نهى الله - تعالى - في إوائل هذه السورة عن الاستقسام بالأزلام فقال { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بالأزلام ذلكم فِسْقٌ } وقوله : { رِجْسٌ } أي قذر تأباه النفوس الكريمة والعقول السليمة لقذارته ونجاسته .

قال الفخر الرازي : والرجس في اللغة كل ما استقذر من عمل . يقال : رجس الرجل رجسا إذا عمل عملا قبيحا : وأصله من الرجس - بفتح الراء - وهو شدة الصوت . يقال : سحاب رجاس إذا كان شديد الصوت بالرعد . فكأن الرجس هو العمل الذي يكون قوى الدرجة كامل الرتبة في القبح .

وقد ذكرالمفسرون في سبب نزول هذه الآيات روايات منها : ما جاء في صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص أنه قال : نزلت في آيات من القرآن ، وفيه قال . وأتيت على نفر من الأنصار فقالوا : تعال نطعمك ونسقيك خمراً وذلك قبل أن تحرم الخمر - قال فأتيتهم في حش - أي بستان - فإذا رأس جزور مشوى عندهم وزق من خمر قال : فأكلت وشربت معهم . قال : فذكرت الأنصار والمهاجرين عندهم فقلت : المهاجرون خير من الأنصار . قال . فأخذ رجل - من الأنصار - لحي جمل فضربني به فجرح أنفي ، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأنزل الله - تعالى - { ياأيها الذين آمَنُواْ إِنَّمَا الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشيطان فاجتنبوه } . . الآيات .

ومنها ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس قال : نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار . شربوا حتى ثملوا ، فعبث بعضهم ببعض ، فلما أن صحوا ، وجعل الرجل منهم يرى الأثر بوجهه ولحيته فيقول : فعل هذا بي أخي فلان - وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن - والله لو كان بي رءوفاً رحيما ما فعل بي هذا ، حتى وقعت في قلوبهم الضغائن فأنزل الله : { ياأيها الذين آمَنُواْ إِنَّمَا الخمر } إلى قوله : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } .

والمعنى : { ياأيها الذين آمَنُواْ } إيمانا حقا . إنما تعاطي { الخمر } أي : الشراب الذي يخامر العقل ويخالطه ويمنعه من التفكير السليم { والميسر } أي القمار الذي عن طريقه يكون تمليك المال بالحظ المبني على المصادفة والمخاطرة { والأنصاب } أي : الحجارة التي تذبح عليها الحيوانا تقربا للأصنام . { والأزلام } أي : السهام التي عن طريقها يطلب الشخص معرفة ما قسم له من خير أو شر . هذه الأنواع الأربعة { رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشيطان } أي : مستقذرة تعافها النفوس الكريمة ، وتأباها العقول السليمة ، لأنها من تزيين الشيطان الذي هو عدو للإِنسان ، ولا يريد له إلا ما كان شيئا قبيحاً .

قال - تعالى - : { الشيطان يَعِدُكُمُ الفقر وَيَأْمُرُكُم بالفحشآء } والفاء في قوله { فاجتنبوه } للإِفصاح ، والضمير فيه يعود على الرجس الذي هو خبر عن تلك الأمور الأربعة وهي الخمر والميسر والأنصاب والأزلام .

أي : إذا كان تعاطي هذه الأشياء الأربعة رجسا وقذر ينأى عنه العقلاء فاجتنبوه لعلكم بسبب هذا الاجتناب والترك لذلك الرجس تنالون الفلاح والظفر في دنياكم وآخرتكم .

والنداء بقوله : { ياأيها الذين آمَنُواْ } عام لجميع المؤمنين ، وقد ناداهم - سبحانه - بهذه الصيغة لتحريك حرارة العقيدة في قلوبهم حتى يستجيبوا لما نودوا من أجله ، وهو اجتناب تلك الرذائل وتركها تركا تاماً .

وقوله : { رجس } خبر عن هذه الرذائل الأربعة . وصح الإِخبار به - مع أنه مفرد - عن متعدد هو هذه الأربعة ، لأنه مصدر يستوي فيه القليل والكثير وشبيه بذلك قوله - تعالى - { إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ } وقيل : لأنه خبر عن الخمر ، وخبر المعطوفات عليها محذوف ثقة بالمذكور .

وقيل : لأن الكلام مضافا إلى تلك الأشياء ، وهو خبر عنه . أي : إنما شأن هذه الأشياء أو تعاطيها رجس .

وقوله : { مِّنْ عَمَلِ الشيطان } في محل رفع على أنه صفة لقوله : { رِجْسٌ } أي : رجس كائن من عمل الشيطان ، لأنه ناجم عن تزيينه وتسويله ، إذ هو خبيث والخبيث لا يدعو إلا إلى الخبيث فالمراد من إضافة العمل إلى الشيطان المبالغة في كمال قبح ذلك العمل .

وعبر بقوله : { فاجتنبوه } للمبالغة في الأمر بترك هذه الرذائل ، فكأنه سبحانه يقول لا آمركم فقط بترك الرذائل ، بل آمركم أيضاً بأن تكونوا أنتم في جانب وهذه المنكرات في جانب آخر . فالأمر هنا نمصب على الترك وعلى كل ما يؤدي إلى اقتراف هذه المنكرات كمخالطة المرتكبين لها . وغشيان مجالسها . إلخ

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَيۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَٰمُ رِجۡسٞ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (90)

وفي سياق قضية التشريع بالتحريم والتحليل ، وفي خط التربية للامة المسلمة في المدينة ، وتخليصها من جوالجاهلية ورواسبها وتقاليدها الشخصية والاجتماعية ، يجيء النص القاطع الأخير في تحريم الخمر والميسر مقرونين إلى تحريم الأنصاب والأزلام . أي إلى الشرك بالله .

( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون . إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة ، فهل أنتم منتهون ؟ وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين . ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ، ثم اتقوا وآمنوا ، ثم اتقوا وأحسنوا ، والله يحب المحسنين ) . .

لقد كانت الخمر والميسر والأنصاب والأزلام من معالم الحياة الجاهلية ، ومن التقاليد المتغلغلة في المجتمع الجاهلي . وكانت كلها حزمة واحدة ذات ارتباط عميق في مزاولتها ، وفي كونها من سمات ذلك المجتمع وتقاليده . . فلقد كانوا يشربون الخمر في إسراف ، ويجعلونها من المفاخر التي يتسابقون في مجالسها ويتكاثرون ؛ ويديرون عليها فخرهم في الشعر ومدحهم كذلك ! وكان يصاحب مجالس الشراب نحر الذبائح واتخاذ الشواء منها للشاربين وللسقاة ولأحلاس هذه المجالس ومن يلوذون بها ويلتفون حولها ! وكانت هذه الذبائح تنحر على الأنصاب وهي أصنام لهم كانوا يذبحون عليها ذبائحهم وينضحونها بدمها [ كما كانت تذبح عليها الذبائح التي تقدم للآلهة أي لكهنتها ! ] . . وفي ذبائح مجالس الخمر وغيرها من المناسبات الاجتماعية التي تشبهها كان يجري الميسر عن طريق الأزلام . وهي قداح كانوا يستقسمون بها الذبيحة ، فيأخذ كل منهم نصيبه منها بحسب قدحه . فالذي قدحه [ المعلى ] يأخذ النصيب الأوفر ، وهكذا حتى يكون من لا نصيب لقدحه . وقد يكون هو صاحب الذبيحة فيخسرها كلها !

وهكذا يبدو تشابك العادات والتقاليد الاجتماعية ؛ ويبدو جريانها كذلك وفق حال الجاهلية وتصوراتها الاعتقادية .

ولم يبدأ المنهج الإسلامي في معالجة هذه التقاليد في أول الأمر ، لأنها إنما تقوم على جذور اعتقادية فاسدة ؛ فعلاجها من فوق السطح قبل علاج جذورها الغاثرة جهد ضائع . حاشا للمنهج الرباني أن يفعله ! إنما بدأ الإسلام من عقدة النفس البشرية الأولى . عقدة العقيدة . بدأ باجتثاث التصور الجاهلي الاعتقادي جملة من جذورة ؛ وإقامة التصور الأسلامي الصحيح . إقامته من أعماق القاعدة المرتكزة إلى الفطرة . . بين للناس فساد تصوراتهم عن الألوهية وهداهم إلى الإله الحق . وحين عرفوا إلهم الحق بدأت نفوسهم تستمع إلى ما يحبة منهم هذا الإله الحق وما يكرهه . وما كانوا قبل ذلك ليسمعوا ! أو يطيعوا أمرا ولا نهيا ؛ وما كانوا ليقلعوا عن مألوفاتهم الجاهلية مهما تكرر لهم النهي وبذلت لهم النصيحة . . إن عقدة الفطرة البشرية هي عقدة العقيدة ؛ وما لم تنعقد هذه العقيدة أولا فلن يثبت فيها شيء من خلق أو تهذيب أو إصلاح اجتماعي . . إن مفتاح الفطرة البشرية ها هنا . وما لم تفتح بمفتاحها فستظل سراديبها مغلقة ودروبها ملتوية ، وكما كشف منها زقاق انبهمت أزقة ؛ وكلما ضاء منها جانب أظلمت جوانب ، وكلما حلت منها عقدة تعقدت عقد ، وكلما فتح منها درب سدت دروب ومسالك . . إلى ما لا نهاية . .

لذلك لم يبدأ المنهج الإسلامي في علاج رذائل الجاهلية وانحرافاتها ، من هذه الرذائل والانحرافات . . إنما بدأ من العقيدة . . بدأ من شهادة أن لاإله إلا الله . . وطالت فترة إنشاء لا إله إلا الله هذه في الزمن حتى بلغت نحو ثلاثة عشر عاما ، لم يكن فيها غاية إلا هذه الغاية ! تعريف الناس بإلههم الحق وتعبيدهم له وتطويعهملسلطانه . . حتى إذا خلصت نفوسهم لله ؛ وأصبحوا لا يجدون لأنفسهم خيرة إلا ما يختاره الله . . عندئذ بدأت التكالف - بما فيها الشعائر التعبدية - وعندئذ بدأت عملية تنقية رواسب الجاهلية الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والأخلاقية والسلوكية . . بدأت في الوقت الذي يأمر الله فيطيع العباد بلا جدال . لأنهم لا يعلمون لهم خيرة فيما يأمر الله به أو ينهى عنه أيا كان !

أو بتعبير آخر : لقد بدأت الأوامر والنواهي بعد " الإسلام " . . بعد الاستسلام . . بعد أن لم يعد للمسلم في نفسه شيء . . بعد أن لم يعد يفكر في أن يكون له إلى جانب الى أمر الله رأي أو اختيار . . أو كما يقول الأستاذ أبو الحسن الندوي في كتابه : " ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين " تحت عنوان : " انحلت العقدة الكبرى " : " . . انحلت العقدة الكبرى . . عقدة الشرك والكفر . . فانحلت العقد كلها ؛ وجاهدهم رسول الله [ ص ] جهاده الأول ، فلم يحتج إلى جهاد مستأنف لكل أمر أو نهي ؛ وانتصر الإسلام على الجاهلية في المعركة الأولى ، فكان النصر حليفه في كل معركة . وقد دخلوا في السلم كافة بقلوبهم وجوارحهم وأرواحهم كافة ، لا يشاقون الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى ؛ ولا يجدون في أنفسهم حرجا مما قضى ؛ ولا يكون لهم الخيرة من بعد ما أمر أو نهى . حدثوا الرسول عما اختانوا أنفسهم ؛ وعرضوا أجسادهم للعذاب الشديد إذا فرطت منهم زلة استوجبت الحد . . نزل تحريم الخمر والكؤوس المتدفقة على راحاتهم ؛ فحال أمر الله بينها وبين الشفاه المتلمظة والأكباد المتقدة ؛ وكسرت دنان الخمر فسالت في سكك المدينة " .

ومع هذا فلم يكن تحريم الخمر وما يتصل بها من الميسر أمرا مفاجئا . . فلقد سبقت هذا التحريم القاطع مراحل وخطوات في علاج هذه التقاليد الاجتماعية المتغلغلة ، المتلبسة بعادات النفوس ومألوفاتها ، والمتلبسة كذلك ببعض الجوانب الاقتصادية وملابساتها .

لقد كانت هذه هي المرحلة الثالثة أو الرابعة في علاج مشكلة الخمر في المنهج الإسلامي :

كانت المرحلة الأولى مرحلة إطلاق سهم في الاتجاه حين قال الله سبحانه في سورة النحل المكية : ( ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا . . . ) فكانت أول ما يطرق حس المسلم من وضع السكر [ وهو المخمر ] في مقابل الرزق الحسن . . فكأنما هو شيء والرزق الحسن شيء آخر .

ثم كانت الثانية بتحريك الوجدان الديني عن طريق المنطق التشريعي في نفوس المسلمين حين نزلت التي في سورة البقرة : ( يسألونك عن الخمر والميسر . قل : فيهما إثم كبير ومنافع للناس ، وإثمهما أكبر من نفعهما ) . . وفي هذا إيحاء بأن تركهما هو الأولى ما دام الاثم اكبر من النفع . إذ أنه قلما يخلو شيء من نفع ؛ ولكن حله أو حرمته إنما ترتكز على غلبة الضر أو النفع .

ثم كانت الثالثة بكسر عادة الشراب ، وإيقاع التنافر بينها وبين فريضة الصلاة حين نزلت التي في النساء ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) . . والصلاة في خمسة أوقات معظمها متقارب ؛ ولا يكفي ما بينها للسكر ثم الإفاقة . وفي هذا تضييق لفرص المزاولة العملية لعادة الشراب - وخاصة عادة الصبوح في الصباح والغبوق بعد العصر أو المغرب كما كانت عادة الجاهليين - وفيه كسر لعادة الإدمان التي تتعلق بمواعيد التعاطي . وفيه - وهو أمر له وزنه في نفس المسلم - ذلك التناقض بين الوفاء بفريضة الصلاة في مواعيدها والوفاء بعادة الشراب في مواعيدهاثم كانت هذة الرابعة الحاسمة والأخيرة ، وقد تهيأت النفوس لها تهيؤا كاملا فلم يكن إلا النهي حتى تتبعه الطاعة الفورية والإذعان :

عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شفاء . فنزلت التي في البقرة : ( يسألونك عن الخمر والميسر ، قل : فيهما إثم كبير ومنافع للناس ، وإثمهما أكبر من نفعهما ) . فدعي عمر - رضي الله عنه - فقرئت عليه ، فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء ، فنزلت التي في النساء : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى . . )الآية . . فدعي عمر - رضي الله عنه - فقرئت عليه ، فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء . فنزلت التي في المائدة : ( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ؛ ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة ، فهل أنتم منتهون ؟ ) فدعي عمر فقرئت عليه فقال : " انتهينا . انتهينا " . . [ أخرجه أصحاب السنن ] .

ولما نزلت آيات التحريم هذه ، في سنة ثلاث بعد وقعة أحد ، لم يحتج الأمر إلى أكثر من مناد في نوادي المدينة : " ألا أيها القوم . إن الخمر قد حرمت " . . فمن كان في يده كأس حطمها ومن كان في فمه جرعة مجها ، وشقت زقاق الخمر وكسرت قنانيه . . وانتهى الأمر كأن لم يكن سكر ولا خمر !

والآن ننظر في صياغة النص القرآني ؛ والمنهج الذي يتجلى فيه منهج التربية والتوجيه :

( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون . إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة ، فهل أنتم منتهون ؟ وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين )

إنه يبدأ بالنداء المألوف في هذا القطاع :

( يا أيها الذين آمنوا . . )

لاستجاشة قلوب المؤمنين من جهة ؛ ولتذكيرهم بمقتضى هذا الإيمان من الالتزام والطاعة من جهة أخرى . . يلي هذا النداء الموحي تقرير حاسم على سبيل القصر والحصر :

( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان . . )

فهي دنسة لا ينطبق عليها وصف " الطيبات " التي احلها الله . وهي من عمل الشيطان . والشيطان عدو الإنسان القديم ؛ ويكفي أن يعلم المؤمن أن شيئا ما من عمل الشيطان لينفر منه حسه ، وتشمئز منه نفسه ، ويجفل منه كيانه ، ويبعد عنه من خوف ويتقيه !

وفي هذه اللحظة يصدر النهي مصحوبا كذلك بالإطماع في الفلاح - وهي لمسة أخرى من لمسات الإيحاء النفسي العميق :

( فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَيۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَٰمُ رِجۡسٞ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (90)

يقول تعالى ناهيًا عباده المؤمنين عن تعاطي الخمر والميسر ، وهو القمار .

وقد ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال : الشَطْرَنج من الميسر . رواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن عُبَيس بن مرحوم ، عن حاتم ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي ، به .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي{[10280]} حدثنا وَكِيع ، عن سفيان ، عن لَيْث ، عن عطاء ومجاهد وطاوس - قال سفيان : أو اثنين منهم - قالوا : كل شيء من القمار فهو من الميسر ، حتى لعب الصبيان بالجوز .

ورُوي عن راشد بن سعد وحمزة بن حبيب{[10281]} وقالا حتى الكعاب ، والجوز ، والبيض التي{[10282]} تلعب بها الصبيان ، وقال موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : الميسر هو القمار .

وقال الضحاك ، عن ابن عباس قال : الميسر هو القمار ، كانوا يتقامرون في الجاهلية إلى مجيء الإسلام ، فنهاهم الله عن هذه الأخلاق القبيحة .

وقال مالك ، عن داود بن الحُصَيْن : أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : كان ميسر أهل الجاهلية بيع اللحم بالشاة والشاتين .

وقال الزهري ، عن الأعرج قال : الميسر والضرب بالقداح على الأموال والثمار .

وقال القاسم بن محمد : كل ما ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة ، فهو من الميسر .

رواهن ابن أبي حاتم .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا صدقة ، حدثنا عثمان بن أبي العاتكة ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، عن أبي موسى الأشعري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اجتنبوا هذه الكِعَاب الموسومة التي يزجر بها زجرًا فإنها من الميسر " . حديث غريب . {[10283]}

وكأن المراد بهذا هو النرد ، الذي ورد في الحديث به في صحيح مسلم ، عن بُرَيدة بن الحُصَيب الأسلمي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لعب بالنَّرْدَشير فكأنما صَبَغ يده في لحم خنزير ودَمه " . {[10284]} وفي موطأ مالك ومسند أحمد ، وسنني أبي داود وابن ماجه ، عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله " . {[10285]} وروي موقوفًا عن أبي موسى من قوله ، فالله أعلم .

وقال الإمام أحمد : حدثنا مكي بن إبراهيم{[10286]} حدثنا الجُعَيْد ، عن موسى بن عبد الرحمن الخطمي ، أنه سمع محمد بن كعب وهو يسأل عبد الرحمن يقول : أخبرني ، ما سمعت أباك يقول عن رسول الله{[10287]} صلى الله عليه وسلم ؟ فقال عبد الرحمن : سمعت أبي يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " مثل الذي يلعب بالنرد ، ثم يقوم فيصلي ، مثل الذي يتوضأ بالقَيْح ودم الخنزير ثم يقوم فيصلي " . {[10288]}

وأما الشطرنج فقد قال عبد الله بن عمر : أنه شرّ من النرد . وتقدم عن علي أنه قال : هو من الميسر ، ونص على تحريمه مالك ، وأبو حنيفة ، وأحمد ، وكرهه الشافعي ، رحمهم الله تعالى .

وأما الأنصاب ، فقال ابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وغير واحد : هي حجارة كانوا يذبحون قرابينهم عندها .

وأما الأزلام فقالوا أيضًا : هي قداح كانوا يستقسمون بها .

وقوله : { رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ } قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : أي سَخَط من عمل الشيطان . وقال سعيد بن جبير : إثم . وقال زيد بن أسلم : أي شر من عمل الشيطان .

{ فَاجْتَنِبُوهُ } الضمير عائد على الرجس ، أي اتركوه { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } وهذا ترغيب .


[10280]:في أ: "الأعمشي".
[10281]:في أ: "حبيب مثله".
[10282]:في أ: "الذي".
[10283]:وذكره ابن أبي حاتم في العلل (2/297)، وقال: "وقال أبي: هذا حديث باطل وهو من علي بن يزيد، وعثمان لا بأس به".
[10284]:صحيح مسلم برقم (2260).
[10285]:الموطأ (2/958) والمسند (4/394) وسنن أبي داود برقم (4938) وسنن ابن ماجة برقم (3762).
[10286]:في أ: "علي بن إبراهيم" وهو خطأ.
[10287]:في أ: "عن النبي".
[10288]:المسند (5/370) وقال الهيثمي في المجمع (8/113): "فيه موسى بن عبد الرحمن الخطمي ولم أعرفه، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَيۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَٰمُ رِجۡسٞ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (90)

{ يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب } أي الأصنام التي نصبت للعبادة . { والأزلام } سبق تفسيرها في أول السورة . { رجس } قذر تعاف عنه العقول ، وأفرده لأنه خبر للخمر ، وخبر المعطوفات محذوف أو لمضاف محذوف كأنه قال : إنما تعاطي الخمر والميسر . { من عمل الشيطان } لأنه مسبب عن تسويله وتزيينه . { فاجتنبوه } الضمير للرجس أو لما ذكر أو للتعاطي . { لعلكم تفلحون } لكي تفلحوا بالاجتناب عنه .

واعلم أنه سبحانه وتعالى أكد تحريم الخمر والميسر في هذه الآية ، بأن صدر الجملة ب{ إنما } وقرنهما بالأنصاب والأزلام ، وسماهما رجسا ، وجعلهما من عمل الشيطان تنبيها على أن الاشتغال بهما شر بحت أو غالب ، وأمر بالاجتناب عن عينهما وجعله سببا يرجى منه الفلاح .