قوله تعالى : { رِجْسٌ } : خبرٌ عن هذه الأشياء المتقدمة فيقال : " كيف أخبر عن جمع بمفرد ؟ فأجاب الزمخشري بأنه على حَذْف مضاف اي : إنما شأنُ الخمرِ ، وكذا وكذا ، ذكر ذلك عند تعرُّضِه للضميرِ في " فاجتنبوه " كما سيأتي ، وكذا قَدَّره أبو البقاء فقال : " لأنَّ التقديرَ : إنما عَمَلُ هذه الأشياءِ " قال الشيخ بعد حكايتِه كلامَ الزمخشري : " ولا حاجة إلى هذا ، بل الحكمُ على هذه الأربعةِ أنفسِها أنَّها رِجْسٌ أبلغُ من تقدير هذا المضاف كقوله : { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } [ التوبة : 28 ] . وهو كلامٌ حسن ، وأجاب أبو البقاء أيضاً بأنه يجوزُ أَنْ يكونَ " رجس " خبراً عن " الخمر " وحُذِفَ خبرُ المعطوفاتِ لدلالةِ خبرِ الأولِ عليها " . قلت : وعلى هذا فيجوزُ أن يكونَ خبراً عن الآخِر وحُذِفَ خبرُ ما قبلَه لدلالةِ خبرِ ما بعده عليه ؛ لأنَّ لنا في نحو قولِه تعالى : { وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } [ التوبة : 62 ] هذين التقديرين ، وقد تقدَّم تحقيقُهما غيرَ مرةٍ .
والأنصابُ جمع " نَصَب " ، وقد تقدم ذلك أول السورة والأزلام تقدمت أيضاً ، والرِّجْسُ قال الراغب : " هو الشيء القَذِرُ ، رجل رِجْس ، ورجالٌ أَرْجاس " ثم قال : " وقيل : رِجْس ورِجْز للصوت الشديد ، يقال : بعير رَجَّاس : شديد الهدير ، وغمام راجِس ورجَّاس : شديد الرعد " وقال الزجاج : " وهو اسمُ لك ما استُقذر من عمل قبيح ، يقال : رَجِس ورَجَس بكسر الجيم وفتحها يَرْجُسُ رِجْساُ إذا عمل عملاً قبيحاً ، وأصلح من الرِّجْس بفتح الراء وهو شدة صوت الرعد ، قال :
وكلُّ رَجَّاسٍ يسوقُ الرَّجْسا ***
وفَرَّق ابن دريد بين الرِّجْس والرِّجْز والرِّكْس ، فجعل الرِّجْسَ : الشر ، والرِّجْز : العذاب ، والرِّكْس : العَذِرة والنَّتْن ، ثم قال : " والرِّجْسُ يقال للاثنين " ، فتحصَّل من هذا أنه اسمٌ للشيءِ القَذِرِ المنتن أو أنه في الأصل مصدرٌ .
وقوله : { مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ } في محلِّ رفعٍ لأنه صفةٌ ل " رجس " والهاء في " فاجتَنُبِوه " تعودُ على الرجس أي : فاجتنبوا الرجسَ الذي أخبر به عَمَّا تقدَّم من الخمر وما بعدها . وقال أبو البقاء : " إنها تعود على الفعل " يعني الذي قَدَّره مضافاً إلى الخمر وما بعدها ، وإلى ذلك نحا الزمخشري أيضاً ، قال : " فإنْ قلت : إلامَ يَرْجِعُ الضمير في قوله : " فاجتنبوه ؟ قلت : إلى المضافِ المحذوف ، أو تعاطِيهما أو ما أشبه ذلك ، ولذلك قال : { رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ } وقد تقدَّم أن الأحسن أن هذه الأشياء جُعِلَتْ نفسَ الرجس مبالغة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.