غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَيۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَٰمُ رِجۡسٞ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (90)

87

ثم إنه سبحانه استثنى من جملة الأمور المستطابة الخمر والميسر - وقد تقدم معناهما وما يتعلق بهما في سورة البقرة ، وسلك في سلك التحريم الأنصاب والأزلام وقد ذكرناهما في أول هذه السورة . واعلم أنه كانت تحدث قبل تحريم الخمر أشياء يكرهها رسول الله صلى الله عليه وسلم منها قصة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه مع عمه حمزة على ما روي في الصحيحين أنه قال : كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفاً من الخمس ، فلما أردت أن أبني بفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم واعدت رجلاً صوّاغاً من بني قينقاع أن يرتحل معي لأذخر ، أردت أن أبيعه من الصوّاغين فأستعين به في وليمة عرسي . فبينا أنا أجمع لشارفيّ متاعاً من الأقتاب والغرائر والحبال وشارفاي مناختان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار ، أقبلت فإذا أنا بشارفيّ قد جبت أسنمتهما وبقر خواصرهما وأخذ من أكبادهما فلم أملك عيني حين رأيت ذلك المنظر وقلت : من فعل هذا ؟ قالوا : فعله حمزة بن عبد المطلب وهو في البيت في شرب مع امرأة من الأنصار غنت أغنية فقالت في غنائها :

ألا يا حمز للشرف النواء *** وهن معقلات بالفناء

ضع السكين في اللبات منها *** فضرجهن حمزة بالدماء

وأطعم من شرائحها كباباً *** ملهوجة على وهج الصلاء

فأنت أبا عمارة المرجى *** لكشف الضر عنا والبلاء

فوثب إلى السيف فاجتب أسنمتهما وبقر خواصرهما وأخذ من أكبادهما . قال علي رضي الله عنه : فانطلقت حتى دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده زيد بن حارثة فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أتيت له فقال : ما لك ؟ فقلت يا رسول الله ما رأيت كاليوم ! عدا حمزة على ناقتي فاجتب أسنمتهما وبقر خواصرهما وهاهو ذا في بيت معه شرب . قال : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بردائه ثم انطلق يمشي واتبعت أثره ، - أنا وزيد بن حارثة - حتى جاء البيت الذي فيه . فاستأذن فأذن له فإذا هم شرب ، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوم حمزة فيما فعل فإذا حمزة ثمل محمرة عيناه ، فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صعد النظر فنظر إلى وجهه ثم قال : وهل أنتم إلا عبيد أبي ؟ فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ثمل فنكص على عقبيه القهقرى ، فخرج وخرجنا فكانت هذه القصة من الأسباب الموجبة لنزول تحريم الخمر . قالت العلماء : هذه الآية تدل على تحريمها من وجوه منها : تصدير الجملة ب «إنما » الدالة على الحصر معناه ليست الخمر إلا الرجس وعمل الشيطان . ومنها أنه قرنها بعبادة الأصنام ومنه قوله صلى اللّه عليه وسلم «شارب الخمر كعابد الوثن » ومنها أنه جعلها رجساً كما قال في موضع آخر

{ فاجتنبوا الرجس من الأوثان } [ الحج :30 ] وأصل الرجس العمل القبيح القذر . قال الفراء : { ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون } [ يونس : 100 ] أي العقاب والغضب وكأنه إبدال الرجز والرجس بالفتح الصوت الشديد من الرعد ومن هدير البعير فلهذا سمي العمل القوي الدرجة في القبح رجساً . ومنها أنه جعلها من عمل الشيطان ، ومن المعلوم أنه لا يصدر منه إلا الشر البحت . ومنها أنه أمر بالاجتناب وظاهر الأمر للوجوب . ومنها أنه جعل الاجتناب من الفلاح فيكون القرب منه خيبة . والضمير في { فاجتنبوه } عائد إلى الرجس أو العمل أو إلى المضاف المحذوف أي إنما تعاطي الخمر ونحو ذلك .

/خ100