{ الخمر } ما خامر العقل وغطاه . { الميسر } اللعب بالقداح .
{ الأنصاب } ما نُصِب فعُبد كالأصنام ؛ قال ابن سيده : كل شيء رفع واستقبل .
{ الأزلام } القداح ، والسهام يستقسم بها . فهو نصب .
{ رجس } قذَر ، نجس ، قبيح ، حرام .
يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون( 90 )
- هذا بيان من الله تعالى ذكره للذين حرموا على أنفسهم النساء والنوم واللحم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تشبها بالقسيسين والرهبان ، فأنزل الله فيهم على نبيه صلى الله عليه وسلم كتابه ينهاهم عن ذلك فقال : { يأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم } فنهاهم بذلك عن تحريم ما أحل الله لهم من الطيبات ، ثم قال : { ولا تعتدوا } . . في حدودي فتحلوا ما حرمت عليكم فإن ذلك لكم غير جائز ، كما غير جائز لكم تحريم ما حللت ، وإني لا أحب المعتدين . ثم أخبرهم عن الذي حرم عليهم مما إذا استحلوه وتقدموا عليه كانوا من المعتدين في حدوده ، فقال لهم : يأيها الذين صدقوا الله ورسوله إن الخمر التي تشربونها والميسر الذي تتياسرونه والأنصاب التي تذبحون عندها والأزلام التي تستقسمون بها { رجس } يقول : إثم ونتن سخطه الله وكرهه لكم-( {[1864]} ) ؛ والخمر ما خامر العقل وغطاه وستره فأسكره أو خدر إدراكه ووعيه أو فتره( {[1865]} ) ؛ { والميسر } أي : اللعب بالقداح ، وطلب غرة من يلاعب ليخدعه فيقمره( {[1866]} ) ؛ قال مجاهد : كل شيء فيه قمار فهو من الميسر( {[1867]} ) حتى لعب الصبيان بالجوز ؛ وقال عطاء في الميسر : إنه القمار بالقداح في كل شيء ؛ { والأنصاب } كل ما نصب فعبد كالأوثان والأصنام( {[1868]} ) ؛ { والأزلام } السهام التي يُستقسم بها ؛ وكانت لقريش في الجاهلية سهام مكتوب عليها : افعل ولا تفعل ، قد زلمت وسويت ووضعت في الكعبة ، يقوم بها سدنة البيت ، فإذا أراد الرجل سفرا أو نكاحا أتى السادن فقال : أخرج لي زلما ، فيخرجه وينظر إليه ، فإذا خرج قدح الأمر مضى على ما عزم عليه ، وإن خرج قدح النهي قعد عما أراده ؛ قال الشاعر مادحا :
لم يزجر الطير إن مرت به سُنُحا *** ولا يُفيض على قِسْم بأزلام
{ رجس من عمل الشيطان } عن ابن زيد : الرجس : الشر ؛ وهو شامل لمعاني : القذر ، والنجس ، والقبيح ، والحرام ؛ - وإفراد الرجس مع أنه خبر عن متعدد ( الخمر والميسر والأنصاب والأزلام ) لأنه مصدر يستوي فيه القليل والكثير ، . . . { من عمل الشيطان } في موضع الرفع على أنه صفة { رجس } أي : كائن من عمله ، مسبب من تزيينه وتسويله-( {[1869]} )ّ ؛ { فاجتنبوه لعلكم تفلحون } فلا تقربوا شيئا من هذا الشر رجاء أن تدركوا ما فيه الفوز بالمرغوب والسلامة من كل مرهوب ؛ في صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص أنه قال : نزلت في آيات من القرآن ؛ وفيه قال : وأتيت على نفر من الأنصار ؛ فقالوا : تعال نطعمك ونسقيك خمرا ، وذلك قبل أن تحرم الخمر ؛ قال : فأتيتهم في حسن- والحسن البستان- فإذا رأس جزور مشوي عندهم وزق من خمر ؛ قال : فأكلت وشربت معهم ؛ قال : فذكرت الأنصار والمهاجرين عندهم فقلت : المهاجرون خير من الأنصار ؛ قال : فأخذ رجل لحي جمل فضربني به فجرح أنفي ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فأنزل الله تعالى في- يعني نفسه إذ شرب الخمر- { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه } ؛ ( تحريم الخمر كان بتدريج ونوازل كثيرة ؛ فإنهم كانوا مولعين بشربها ، وأول ما نزل في شأنها : ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس . . ) ( {[1870]} ) أي في تجارتهم ؛ فلما نزلت هذه الآية تركها بعض الناس وقالوا : لا حاجة لنا فيما فيه إثم كبير ، ولم يتركها بعض الناس وقالوا : نأخذ منفعتها ونترك إثمها ، فنزلت هذه الآية : ( . . لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى . . ) ( {[1871]} ) ؛ فتركها بعض الناس وقالوا : لا حاجة لنا فيما يشغلنا عن الصلاة ، وشربها بعض الناس في غير أوقات الصلاة حتى نزلت : { يأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس . . } الآية ، فصارت حراما عليهم ، حتى صار يقول بعضهم : ما حرم الله شيئا أشد من الخمر ) ( {[1872]} ) .
روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس أن رجلا أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم رواية- قربة- خمر ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " . . هل علمت أن الله حرمها " ؟ ! قال : لا ، قال : فسار رجلا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بم ساررته " ؟ قال : أمرته ببيعها ؛ فقال : " إن الذي حرم شربها حرم بيعها " قال : ففتح المزادة حتى ذهب ما فيها- وفي الصحيحين- صحيحي البخاري ومسلم ، عن أنس قال : كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبي بن كعب وسهيل بن بيضاء ونفرا من أصحابه عند أبي طلحة ، حتى كاد الشراب يأخذ منهم ، فأتى آت من المسلمين فقال : أما شعرتم أن الخمر قد حرمت ؟ ! فقالوا : حتى ننظر ، ونسأل ، فقالوا : يا أنس ! اسكب ما بقي من إنائك ، فوالله ما عادوا فيها ، وما هي إلا التمر والبسر وهي خمرهم يومئذ ؛ وروى الشيخان- البخاري ومسلم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة " ، وروى مسلم عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل مسكر حرام ومن شرب الخمر فمات وهو يدمنها ولم يتب منها لم يشربها في الآخرة " وفي الصحيحين : " لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.