{ 1 - 8 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ }
يخبر تعالى عما يكون يوم القيامة ، وأن الأرض تتزلزل وترجف وترتج ، حتى يسقط ما عليها من بناء وعلم{[1465]} .
فتندك جبالها ، وتسوى تلالها ، وتكون قاعًا صفصفًا لا عوج فيه ولا أمت .
1- سورة " الزلزلة " وتسمى –أيضاً- سورة " إذا زلزلت " وسورة " الزلزال " من السور المكية ، وقيل : هي من السور المدنية .
قال الآلوسي : هي مكية في قول ابن عباس ومجاهد وعطاء ، ومدنية في قول مقاتل وقتادة .
ويبدو لنا أن القول بكونها مكية أرجح ؛ لأن الحديث عن أهوال يوم القيامة ، يكثر في السور المكية ، ولأن بعض المفسرين –كالإمام ابن كثير- قد اقتصر على كونها مكية ، ولم يذكر في ذلك خلافا .
وعدد آياتها ثماني آيات في المصحف الكوفي ، وتسع آيات في غيره . وسبب ذلك اختلافهم في قوله –تعالى- : [ يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم ] هل هو آيتان أو آية واحدة .
2- والسورة الكريمة من أهم مقاصدها : إثبات أن يوم القيامة حق وبيان ما اشتمل عليه من أهوال ، وتأكيد أن كل إنسان سيجازى على حسب عمله في الدنيا . .
قوله - تعالى - : { زُلْزِلَتِ } أى : حركت تحريكا شديدا لا يعلم مقداره إلا الله - تعالى - ، إذ الزلزال : الحركة الشديدة مع الاضطراب ، وهو بفتح الزاى اسم لذلك ، وبكسرها مصدر بمعنى التحرك والاضطراب ، وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { إِذَا رُجَّتِ الأرض رَجّاً } ويكون هذا الزلزال الشديد ، عندما يأذن الله - تعالى - بقيام الساعة ، ويبعث الناس للحساب .
وافتتح - سبحانه - الكلام بظرف الزمان { إذا } ، لإِفادة تحقق وقوع الشرط .
وقوله : { زِلْزَالَهَا } مصدر مضاف لفاعله . أى : إذا زلزلت الأرض زلزالها الذى لا يماثله زلزال آخر فى شدته وعظمته وهوله ، كما قال - تعالى - : { ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَيْءٌ عَظِيمٌ }
سورة الزلزلة مكية وآياتها ثمان
هذه السورة مدنية في المصحف وفي بعض الروايات ؛ ومكية في بعض الروايات الأخرى . ونحن نرجح الروايات التي تقول بأنها مكية ، وأسلوبها التعبيري وموضوعها يؤيدان هذا .
إنها هزة عنيفة للقلوب الغافلة . هزة يشترك فيها الموضوع والمشهد والإيقاع اللفظي . وصيحة قوية مزلزلة للأرض ومن عليها ؛ فما يكادون يفيقون حتى يواجههم الحساب والوزن والجزاء في بضع فقرات قصار !
وهذا هو طابع الجزء كله ، يتمثل في هذه السورة تمثلا قويا . . .
إذا زلزلت الأرض زلزالها ، وأخرجت الأرض أثقالها ، وقال الإنسان مالها ? يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها .
إنه يوم القيامة حيث ترتجف الأرض الثابتة ارتجافا ، وتزلزل زلزالا ،
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثنا سعيد ، حدثنا عياش بن عباس ، عن عيسى بن هلال الصَّدفي ، عن عبد الله بن عمرو قال : أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أقرئني يا رسول الله . قال{[1]} له : " اقرأ ثلاثا من ذات الر " . فقال له الرجل : كبر سني واستد{[2]} قلبي ، وغَلُظ لساني . قال : " فاقرأ من ذات{[3]} حم " ، فقال مثل مقالته الأولى . فقال : " اقرأ ثلاثا من المسبحات " ، فقال مثل مقالته . فقال الرجل : ولكن أقرئني - يا رسول الله - سورة جامعة . فأقرأه : ( إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا ) حتى إذا فرغ منها قال الرجلُ : والذي بعثك بالحق ، لا أزيد عليها أبدًا . ثم أدبر الرجل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفلح الرويجل ! أفلح الرويجل ! " ثم قال : " عَلَيّ به " . فجاءه فقال له : " أمرْتُ بيوم الأضحى جعله الله عيدا لهذه الأمة " . فقال له الرجل : أرأيت إن لم أجد إلا مَنيحَة أنثى فأضحي بها ؟ قال : " لا ، ولكنك تأخذ من شعرك ، وتقلم أظفارك ، وتقص شاربك ، وتحلق عانتك ، فذاك تمام أضحيتك عند الله ، عز وجل " .
وأخرجه أبو داود والنسائي ، من حديث أبي عبد الرحمن المقرئ{[4]} به{[5]} .
وقال الترمذي : حدثنا محمد بن موسى الحَرشي البصري : حدثنا الحسن بن سلْم{[6]} بن صالح العجلي ، حدثنا ثابت البُناني ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ ( إِذَا زُلْزِلَتِ ) عدلَت له بنصف القرآن " . ثم قال : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسن بن سلم{[7]} {[8]} .
وقد رواه البزار عن محمد بن موسى الحرشي ، عن الحسن بن سلم{[9]} عن ثابت ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) تَعدلُ ثلث القرآن ، و ( ِذَا زُلْزِلَتِ ) تَعدلُ ربع القرآن " . هذا لفظه .
وقال الترمذي أيضا : حدثنا علي بن حُجْر ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا يمان بن المغيرة العنزي ، حدثنا عطاء ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ( إِذَا زُلْزِلَتِ ) تَعْدلُ نصف القرآن ، و ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) تعدل ثلث القرآن ، و ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) تعدل ربع القرآن " . ثم قال : غريب ، لا نعرفه إلا من حديث يمان بن المغيرة{[10]} .
وقال أيضا : حدثنا عقبة بن مُكَرَّم العَمّي البصري ، حدثني ابن أبي فُدَيْك ، أخبرني سلمة بن وردان ، عن أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أصحابه : " هل تزوجت يا فلان ؟ " قال : لا ، والله يا رسول الله ، ولا عندي ما أتزوج ؟ ! قال : " أليس معك ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) " ؟ " . قال : بلى . قال : " ثلث القرآن " . قال : " أليس معك ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) ؟ " . قال : بلى . قال : " ربع القرآن " . قال : " أليس معك ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) ؟ " . قال : بلى . قال : " ربع القرآن " . قال : " أليس معك ( إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ ) ؟ " . قال : بلى . قال : " ربع القرآن " تزوج ، [ تزوج ]{[11]} . ثم قال : هذا حديث حسن{[12]} .
قال ابن عباس : { إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا } أي : تحركت من أسفلها .