قوله تعالى : { وإن منكم إلا واردها } أي : وما منكم إلا واردها ، وقيل : القسم فيه مضمر ، أي : و الله ما منكم من أحد إلا واردها ، والورود هو موافاة المكان . واختلفوا في معنى الورود هاهنا ، وفيما تنصرف إليه الكناية في قوله : { واردها } : قال ابن عباس رضي الله عنهما وهو قول الأكثرين ، معنى الورود هاهنا هو الدخول ، والكناية راجعة إلى النار ، وقالوا : النار يدخلها البر والفاجر ، ثم ينجي الله المتقين ، فيخرجهم منها . والدليل على أن الورود هو الدخول : قول الله عز وجل حكاية عن فرعون : { يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار } [ هود : 98 ] . وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس رضي الله عنهما في الورود ، فقال ابن عباس رضي الله عنهما : هو الدخول . وقال نافع : ليس الورود الدخول ، فتلا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى : { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون } [ الأنبياء : 98 ] أدخلها هؤلاء أم لا ؟ ثم قال : يا نافع أما والله أنت وأنا سنردها ، وأنا أرجو أن يخرجني الله وما أرى الله عز وجل أن يخرجك منها بتكذيبك . وقال قوم : ليس المراد من الورود الدخول ، وقالوا : النار لا يدخلها مؤمن أبداً ، لقوله تعالى : { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون * لا يسمعون حسيسها } [ الأنبياء : 101 102 ] ، وقالوا : كل من دخلها لا يخرج منها . والمراد من قوله : { وإن منكم إلا واردها } ، الحضور والرؤية ، لا الدخول كما قال الله تعالى : { ولما ورد ماء مدين } [ القصص : 23 ] أراد به الحضور . وقال عكرمة : الآية في الكفار فإنهم يدخلونها ولا يخرجون منها . وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه ، أنه قال ( وإن منكم إلا واردها ) يعني : القيامة ، والكناية راجعة إليها . والأول أصح . وعليه أهل السنة ، أنهم جميعاً يدخلون النار ثم يخرج الله عز وجل منها أهل الإيمان ، بدليل قوله تعالى : { ثم ننجي الذين اتقوا } أي : اتقوا الشرك ، وهم المؤمنون . والنجاة إنما تكون مما دخلت فيه . وقرأ الكسائي ويعقوب ( ننجي ) بالتخفيف والآخرون : بالتشديد . والدليل على هذا .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أبو بكر بن الحسن الحيري ، أنا حاجب بن أحمد الطوسي ، أنا عبد الرحيم بن منيب ، أنا سفيان ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار إلا تحلة القسم " . وأراد بالقسم قوله : { وإن منكم إلا واردها } .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد النعيمي ، أ محمد بن يوسف ، أ محمد بن إسماعيل ، أنا مسلم بن إبراهيم ، أنا هشام ، أنا قتادة ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير ، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير " ، وقال أبان عن قتادة : من إيمان مكان خير .
أخبرنا أبو المظفر محمد بن إسماعيل بن علي الشجاعي ، أنا أبو نصر النعمان بن محمد بن محمود الجرجاني ، أنا أبو عثمان عمرو بن عبد الله البصري ، أنا محمد بن عبد الوهاب ، أنا محمد بن الفضل أبو النعمان ، أنا سلام بن مسكين ، أنا أبو الظلال عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أن رجلاً في النار ينادي ألف سنة يا حنان يا منان ، فيقول الله عز وجل لجبريل : اذهب فائتني بعبدي هذا ، قال : فذهب جبريل فوجد أهل النار منكبين يبكون ، قال : فرجع فأخبر ربه عز وجل ، قال اذهب فإنه في موضع كذا وكذا ، قال : فجاء به ، قال : يا عبدي كيف وجدت مكانك ومقيلك ؟ قال : يا رب شر مكان وشر مقيل ، قال : ردوا عبدي ، قال : ما كنت أرجو أن تعيدني إليها إذ أخرجتني منها ، قال الله تعالى لملائكته : دعوا عبدي " . وأما قوله عز وجل : { لا يسمعون حسيسها } [ الأنبياء : 102 ] قيل : إن الله عز وجل أخبر عن وقت كونهم في الجنة أنهم لا يسمعون حسيسها ، فيجوز أن يكونوا قد سمعوا ذلك قبل دخولهم الجنة ، لأنه لم يقل : لم يسمعوا حسيسها . ويجوز أن لا يسمعوا حسيسها عند دخولهم إياها ، لأن الله عز وجل يجعلها عليهم برداً وسلاماً . وقال خالد بن معدان : يقول أهل الجنة ألم يعدنا ربنا أن نرد النار ؟ فيقال : بلى ، ولكنكم مررتم بها ، وهي خامدة . وفي الحديث : تقول النار للمؤمن : " جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي " . وروي عن مجاهد في قوله عز وجل : { وإن منكم إلا واردها } قال : من حم من المسلمين فقد وردها . وفي الخبر : { الحمى كير من جهنم " وهي حظ المؤمن من النار .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا محمد بن المثنى ، أنا يحيى ، عن هشام ، أخبرني أبي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء " . { كان على ربك حتماً مقضياً } أي : كان ورودكم جهنم حتماً لازماً ، { مقضياً } : قضاه الله عليكم .
{ 71 - 72 } { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا }
وهذا خطاب لسائر الخلائق ، برهم وفاجرهم ، مؤمنهم وكافرهم ، أنه ما منهم من أحد ، إلا سيرد النار ، حكما حتمه الله على نفسه ، وأوعد به عباده ، فلا بد من نفوذه ، ولا محيد عن وقوعه .
واختلف في معنى الورود ، فقيل : ورودها ، حضورها للخلائق كلهم ، حتى يحصل الانزعاج من كل أحد ، ثم بعد ، ينجي الله المتقين . وقيل : ورودها ، دخولها ، فتكون على المؤمنين بردا وسلاما . وقيل : الورود ، هو المرور على الصراط ، الذي هو على متن جهنم ، فيمر الناس على قدر أعمالهم ، فمنهم من يمر كلمح البصر ، وكالريح ، وكأجاويد الخيل ، وكأجاويد الركاب ، ومنهم من يسعى ، ومنهم من يمشي مشيا ، ومنهم من يزحف زحفا ، ومنهم من يخطف فيلقى في النار ، كل بحسب تقواه ، ولهذا قال : { ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا }
ثم بين - سبحانه - أن الجميع سيرد جهنم ، فقال : { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ على رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً } .
وللعلماء أقوال متعددة فى المراد بقوله - تعالى { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } .
فمنهم من يرى أن المراد بورودها : دخولها فجميع الناس مؤمنهم وكافرهم يدخلونها ، إلا أن النار تكون براداً وسلاماً على المؤمنين عند دخولهم إياها ، وتكون لهيباً وسعيراً على غيرهم .
ومنهم من يرى أن المراد بورودها : رؤيتها والقرب منها والإشراف عليها دون دخولها . كما فى قوله - تعالى - { وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ } أى : أشرف عليه وقاربه .
ومنهم من يرى أن المراد بورودها : خصوص الكافرين ، أى : أنهم وحدهم هم الذين يردون عليها ويدخلونها . أما المؤمنون فلا يردون عليها ولا يدخلونها .
ويبدو لنا أن المراد بالورود هنا : الدخول ، أى : دخول النار بالنسبة للناس جميعاً إلا أنها تكون برداً وسلاماً على المؤمنين ، وهناك أدلة على ذلك منها .
أن هناك آيات قرآنية جاء فهيا الورود ، بمعنى الدخول ، ومن هذه الآيات قوله - تعالى - : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فاتبعوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القيامة فَأَوْرَدَهُمُ النار وَبِئْسَ الورد المورود } ومعنى فأوردهم : فأدخلهم .
قال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا خالد بن سليمان ، عن كثير بن زياد البُرْساني ، عن أبي سُمَيَّة قال : اختلفنا في الورود ، فقال بعضنا : لا يدخلها مؤمن . وقال بعضهم : يدخلونها جميعا ، ثم ينجي الله الذين اتقوا . فلقيت جابر بن عبد الله فقلت له : إنا اختلفنا في الورود ، فقال : يردونها جميعًا - وقال سليمان مَرَّةً{[19022]} يدخلونها جميعًا - وأهوى بأصبعيه إلى أذنيه ، وقال : صُمّتا ، إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها ، فتكون على المؤمن{[19023]} بردًا وسلامًا ، كما كانت على إبراهيم ، حتى إن للنار ضجيجًا من بردهم ، ثم ينجي الله الذين اتقوا ، ويذر الظالمين فيها جثيًّا " {[19024]} غريب ولم يخرجوه .
وقال الحسن بن عرفة : حدثنا مروان بن معاوية ، عن بكار بن{[19025]} أبي مروان ، عن خالد بن مَعْدَان قال : قال أهل الجنة بعدما دخلوا الجنة : ألم يعدنا ربنا الورود على النار ؟ قال : قد مررتم عليها وهي خامدة .
وقال عبد الرزاق ، عن ابن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم قال : كان عبد الله بن رَوَاحة واضعًا رأسه في حِجْر امرأته ، فبكى ، فبكت امرأته فقال{[19026]} ما يبكيك ؟ فقالت :{[19027]} رأيتك تبكي فبكيت . قال : إني ذكرت قول الله عز وجل : { وَإِنْ مِنْكُمْ{[19028]} إِلا وَارِدُهَا } ، فلا أدري أنجو منها أم لا ؟{[19029]} وفي رواية : وكان مريضًا .
وقال ابن جرير : حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا ابن يَمَان ، عن مالك بن مِغْول ، عن أبي إسحاق : كان أبو ميسرة إذا أوى إلى فراشه قال : يا ليت أمي لم تلدني ثم يبكي ، فقيل : ما يبكيك يا أبا ميسرة ؟ فقال : أخبرنا أنا واردوها ، ولم نُخْبَرْ أنا صادرون عنها{[19030]} .
وقال عبد الله بن المبارك ، عن الحسن البصري قال : قال رجل لأخيه : هل أتاك أنك وارد النار ؟ قال : نعم . قال : فهل أتاك أنك صادر عنها ؟ قال : لا . قال : ففيم الضحك ؟ [ قال فما رُئي ضاحكًا حتى لحق بالله ]{[19031]} .
وقال عبد الرزاق أيضًا : أخبرنا ابن عُيَيْنَة ، عن عمرو ، أخبرني من سمع ابن عباس يخاصم نافع بن الأزرق ، فقال ابن عباس : الورود{[19032]} الدخول ؟ فقال نافع : لا فقرأ ابن عباس : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } [ الأنبياء : 98 ] وردوا أم لا ؟ وقال : { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ } [ هود : 98 ] أورْدٌ هو{[19033]} أم لا ؟ أما أنا وأنت فسندخلها ، فانظر هل نخرج منها أم لا ؟ وما أرى الله مخرجك منها بتكذيبك فضحك نافع{[19034]} .
وروى ابن جريج ، عن عطاء قال : قال أبو راشد الحَرُوري - وهو نافع بن الأزرق - : { لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا } [ الأنبياء : 102 ] فقال ابن عباس : ويلك : أمجنون أنت ؟ أين قوله : { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ } [ هود : 98 ] ، { وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا } [ مريم : 86 ] ، { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا } ؟ والله إن كان دعاء من مضى : اللهم أخرجني من النار سالمًا ، وأدخلني الجنة غانمًا{[19035]} .
وقال ابن جرير : حدثني محمد بن عبيد المحاربي ، حدثنا أسباط ، عن عبد الملك ، عن عبيد الله ، عن مجاهد قال : كنت عند ابن عباس ، فأتاه رجل يقال له : أبو راشد ، وهو نافع بن الأزرق ، فقال له : يا ابن عباس ، أرأيت قول الله : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا } ؟ قال : أما أنا وأنت يا أبا راشد فسنردها ، فانظر : هل نصدر عنها أم لا{[19036]} .
وقال أبو داود الطيالسي : قال شعبة ، أخبرني عبد الله بن السائب ، عمن سمع ابن عباس يقرؤها [ كذلك ]{[19037]} : " وإن منهم إلا واردها " يعني : الكفار{[19038]}
وهكذا روى عمرو بن الوليد الشَّنِّي{[19039]} ، أنه سمع عكرمة يقرؤها كذلك : " وإن منهم إلا واردها " ، قال : وهم الظلمة . كذلك كنا نقرؤها . رواه ابن أبي حاتم وابن جرير .
وقال العوفي ، عن ابن عباس قوله : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا } يعني : البر والفاجر ، ألا تسمع إلى قول الله لفرعون : { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ } { وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا } ، فسمى الورود في النار دخولا وليس بصادر .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، عن إسرائيل ، عن السدي ، عن مُرَّة ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يرد الناس [ النار ]{[19040]} كلهم ، ثم يصدرون عنها بأعمالهم " .
ورواه الترمذي عن عبد بن حميد ، عن عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن السدي به{[19041]} . ورواه من طريق شعبة ، عن السدي ، عن مرة ، عن ابن مسعود موقوفا{[19042]} {[19043]} .
هكذا وقع هذا الحديث هاهنا مرفوعًا . وقد رواه أسباط ، عن السدي ، عن مُرّة عن عبد الله بن مسعود قال : يرد الناس جميعًا الصراط ، وورودهم قيامهم حول النار ، ثم يصدرون عن الصراط بأعمالهم ، فمنهم من يمر مثل البرق{[19044]} ، ومنهم من يمر مثل الريح ، ومنهم من يمر مثل الطير ، ومنهم من يمر كأجود الخيل ، ومنهم من يمر كأجود الإبل ، ومنهم من يمر كعدو الرجل ، حتى إن آخرهم مرًّا رجل نوره على موضعي{[19045]} إبهامي قدميه ، يمر يتكفأ{[19046]} به الصراط ، والصراط دَحْضُ مَزَلّة ، عليه حَسَك كَحَسك القَتَاد ، حافتاه ملائكة ، معهم كلاليب من نار ، يختطفون بها الناس . وذكر تمام الحديث . رواه{[19047]} ابن أبي حاتم .
وقال ابن جرير : حدثنا خلاد بن أسلم ، حدثنا النضر ، حدثنا إسرائيل ، أخبرنا أبو إسحاق ، عن أبي الأحوص{[19048]} عن عبد الله : قوله : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا } قال : الصراط على جهنم مثل حد السيف ، فتمر الطبقة الأولى كالبرق ، والثانية كالريح ، والثالثة كأجود الخيل ، والرابعة كأجود البهائم ، ثم يمرون والملائكة يقولون : اللهم سَلّم سَلّم .
ولهذا شواهد في الصحيحين وغيرهما ، من رواية أنس ، وأبي سعيد ، وأبي هريرة ، وجابر ، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم{[19049]} .
وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا ابن عُلَيَّة عن الجُرَيري ، عن [ أبي السليل ]{[19050]} عن غُنَيْم بن قيس قال : ذكروا ورود النار ، فقال كعب : تمسك النار للناس{[19051]} كأنها مَتْن{[19052]} إهالة حتى يستوي عليها أقدام الخلائق ، برهم وفاجرهم ، ثم يناديها مناد : أن امسكي أصحابك ، ودعي أصحابي ، قال : فتخسف بكل ولي لها ، ولهي أعلم بهم{[19053]} من الرجل بولده ، ويخرج المؤمنون ندية ثيابهم . قال كعب : ما بين منكبي الخازن من خزنتها مسيرة سنة ، مع كل واحد منهم عمود ذو شعبتين{[19054]} ، يدفع به الدفع فيصرع به في النار سبعمائة ألف{[19055]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن أبي سفيان{[19056]} ، عن جابر ، عن أم مُبَشِّر ، عن حفصة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لأرجو ألا يدخل النار - إن شاء الله - أحد شهد بدرًا والحديبية " قالت{[19057]} فقلت : أليس الله يقول { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا } ؟ قالت{[19058]} : فسمعته يقول : { ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا }{[19059]} .
وقال [ الإمام ]{[19060]} أحمد أيضًا : حدثنا ابن إدريس ، حدثنا الأعمش ، عن أبي سفيان{[19061]} ، عن جابر ، عن أم مبشر - امرأة زيد بن حارثة - قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة ، فقال : " لا يدخل النار أحد شهد بدرًا والحديبية " قالت حفصة : أليس الله يقول : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا } ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا }{[19062]} .
وفي الصحيحين ، من حديث الزهري ، عن سعيد ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد تمسه النار ، إلا تَحِلَّة القسم " . {[19063]}
وقال عبد الرزاق : قال معمر : أخبرني الزهري ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من مات له ثلاثة لم تمسه النار إلا تحلة القسم " يعني الورود{[19064]} .
وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا زَمْعَة ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد ، تمسه النار إلا تحلة القسم " . قال الزهري : كأنه يريد هذه الآية : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا }{[19065]} .
وقال ابن جرير : حدثني عمران بن بكار الكلاعي{[19066]} ، حدثنا أبو المغيرة{[19067]} ، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن تميم ، حدثنا إسماعيل بن عبيد الله ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود رجلا من أصحابه وعِكًا ، وأنا معه ، ثم قال : " إن الله تعالى يقول : هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن ؛ لتكون حظه من النار في الآخرة " غريب ولم يخرجوه من هذا الوجه{[19068]} .
وحدثنا أبو كريب ، حدثنا ابن يمان ، عن عثمان بن الأسود ، عن مجاهد قال : الحمى حظ كل مؤمن من النار ، ثم قرأ : " وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لَهِيعَة ، حدثنا زَبَّان بن فائد ، عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } حتى يختمها عشر مرات ، بنى الله له قصرًا في الجنة " . فقال عمر : إذا نستكثر يا رسول الله ، فقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم : " لله ]{[19069]} أكثر وأطيب " {[19070]} .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ ألف آية في سبيل الله ، كُتب يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا ، إن شاء الله . ومن حرس من وراء المسلمين في سبيل الله متطوعًا لا بأجرة{[19071]} سلطان ، لم ير النار بعينيه إلا تحلة القسم ، قال الله تعالى : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا } وإن الذكر في سبيل [ الله ]{[19072]} يُضْعفُ فوق النفقة بسبعمائة ضعف " . وفي رواية : " بسبعمائة ألف ضعف " {[19073]}
وروى أبو داود ، عن أبي الطاهر ، عن ابن وهب ، عن يحيى بن أيوب [ وسعيد بن أبي أيوب ]{[19074]} كلاهما عن زبان{[19075]} ، عن سهل ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الصلاة والصيام والذكر تضاعف على النفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف " {[19076]} .
وقال عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن قتادة قوله : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا } قال : هو الممر عليها{[19077]}
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا } ، قال : ورود المسلمين المرور على الجسر بين ظهريها ، وورود المشركين : أن يدخلوها ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " الزالون والزالات يومئذ كثير ، وقد أحاط بالجسر يومئذ سِمَاطان من الملائكة ، دعاؤهم : يا ألله سلم سلم " {[19078]} .
وقال السدي ، عن مرة ، عن ابن مسعود في قوله : { كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا } قال : قسمًا واجبًا . وقال مجاهد : [ حتمًا ]{[19079]} ، قال : قضاء . وكذا قال ابن جريج{[19080]}
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِن مّنكُمْ إِلاّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىَ رَبّكَ حَتْماً مّقْضِيّاً } .
يقول تعالى ذكره : وإن منكم أيها الناس إلا وارد جهنم ، كان على ربك يا محمد إيرادهموها قضاء مقضيا ، قد قضى ذلك وأوجبه في أمّ الكتاب .
واختلف أهل العلم في معنى الورود الذي ذكره الله في هذا الموضع ، فقال بعضهم : الدخول . ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة عن عمرو ، قال : أخبرني من سمع ابن عباس يخاصم نافع بن الأزرق ، فقال ابن عباس : الورود : الدخول ، وقال نافع : لا ، فقرأ ابن عباس : إنّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنّمَ أنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ أورود هو أم لا ؟ وقال : يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِيامَةِ فأوْرَدَهُمُ النّارَ وَبِئْسَ الوِرْدُ المَوْرُودُ أورود هو أم لا ؟ أما أنا وأنت فسندخلها ، فانظر هل نخرج منها أم لا ؟ وما أرى الله مخرجك منها بتكذيبك ، قال : فضحك نافع .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح ، قال : قال أبو راشد الحَروريّ : ذكروا هذا فقال الحروريّ : لا يسمعون حَسيسها ، قال ابن عباس : ويلك أمجنون أنت ؟ أين قوله تعالى : يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِيامَةِ فأوْرَدَهُمُ النّارَ وَبِئْسَ الوِرْدِ المَوْرُودُ . وَنَسُوقُ المُجْرِمِينَ إلى جَهَنّمَ وِرْدا ، وقوله : وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها والله إن كان دعاء من مضى : اللهمّ أخرجني من النار سالما ، وأدخلني الجنة غانما .
قال ابن جريج : يقول : الورود الذي ذكره الله في القرآن : الدخول ، ليردنها كل برّ وفاجر في القرآن أربعة أوراد فأوْرَدَهُمُ النّارَ وَحَصَبُ جَهَنّمَ أنْتَمْ لَهَا وَارِدُونَ وَنَسُوقُ المُجْرِمِينَ إلى جَهَنّمَ وِرْدا ، وقوله : وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها كانَ عَلى رَبّكَ حَتْما مَقْضِيّا يعرف البرّ والفاجر ، ألم تسمع إلى قول الله تعالى لفرعون : يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِيامَةِ فأوْرَدَهُمُ النّارَ وَبِئْسَ الوِرْدِ المَوْرُودُ ، وقال وَنَسوق المُجْرِمِينَ إلى جَهَنّمَ وِرْدا فسمى الورود في النار دخولاً ، وليس بصادر .
حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : حدثنا مروان بن معاوية ، عن بكار بن أبي مروان ، عن خالد بن معدان ، قال : قال أهل الجنة بعد ما دخلوا الجنة : ألم يعدنا ربنا الورود على النار ؟ قال : قد مررتم عليها وهي خامدة .
قال ابن عرفة ، قال مروان بن معاوية ، قال بكار بن أبي مروان ، أو قال : جامدة .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا مرحوم بن عبد العزيز ، قال : ثني أبو عمران الجَوْنيّ ، عن أبي خالد قال : تكون الأرض يوما نارا ، فماذا أعددتم لها ؟ قال : فذلك قول الله : وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها كانَ عَلى رَبّكَ حَتْما مَقْضِيّا ثُمّ نُنَجّي الّذِينَ اتّقَوْا وَنَذَرُ الظّالِمِينَ فِيها جِثِيّا .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن الجريريّ ، عن أبي السليل ، عن غنيم بن قيس ، قال : ذكروا ورود النار ، فقال كعب : تُمْسَكُ النارُ للناس كأنها متن إهالة ، حتى يستويَ عليها أقدام الخلائق بَرّهم وفاجرهم ، ثم يناديها مناد : أن أمسكي أصحابك ، ودعي أصحابي ، قال : فيُخْسَف بكلّ وليّ لها ، ولهي أعلم بهم من الرجل بولده ، ويخرج المؤمنون ندية أبدانهم . قال : وقال كعب : ما بين منكبي الخازن من خزنتها مسيرة سنة ، مع كلّ واحد منهم عمود له شعبتان ، يدفع به الدّفْعة ، فيصرع به في النار سبع مئة ألف .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن مالك بن مغول ، عن أبي إسحاق ، قال : كان أبو ميسرة إذا أوى إلى فراشه ، قال : يا ليت أمي لم تلدني ، ثم يبكي ، فقيل : وما يبكيك يا أبا ميسرة ؟ قال : أَخبرنا أنا واردوها ، ولم يُخبرنا أنا صادرون عنها .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن إسماعيل ، عن قيس ، قال : بكى عبد الله بن رواحة في مرضه ، فبكت امرأته ، فقال : ما يبكيكِ ، قالت : رأيتك تبكي فبكيت ، قال ابن رواحة : إني قد علمت إني وارد النار فما أدري أناج منها أنا أم لا ؟ .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو عمرو داود بن الزبرقان ، قال : سمعت السديّ يذكر عن مرّة الهمداني ، عن ابن مسعود وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها قال : داخلها .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، في قوله وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها قال : يدخلها .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن ابن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، قال : كان عبد الله بن رواحة واضع رأسه في حجر امرأته ، فبكى ، فبكت امرأته ، قال : ما يبكيك ؟ قالت : رأيتك تبكي فبكيت ، قال : إني ذكرت قول الله وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها فلا أدري أنجو منها ، أم لا ؟ .
وقال آخرون : بل هو المَرّ عليها . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها يعني جهنم مرّ الناس عليها .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها قال : هو المرّ عليها .
حدثنا خلاد بن أسلم ، قال : أخبرنا النضر ، قال : أخبرنا إسرائيل ، قال : أخبرنا أبو إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله في قوله : وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها قال : الصراط على جهنم مثل حدّ السيف ، فتمرّ الطبقة الأولى كالبرق ، والثانية كالريح ، والثالثة كأجود الخيل ، والرابعة كأجود البهائم . ثم يمرّون والملائكة يقولون : اللهمّ سلم سلم .
وقال آخرون : بل الورود : هو الدخول ، ولكنه عنى الكفار دون المؤمنين . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا شعبة ، قال : أخبرني عبد الله بن السائب ، عن رجل سمع ابن عباس يقرؤها وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها يعني الكفار ، قال : لا يردها مؤمن .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا عمرو بن الوليد الشّنّي ، قال : سمعت عكرمة يقول وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها يعني الكفار .
وقال آخرون : بل الورود عام لكلّ مؤمن وكافر ، غير أن ورود المؤمن المرور ، وورود الكافر الدخول . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها ورود المسلمين المرور على الجسر بين ظهريها وورود المشركين أن يدخلوها ، قال : وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «الزّالّونَ والزّالاّتُ يَؤْمَئِذٍ كَثِيرٌ ، وَقَدْ أحاطَ الجِسْرَ سِماطانِ مِنَ المَلائكَةِ ، دَعْوَاهُمْ يَؤْمَئِذٍ يا أللّهُ سَلّمْ سَلّمْ » .
وقال آخرون : ورود المؤمن ما يصيبه في الدنيا من حمّى ومرض . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن عثمان بن الأسود ، عن مجاهد قال : الحمى حظّ كلّ مؤمن من النار ، ثم قرأ : وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها .
حدثني عمران بن بكار الكلاعي ، قال : حدثنا أبو المغيرة ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن تميم ، قال : حدثنا إسماعيل بن عبيد الله ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود رجلاً من أصحابه وبه وعك وأنا معه ، ثم قال : «إن الله يقول : هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن ، لتكون حظه من النار في الاَخرة » .
وقال آخرون : يردُها الجميع ، ثم يصدر عنها المؤمنون بأعمالهم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن شعبة ، قال : ثني السدي ، عن مرّة ، عن عبد الله وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها قال : يردُونها ثم يصدرون عنها بأعمالهم .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا شعبة ، عن السديّ ، عن مرّة ، عن عبد الله ، بنحوه .
حدثني محمد بن عبيد المحاربي ، قال : حدثنا أسباط ، عن عبد الملك ، عن عبيد الله ، عن مجاهد ، قال : كنت عند ابن عباس ، فأتاه رجل يقال له أبو راشد ، وهو نافع بن الأزرق ، فقال له : يا ابن عباس أرأيت قول الله وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها كانَ عَلى رَبّكَ حَتْما مَقْضِيّا قال : أما أنا وأنت يا أبا راشد فسنردها ، فانظر هل نصدر عنها أم لا ؟ .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يُسأل عن الورود ، فقال : «نحن يوم القيامة على كوى أو كرى ، فوق الناس ، فتدعي الأمم بأوثانها ، وما كانت تعبد الأوّل فالأوّل ، فينطلق بهم ويتبعونه ، قال : ويعطي كلّ إنسان منافق ومؤمن نورا ، ويغشى ظلمة ثم يتبعونه ، وعلى جسر جهنم كلاليب تأخذ من شاء الله ، فَيُطْفأ نور المنافق ، وينجو المؤمنون ، فتنجو أوّل زمرة كالقمر ليلة البدر ، وسبعون ألفا لا حساب عليهم ، ثم الذين يلونهم كأضوأ نجم في السماء ، ثم كذلك ، ثم تحلّ الشفاعة فيشفعون ، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله ممن في قلبه وزن شعيرة من خير ، ثم يلقون تلقاء الجنة ، ويهريق عليهم أهل الجنة الماء ، فينبتون نبات الشيء في السيل ، ثم يسألون فيجعل لهم الدنيا وعشرة أمثالها » .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن المبارك ، عن الحسن ، قال : قال رجل لأخيه : هل أتاك بأنك وارد النار ؟ قال : نعم ، قال : فهل أتاك أنك صادر عنها ؟ قال : لا ، قال : ففيم الضحك ؟ قال : فما رؤي ضاحكا حتى لحق بالله .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنا عمرو بن الحارث أن بكيرا حدّثه أنه قال لبسر بن سعيد : إن فلانا يقول : إن ورود النار القيام عليها . قال بسر : أما أبو هريرة فسمعته يقول : «إذا كان يوم القيامة ، يجتمع الناس نادى مناد : ليلحق كل أناس بما كانوا يعبدون ، فيقوم هذا إلى الحجر ، وهذا إلى الفرس ، وهذا إلى الخشبة حتى يبقى الذين يعبدون الله ، فيأتيهم الله ، فإذا رأوه قاموا إليه ، فيذهب بهم فيسلك بهم على الصراط ، وفيه عليق ، فعند ذلك يؤذن بالشفاعة ، فيمرّ الناس ، والنبيون يقولون : اللهمّ سلم سلم » . قال بكير : فكان ابن عميرة يقول : فناج مسلم ومنكوس في جهنم ومخدوش ، ثم ناج .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : يردها الجميع ثم يصدر عنها المؤمنون ، فينجيهم الله ، ويهوي فيها الكفار وورودهموها هو ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من مرورهم على الصراط المنصوب على متن جهنم ، فناج مسلم ومكدس فيها .
ذكر الأخبار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، عن أمّ مبشر امرأة زيد بن حارثة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت حفصة : «لا يَدْخُلُ النّارَ أحَدٌ شَهِدَ بَدْرا والحُدَيْبِيَةَ » . قالت : فقالت حفصة : يا رسول الله ، أليس الله يقول : وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فمَهْ ثُمّ يَنَجّي اللّهُ الّذِين اتّقُوا » .
حدثنا الحسن بن مدرك ، قال : حدثنا يحيى بن حماد ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، عن أمّ مبشر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بمثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، عن أمّ مبشر ، عن حفصة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّي لاَءَرْجُو أنْ لا يَدْخُلَ النّارَ أَحَدٌ شَهِدَ بَدْرا والحُدَيْبِيَةَ » ، قالت : فقلت يا رسول الله ، أليس الله يقول وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها ؟ قال : «فَلَمْ تَسْمَعِيهِ يَقُولُ : ثُمّ نُنَجّي الّذِينَ اتّقَوْا وَنَذَرُ الظّالِمِينَ فِيها جِثِيّا » ؟
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن محمد بن إسحاق ، قال : ثني عبيد الله بن المغيرة بن معيقب ، عن سليمان بن عمرو بن عبد العِتْواريّ ، أحد بني ليث ، وكان في حجر أبي سعيد ، قال : سمعت أبا سعيد الخُدريّ يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «يُوضَعُ الصّرَاطُ بينَ ظَهْرَيْ جَهَنّمَ ، عَلَيْهِ حَسكٌ كحَسكِ السّعْدانِ ، ثُمّ يَسْتَجِيزُ النّاسُ ، فنَاجٍ مُسْلِمٌ ومَجْرُوحٌ بِهِ ، ثمّ ناجٍ ومُحْتَبِسٌ ومُكَدّسٌ فِيها ، حتى إذَا فَرَغَ اللّهُ مِنَ القَضَاءِ بينَ العِبادِ تَفَقّدَ المُؤْمِنُونَ رِجالاً كانُوا مَعَهُمْ فِي الدّنْيا يُصَلّونَ صَلاَتَهُمْ ، وَيُزَكّونَ زَكاتَهُمْ وَيَصُومُون صِيامَهُمْ ، ويَحُجّونَ حَجّهُمْ ، ويَغْزُونَ غَزْوَهُمْ ، فَيَقُولُونَ : أيّ رَبّنا عِبادٌ مِنْ عِبادِكَ كانُوا مَعَنا فِي الدنْيا ، يُصَلّونَ صَلاتَنا ، وَيُزَكّونَ زَكاتَنا ، وَيَصُومُونَ صِيامَنا ، ويَحُجّونَ حَجّنا ، ويَغْزُونَ غَزْونا ، لا نَرَاهُمْ ، فَيَقُولُ : اذْهَبُوا إلى النّارِ ، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِيها مِنْهُمْ فأخْرِجُوهُ ، فَيَجِدُونَهُمْ قَدْ أخَذَتْهُمُ النّارُ عَلى قَدْرِ أعمالِهمْ ، فَمِنْهُمْ مَنْ أخَذَتْهُ النّارُ إلى قَدَمَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أخَذَتْهُ إلى نِصْفِ ساقَيهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أخَذَتْهُ إلى رُكْبَتَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أخَذَتْهُ إلى ثَدِيَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أخَذَتْهُ إلى عُنُقِهِ ولَمْ تَغْشَ الوُجُوهَ ، فَيَسْتَخْرِجُونَهُمْ مِنْها ، فَيَطْرَحُونَهُمْ فِي ماءِ الحَياةِ » قِيلَ : وَما ماءُ الحَياةِ يا رَسول اللّهِ ؟ قال : «غُسْلُ أهْلِ الجَنّةِ ، فَيَنْبُتُونَ كمَا تَنْبُتُ الزّرْعَةُ فِي غُثاءِ السّيْلِ ، ثُمّ تَشْفَعُ الأنْبِياءُ فِي كُلّ مَنْ كانَ يَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللّهُ مُخْلِصا ، فَيَسْتَخْرِجُونَهُمْ مِنْها ، ثُمّ يَتَحَننُ اللّهُ برحْمَتِهِ عَلى مَنْ فِيها ، فَمَا يَتْرُكُ فِيها عَبْدا فِي قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرّةٍ مِنَ الإِيمَانِ إلاّ أخْرَجَهُ مِنْها » .
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا أبي وشعيب بن الليث ، عن الليث بن خالد ، عن يزيد بن أبي هلال ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخُدريّ ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «يُؤْتَى بالجِسْرِ يعني يوم القيامة فَيُجْعَلُ بينَ ظَهْرَيْ جَهَنمَ » قلنا : يا رسول الله وما الجسر ؟ قال : «مَدحَضَةٌ مزَلّةٌ ، عَلَيْهِ خَطاطِيفُ وكَلالِيبُ وحَسْكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لها شَوْكة عُقَيْفاءُ تَكُونُ بِنَجْدٍ ، يُقالُ لَهَا السّعْدانُ ، يَمُرّ المُؤْمِنُونَ عَلَيْها كالطّرْفِ والبَرْقِ وكالرّيحِ ، وكأجاوِدِ الخَيْلِ والرّكابِ ، فَناجٍ مُسْلِم ، ومَخْدُوشٌ مُسْلِمٌ ، ومَكْدُوسٌ فِي جَهَنّمَ ، ثُمّ يَمُرّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبا ، فَمَا أنْتُمْ بأشَدّ مُناشَدَةٍ لي فِي الحَقّ قَد تبَيّنَ لَكُمْ ، مِنَ المُؤْمِنِينَ يَوْمَئِذٍ للجَبّارِ تَبارَك وَتَعالى ، إذَا رأوْهُمْ قَدْ نَجَوا وَبَقِيَ إخْوانُهُمْ » .
حدثني أحمد بن عيسى ، قال : حدثنا سعيد بن كثير بن عُفَير ، قال : حدثنا ابن لَهيعة ، عن أبي الزبير ، قال : سألت جابر بن عبد الله عن الورود ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «هُوَ الدّخولُ ، يَردُونَ النّارَ حتى يَخْرُجُوا مِنْها ، فآخِرُ مَنْ يَبْقَى رَجُلٌ عَلى الصّراطِ يَزْحَفُ ، فَيرْفَعُ اللّهُ لَهُ شَجَرَةً ، قالَ : فَيَقُولُ : أيْ رَبّ أدْنَنِي مِنْها ، قالَ : فَيُدْنِيهِ اللّهُ تَبارَكَ وتَعَالى مِنْها ، قالَ : ثُمّ يَقُولُ : أيْ رَبّ أدْخِلْنِي الجَنّةَ ، قالَ : فَيَقُولُ : سَلْ ، قالَ : فَيَسألُ ، قال : فَيَقُولُ : ذلكَ لَكَ وَعَشْرَةُ أضْعافِهِ أوْ نَحْوُها قالَ : فَيَقُولُ : يا رَبّ تَسْتَهْزِىءُ بِي ؟ قالَ : فَيَضْحَكُ حتى تَبْدُو لَهْوَاتُهُ وأضْرَاسُهُ » .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يحيى بن أيوب «ح » وحدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا محمد بن زيد ، عن رشدين ، جميعا عن زياد بن فائد ، عن سهل بن معاذ ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «مَنْ حَرَسَ وَرَاءَ المُسْلِمِينَ فِي سَبِيلِ اللّهِ مُتَطَوّعا ، لا يأْخُذُهُ سُلْطانٌ بحرَسٍ ، لَمْ يَرَ النّارَ بعَيْنِهِ إلاّ تَحِلّةَ القَسَمِ ، فإنّ اللّهَ تَعالى يَقُولُ وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها » .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرّزاق ، قال : أخبرنا معمر ، أخبرني الزهريّ ، عن ابن المسيب عن أبي هريرة ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «مَنْ ماتَ لَهُ ثَلاثَةٌ لَمْ تَمَسّهُ النّارُ إلاّ تَحِلّةَ القَسَمِ » يعني : الورود .
وأما قوله : كانَ عَلَى رَبّكَ حَتْما مَقْضِيّا فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم معناه : كان على ربك قضاء مقضيا . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : حَتْما قال : قضاء .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج حَتْما مَقْضِيّا قال : قضاء .
وقال آخرون : بل معناه : كان على ربك قسما واجبا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو عمرو داود بن الزّبْرِقان ، قال : سمعت السديّ يذكر عن مرّة الهمدانيّ ، عن ابن مسعود كانَ عَلى رَبّكَ حَتْما مَقْضِيّا قال : قسما واجبا .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة كانَ عَلى رَبّكَ حَتْما مَقْضِيّا يقول : قسما واجبا .
لمّا ذكر انتزاع الذين هم أولى بالنّار من بقية طوائف الكفر عطف عليه أنّ جميع طوائف الشرك يدخلون النار ، دفعاً لتوهم أنّ انتزاع من هو أشد على الرحمان عتياً هو قصارى ما ينال تلك الطوائف من العذاب ؛ بأن يحسبوا أنّ كبراءهم يكونون فداء لهم من النّار أو نحو ذلك ، أي وذلك الانتزاع لا يصرف بقية الشيع عن النّار فإن الله أوجب على جميعهم النّار .
وهذه الجملة معترضة بين جملة { فوربك لنحشرنهم } [ مريم : 68 ] الخ وجملة { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا } [ مريم : 73 ] الخ . . .
فالخطاب في { وإن منكم } التفات عن الغيبة في قوله { لنحشرنّهم ولنحضرنّهم } [ مريم : 68 ] ؛ عدل عن الغيبة إلى الخطاب ارتقاء في المواجهة بالتهديد حتى لا يبقى مجال للالتباس المراد من ضمير الغيبة فإن ضمير الخطاب أعرَف من ضمير الغيبة . ومقتضى الظاهر أن يقال : وإن منهم إلا واردها . وعن ابن عبّاس أنّه كان يقرأ { وإن منهم } . وكذلك قرأ عِكرمة وجماعة .
فالمعنى : وما منكم أحد ممن نُزع من كلّ شيعة وغيرِه إلاّ واردُ جهنّم حتماً قضاه الله فلا مبدل لكلماته ، أي فلا تحسبوا أن تنفعكم شفاعتهم أو تمنعكم عزّة شِيعكم ، أو تُلقون التبعة على سادتكم وعظماء أهل ضلالكم ، أو يكونون فداء عنكم من النّار . وهذا نظير قوله تعالى : { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعين } [ الحجر : 42 ، 43 ] ، أي الغاوين وغيرهم .
والورود : حقيقته الوصول إلى الماء للاستقاء . ويطلق على الوصول مطلقاً مجازاً شائعاً ، وأما إطلاق الورود على الدخول فلا يُعرف إلا أن يكون مجازاً غير مشهور فلا بد له من قرينة .