النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَإِن مِّنكُمۡ إِلَّا وَارِدُهَاۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتۡمٗا مَّقۡضِيّٗا} (71)

قوله عز وجل : { وَإِن مِنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } فيه قولان :

أحدهما : يعني الحمى والمرض ، قاله مجاهد . روى أبو هريرة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود رجلاً من أصحْابه فيه وعك وأنا معه ، فقال رسول الله : " أَبْشِرْ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ : هِي نَارِي أُسَلِّطُهَا عَلَى عَبْدِي المُؤْمِنِ لِتَكُونَ حَظَّهُ مِنَ النَّارِ{[1877]} " أي في الآخرة .

الثاني : يعني جهنم . ثم فيه قولان :

أحدهما : يعني بذلك الكافرين يردونها دون المؤمن ؛ قاله عكرمة ويكون قوله : { وَإِن منْكُمْ } أي منهم كقوله تعالى : { وَسَقَاهُم رَبُّهُم شَرَاباً طَهُوراً } ثم قال : { إِنَّ هذَا كَانَ لَكُم جَزَاءً } أي لهم .

الثاني : أنه أراد المؤمن والكافر . روى ابن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الزَّالُّونَ وَالزَّالاَّت يَومَئذٍ كَثِيرٌ " وفي كيفية ورودها قولان :

أحدهما : الدخول فيها . قال ابن عباس : ليردنها كل بر وفاجر . لكنها تمس الفاجر دون البر . قال وكان دعاء من مضى : اللهم أخرجني من النار سالماً ، وأدخلني الجنة عالماً .

والقول الثاني : أن ورود المسلم عليها الوصول إليها ناظراً لها ومسروراً بالنجاة منها ، قاله ابن مسعود ، وذلك مثل قوله تعالى : { وَلَمَّا وَرَدَ مَآء مَدْيَنَ } [ القصص : 23 ] أي وصل . وكقول زهير بن أبي سلمى :

ولما وردن الماء زُرْقاً جِمامُه *** وضعن عِصيَّ الحاضر المتخيمِ

ويحتمل قولاً ثالثاً : أن يكون المراد بذلك ورود عرضة القيامة التي تجمع كل بر وفاجر :

{ كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً } فيه تأويلان :

أحدهما : قضاء مقتضياً ، قاله مجاهد . الثاني : قسماً واجباً ، قاله ابن مسعود .


[1877]:رواه أحمد في المسند 2/440.