فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَإِن مِّنكُمۡ إِلَّا وَارِدُهَاۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتۡمٗا مَّقۡضِيّٗا} (71)

{ وَإِن منكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } الخطاب للناس من غير التفات ، أو للإنسان المذكور ، فيكون التفاتاً ، أي ما منكم من أحد إلا واردها ، أي واصلها .

وقد اختلف الناس في هذا الورود . فقيل : الورود : الدخول ويكون على المؤمنين برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم . وقالت فرقة : الورود : هو المرور على الصراط وقيل : ليس الورود الدخول إنما هو كما يقول : وردت البصرة ولم أدخلها ، وقد توقف كثير من العلماء عن تحقيق هذا الورود ، وحمله على ظاهره لقوله تعالى : { إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ منَّا الحسنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } [ الأنبياء : 101 ] . قالوا : فلا يدخل النار من ضمن الله أن يبعده عنها ، ومما يدلّ على أن الورود لا يستلزم الدخول قوله تعالى : { وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ } [ القصص : 23 ] فإن المراد : أشرف عليه لا أنه دخل فيه ، ومنه قول زهير :

فلما وردن الماء زرقاً حمامه *** وضعن عصي الحاضر المتخيم

ولا يخفى أن القول بأن الورود هو : المرور على الصراط ، أو الورود على جهنم وهي خامدة فيه ، جمع بين الأدلة من الكتاب والسنّة ، فينبغي حمل هذه الآية على ذلك ، لأنه قد حصل الجمع بحمل الورود على دخول النار مع كون الداخل من المؤمنين مبعداً من [ عذابها ] ، أو بحمله على المضيّ فوق الجسر المنصوب عليها ، وهو الصراط { كَانَ على رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً } أي كان ورودهم المذكور أمراً محتوماً قد قضى سبحانه أنه لا بدّ من وقوعه لا محالة . وقد استدلت المعتزلة بهذه الآية على أن العقاب واجب على الله ، وعند الأشاعرة أن هذا مشبه بالواجب من جهة استحالة تطرّق الخلف إليه .

/خ72