بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَإِن مِّنكُمۡ إِلَّا وَارِدُهَاۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتۡمٗا مَّقۡضِيّٗا} (71)

{ وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } قال بعضهم : أي داخلها ، المؤمن والكافر يدخلون على الصراط ، وهو ممدود على متن جهنم ، ويقال : { وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } يعني الكفار الذين تقدم ذكرهم .

وروى سفيان عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد أن نافع بن الأزرق خاصم ابن عباس وقال : لا يردها مؤمن ، فقال ابن عباس : أما أنا وأنت فسندخلها ، فانظر بماذا نخرج منها إن خرجنا .

وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال : يرد الناس جميعاً الصراط وورودهم قيامهم حول النار ثم يمرون على الصراط بأعمالهم ، فمنهم من يمر مثل البرق ، ومنهم من يمر مثل الريح ، ومنهم من يمر مثل الطير ، ومنهم من يمر كأجود الخيل ، ومنهم من يمر كأجود الإبل ، ومنهم من يمر كعدو الرجل ، حتى أن آخرهم مثل رجل نوره على إبهامي قدميه ، ثم يتكفأ به الصراط ، والصراط دحض مزلة كحدّ السيف عليه حسك كحسك العتاد ، وحافتاه ملائكة معهم كلاليب من نار يختطفون بها الناس ، فبين مارٍ ناج ، وبين مخدوش مكدوش في النار ، والملائكة عليهم السلام يقولون : ربِّ سلِّم سلِّم .

وروى سفيان عن ثور بن خالد بن معدان قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة قالوا : أَلَمْ يَعِدْنا رَبُّنَا أَنَّا نَرِدُ النَّارَ ؟ قال : إنكم قد مررتم بها وهي خامدة ، فذلك قوله عز وجل { وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } يعني : الخلائق على الصرط ، والصراط في جهنم { كَانَ على رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً } يعني قضاء واجباً .

قال : حدثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن مندوست قال : حدثنا فارس بن مردويه قال : حدثنا محمد بن الفضل قال : حدثنا عدي بن عاصم قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : حدثنا جرير عن أبي السليل عن غنيم بن قيس عن أبي العوام قال : قال كعب : هل تدرون ما قوله { وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } ؟ قالوا : ما كنا نرى ورودها إلا دخولها . قال : لا ، ولكن ورودها أن يجاء بجهنم كأنها متن إهالة ، حتى إذا استوت عليها أقدام الخلائق برهم وفاجرهم نادى مناد : خذي أصحابك وذري أصحابي ، فتخسف بكلّ ولي لها وهي أعلم بهم من الوالد لولده ، وينجو المؤمنون نديَّة ثيابهم .

قال : وحدثني الثقة بإسناده عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية كبا لها الناس كبوةً شديدة ، وحزنوا حتى بلغ الحزن كل مبلغ ، وليس أحداً إلا وهو يدخلها فأنشؤوا يبكون .

قال : ونزل بابن مظعون ضيف فقال لامرأته : هيئي لنا طعاماً فاستوصي بضيفك خيراً حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهى إليه وهم يبكون فقال : ما يُبْكِيكُمْ ؟ قالوا : نزلت هذه الآية { وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ على رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً } يقول : كائناً لا يبقى أحد إلا دخلها ، فأنشأ عثمان بن مظعون يبكي ، ثم انصرف إلى منزله باكياً ، فلما أتى منزله سمعت امرأته بكاءه ، فأنشأت تبكي ، فلما سمع الضيف بكاءهما أنشأ يبكي ، فلما دخل عليهما عثمان قال لها : ما يبكيك ؟ قالت : سمعت بكاءك فبكيت ، فقال للضيف : وأنت ما يبكيك ؟ قال : عرفت أن الذي أبكاكما سيبكيني ، قال عثمان فابكوا وحق لكم أن تبكوا ، أنزل الله عز وجل اليوم على رسوله { وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } فمكثوا بعد هذه الآية سنتين ، ثم قال عز وجل : { ثُمَّ نُنَجّى الذين اتقوا } وروي في بعض الأخبار أنه نزل بعد ثلاثة أيام { ثُمَّ نُنَجّى الذين اتقوا } الشرك والمعاصي { وَّنَذَرُ الظالمين فِيهَا جِثِيّاً } يعني : المشركين جميعاً فيها ، ففرح المسلمون بها قرأ الكسائي .