الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَإِن مِّنكُمۡ إِلَّا وَارِدُهَاۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتۡمٗا مَّقۡضِيّٗا} (71)

قوله : { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ } : في هذه الواوِ وجهان ، أحدهما : أنها عاطفةٌ هذه الجملةَ على ما قبلَها . وقال ابن عطية " { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } قَسَمٌ والواو تَقْتَضيه ، ويُفَسِّره قولُ النبي صلى الله عليه وسلم : " مَنْ ماتَ له ثلاثٌ من الولد لم تَمَسَّه النار إلا تَحِلَّة القسمِ " قال الشيخ : " وذَهِلَ عن قولِ النحويين إنه لا يُستغنى عن القسمِ بالجواب لدلالةِ المعنى ، إلا إذا كان الجوابُ باللامِ أو ب " إنْ " والجوابُ هنا على زَعْمه ب " إنْ " النافيةِ فلا يجوز حَذْفُ القسم على ما نَصُّوا . وقوله : " والواو تَقْتَضِيه " يدلُّ على أنها عنده واوُ القسم ، ولا يذهبُ نحويٌ إلى أنَّ مِثْلَ هذه الواوِ واوُ قسمٍ لأنه يلزمُ مِنْ ذلك حَذْفُ المجرورِ وإبقاءُ الجارِّ ، ولا يجوز ذلك إلا إنْ وَقَعَ في شعرٍ أو نادرِ كلامٍ بشرط أن تقومَ صفةُ المحذوف مَقامَه ، كما أوَّلوا في قولهم : " نِعْمَ السيرُ على بئسَ العَيْرُ " ، أي : على عَيْرٍ بئسَ العَيْرُ ، وقولِ الشاعر :

واللهِ ما ليلى بنامِ صاحِبُهْ ***

أي : برجلٍ نام صاحبُهْ ، وهذه الآيةُ ليست من هذا الضَّرْبِ ؛ إذ لم يُحْذَفِ المُقْسَمُ به وقامَتْ صفتُه مَقامَه " .

و " إنْ " حرفُ نفيٍ ، و " منكم " صفةٌ لمحذوفٍ تقديرُه : وإنْ أحدٌ منكم . ويجوز أن يكونَ التقديرُ : وإن منكم إلا مَنْ هو وارِدُها . وقد تقدَّم لذلك نظائرُ .

والخطابُ في قولِه " منكمْ " يَحْتمل الالتفاتَ وعدمَه . قال الزمخشري : " التفاتٌ إلى الإِنسان ، ويَعْضُدُه قراءةُ ابن عباس وعكرمةَ " وإنْ منهم " أو خطابٌ للناس مِنْ غير التفاتٍ إلى المذكور " .

والحَتْمُ : القضاءُ والوجوبُ . حَتَمَ ، أي : أوجب [ وحَتَمَه ] حتماً ، ثم يُطلق الحتم على الأمر المحتوم مقوله تعالى : " هذا خَلْقُ الله " و " هذا دِرْهَمٌ ضَرْبُ الأميرِ " . و " على ربِّك " متعلِّقٌ ب " حَتْم " لأنه في معنى اسمِ المفعول ، ولذلك وصَفَه ب " مَقْضِيَّاً " .