الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَإِن مِّنكُمۡ إِلَّا وَارِدُهَاۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتۡمٗا مَّقۡضِيّٗا} (71)

وقوله عزَّ وجل : { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } [ مريم : 71 ] .

قَسَمٌ ، والواو تَقْتَضِيه ، ويفسّره قولهُ صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلاَثَةُ أَوْلاَدٍ ، لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ إلاَّ تَحِلَّةَ الْقَسَمِ ) وقرأ ابن عباس ، وجماعَةٌ : «وإنْ مِنْهُمْ » بالهَاءِ على إرَادة الكُفَّار .

قال ( ع ) : ولا شغب في هذه القراءة ، وقالت فِرْقَةٌ من الجمهور القارئين «منكم » . المعنى : قُلْ لهم يا محمَّدُ ، فالخِطَاب ب{ مِنْكُمْ } للكفرةِ ، وتأويل هؤلاءِ أَيضاً سَهْلُ التناوُلِ ، وقال الأكثرُ : المخاطَبُ العَالَمُ كلّه ، ولا بُدّ مِنْ وُرُودِ الجميع ، ثم اختلفوا في كَيْفِيَّةِ ورود المُؤْمِنِينَ ، فقال ابنُ عباسٍ ، وابنُ مسعودٍ ، وخالدُ بن مَعْدَانَ ، وابنُ جُرَيْجٍ ، وغيرُهم : هو ورودُ دخولٍ ، لكنَّها لا تعدو عليهم ، ثم يُخْرِجَهم اللّهُ عز وجل منها بعدَ مَعْرِفتهم حَقِيقَةَ ما نَجَوْا منه ، وروى جابرُ بنُ عبدِ اللّهِ ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنه قال : ( الوُرُودُ فِي هَذِهِ الآيَةِ هُوَ الدُّخُولُ ) ، وقد أَشْفَقَ كَثِيرٌ من العلماء من تحقُّقِ الورودِ مع الجَهْلِ بالصَّدَرِ جعلنا اللّه تعالى من الناجين بفضله ورحمته ، وقالت فِرْقَة : بَلْ هُو ورودُ إشْرَافٍ ، واطِّلاعٍ ، وقُرْبٍ ، كما تقول : وردتُ الماءَ ؛ إذا جِئْتَه ، وليس يلزم أَن تدخل فيه ، قالوا : وحَسْبُ المُؤْمِن بهذا هَوْلاً ومنه قولُه تعالى : { وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ } [ القصص : الآية23 ] .

وروت فرقة أثراً : أنّ الله تعالى يجعلُ النَّار يوم القيامة جامدةَ الأعلى كأنها إهالةٌ ، فيأتي الخلقُ كلُّهم ؛ برُّهم وفاجرُهم فيقفون عليها ثم تسوخُ بأهلِها ويخرجُ المؤمنون الفائزون لم ينلهم ضرٌّ قالوا فهذا هو الورودُ .

قال المهدوي : وعن قتادةَ قال : يرد النَّاسُ جهنَّمَ وهي سَوْدَاءُ مظلِمةٌ ، فأَما المؤْمنُونَ فأَضَاءَتْ لهم حَسَناتُهم ، فَنَجَوا منها ، وأما الكفارُ فأوبقتهم سَيِّئَاتُهم ، واحتبسوا بذنوبهم . [ انتهى ] .

وروت حَفْصَةُ رضي اللّه عنها أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : ( لاَ يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَالحُدَيْبِيَةِ قَالَتْ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللّه ، وأَيْنَ قَوْلُ اللّهِ تعالى : { وَإنْ مِنْكُمْ إلاَّ وَارِدُهَا } فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : فَمَهْ )