قوله تعالى : { واذكروا الله } . يعني التكبيرات أدبار الصلاة وعند الجمرات يكبر مع كل حصاة وغيرها من الأوقات .
قوله تعالى : { في أيام معدودات } . الأيام المعدودات : هي أيام التشريق ، وهي أيام منى ورمي الجمار ، سميت معدودات لقلتهن كقوله : ( دراهم معدودة ) والأيام المعلومات : عشر ذي الحجة آخرهن يوم النحر . هذا قول أكثر أهل العلم . وروي عن ابن عباس المعلومات : يوم النحر ويومان بعده والمعدودات أيام التشريق . وعن علي قال : المعلومات ، يوم النحر ، وثلاثة أيام بعده ، وقال عطاء عن ابن عباس : المعلومات يوم عرفة ، ويوم النحر وأيام التشريق . وقال محمد بن كعب : هما شيء واحد وهي أيام التشريق ، وروى عن نبيشة الهذلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله " . ومن الذكر في أيام التشريق : التكبير ، واختلفوا فيه فروي عن عمر وعبد الله بن عمر أنهما كانا يكبران بمنى تلك الأيام خلف الصلاة وفي المجلس ، وعلى الفراش والفسطاط ، وفي الطريق . ويكبر الناس بتكبيرهما ويتأولان هذه الآية . والتكبير أدبار الصلاة مشروع في هذه الأيام في حق الحاج وغير الحاج عند عامة العلماء واختلفوا في قدره فذهب قوم إلى أنه يبتدئ التكبير عقيب صلاة الصبح من يوم عرفة ، ويختتم بعد العصر من آخر أيام التشريق ، يروى ذلك عن عمر وعن علي رضي الله عنهما ، وبه قال مكحول ، وإليه ذهب أبو يوسف رضي الله عنه ، وذهب قوم إلى أنه يبتدئ التكبير عقيب صلاة الصبح من يوم عرفة ، ويختتم بعد العصر من يوم النحر . يروى ذلك عن ابن مسعود وبه قال أبو حنيفة رضي الله عنه ، وقال قوم : يبتدئ عقيب صلاة الظهر من يوم النحر ، ويختتم بعد الصبح من آخر أيام التشريق ، يروى ذلك عن ابن عباس وبه قال مالك والشافعي ، في أحد قوليه . قال الشافعي : لأن الناس فيه تبع للحاج ، وذكر الحاج قبل هذا الوقت التلبية ويأخذون في التكبير يوم النحر من صلاة الظهر ، ولفظ التكبير : كان سعيد بن جبير والحسن يقولان : الله أكبر الله أكبر الله أكبر ثلاثاً نسقاً . وهو قول أهل المدينة ، وإليه ذهب الشافعي ، وقال : وما زاد من ذكر الله فهو حسن ، وعند أهل العراق يكبر اثنتين . يروى ذلك عن ابن مسعود .
قوله تعالى : { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } . أراد أن من نفر من الحاج في اليوم الثاني من أيام التشريق فلا إثم عليه ، وذلك أن على الحاج أن يبيت بمنى الليلة الأولى والثانية من أيام التشريق ويرمي كل يوم بعد الزوال إحدى وعشرين حصاة ، عند كل جمرة سبع حصيات ، ورخص في ترك البيتوتة لرعاة الإبل ، وأهل سقاية الحاج ، ثم كل من رمى اليوم الثاني من أيام التشريق . وأراد أن ينفر فيدع البيتوتة الليلة الثالثة ورمى يومها فذلك له واسع لقوله تعالى ( فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ) ومن لم ينفر حتى غربت الشمس فعليه أن يبيت حتى يرمي اليوم الثالث ثم ينفر .
قوله تعالى : { ومن تأخر فلا إثم عليه } . يعني لا إثم على من تعجل فنفر في اليوم الثاني في تعجيله ، ومن تأخر حتى ينفر في اليوم الثالث فلا إثم عليه في تأخره . وقيل معناه : فمن تعجل فقد ترخص فلا إثم عليه بالترخص ، ومن تأخر فلا إثم عليه بترك الترخص . وقيل معناه رجع مغفوراً له ، لا ذنب عليه ، تعجل أو تأخر ، كما روينا " من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع أي خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " وهذا قول علي وابن مسعود .
قوله تعالى : { لمن اتقى } . أي لمن اتقى أن يصيب في حجه شيئاً نهاه الله عنه كما قال : " من حج فلم يرفث ولم يفسق " .
قال ابن مسعود : إنما جعلت مغفرة الذنوب لمن اتقى الله تعالى في حجه ، وفي رواية الكلبي عن ابن عباس معناه : لمن اتقى الصيد لا يحل له أن يقتل صيداً حتى تخلو أيام التشريق ، وقال أبو العالية ذهب إثمه إن اتقى فيما بقي من عمره .
قوله تعالى : { واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون } . تجمعون في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم .
{ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }
يأمر تعالى بذكره في الأيام المعدودات ، وهي أيام التشريق الثلاثة بعد العيد ، لمزيتها وشرفها ، وكون بقية أحكام المناسك تفعل بها ، ولكون الناس أضيافا لله فيها ، ولهذا حرم صيامها ، فللذكر فيها مزية ليست لغيرها ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أيام التشريق ، أيام أكل وشرب ، وذكر الله "
ويدخل في ذكر الله فيها ، ذكره عند رمي الجمار ، وعند الذبح ، والذكر المقيد عقب الفرائض ، بل قال بعض العلماء : إنه يستحب فيها التكبير المطلق ، كالعشر ، وليس ببعيد .
{ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ } أي : خرج من " منى " ونفر منها قبل غروب شمس اليوم الثاني { فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ } بأن بات بها ليلة الثالث ورمى من الغد { فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ } وهذا تخفيف من الله [ تعالى ] على عباده ، في إباحة كلا الأمرين ، ولكن من المعلوم أنه إذا أبيح كلا الأمرين ، فالمتأخر أفضل ، لأنه أكثر عبادة .
ولما كان نفي الحرج قد يفهم منه نفي الحرج في ذلك المذكور وفي غيره ، والحاصل أن الحرج منفي عن المتقدم ، والمتأخر فقط قيده بقوله : { لِمَنِ اتَّقَى } أي : اتقى الله في جميع أموره ، وأحوال الحج ، فمن اتقى الله في كل شيء ، حصل له نفي الحرج في كل شيء ، ومن اتقاه في شيء دون شيء ، كان الجزاء من جنس العمل .
{ وَاتَّقُوا اللَّهَ } بامتثال أوامره واجتناب معاصيه ، { وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } فمجازيكم بأعمالكم ، فمن اتقاه ، وجد جزاء التقوى عنده ، ومن لم يتقه ، عاقبه أشد العقوبة ، فالعلم بالجزاء من أعظم الدواعي لتقوى الله ، فلهذا حث تعالى على العلم بذلك .
وقوله : { واذكروا الله في أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ } معطوف على قوله - تعالى - { فاذكروا الله كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً } وما بينهما اعتراض .
والمراد بالأيام المعدودات أيام التشريق الثلاثة التي بعد يوم النحر . والتشريق : تقديد اللحم .
قال القرطبي : ولا خلاف بين العلماء أن الأيام المعدودات في هذه الآية هي أيام منى ، وهي أيام التشريق ، وأن هذه الثلاثة الأسماء واقعة عليها ، وهي أيام رمى الجمار " .
فالآية الكريمة تأمر الحجاج وغيرهم من المسلمين أن يكثروا من ذكر الله في هذه الأيام المباركة ، لأن أهل الجاهلية كانوا يشغلونها بالتفاخر ومغازلة النساء " ويزعمون أن الحج قد انتهى يوم النحر وهو اليوم العاشر من ذي الحجة .
ولقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأيام ينبغي أن تعمر بذكر الله وبشكره على نعمه .
روى الإِمام مسلم عن نبيشه الهذلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله " .
وروى البخاري عن ابن عمر : أنه كان يكبر بمنى تلك الأيام ، وخلف الصلوات ، وعلى فراشه وفي فسطاطه . وفي مجلسه ، وفي ممشاه ، في تلك الأيام جميعاً .
ومن الذكر في تلك الأيام التبيكر مع كل حصاة م نحصى الجمار كل يوم من أيام التشريق .
فقد أخرج البخاري عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر مع كل حصاة .
ويرى جمهور الفقهاء أن هذه الأيام يحرم فيها الصيام ، لأنها أيام كل وشرب وذكر لله .
والمعنى : اذكروا الله ، أي : كبروه في أدبار الصلوات وعند ذبح القرابين ، وعند رمي الجمار وغيرها في تلك الأيام المعدودات التي هي موسم من مواسم العبادة والطاعات ، فإن الإِكثار من ذكر الله يرفع الدرجات ، ويمسح السيئات .
ثم قال- تعالى- : { فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتقى } . تعجل واستعجل يجيئان مطاوعين بمعنى عجل ، يقال : تعجل الأمر واستعجل . ويأتيان متعديين فيقال : تعجل الذهاب واستعجله ويرى الزمخشري أن المطاوعة أوفق لقوله - تعالى - : { وَمَن تَأَخَّر } .
وإيضاح ذلك : أنه يجب على الحاج المبيت بمنى الليلة الأولى والثانية من ليالي أيام التشريق ، ليرمي كل يوم بعد الزوال إحدى وعشرين حصاة يرمى عند كل جمرة سبع حصيات ، ثم من رمى في اليوم الثاني وأراد أن ينفر ويترك المبيت بمنى في الليلة الثالثة ورمى يومها بعد الزوال - كما يرى الشافعية - وبعده أو قبله - كما يرى الحنفية - فلا إثم عليه في عدم مبيته بمنى في الليلة الثالثة .
أي : فمن تعجل فسافر في اليومين الأولين فلا إثم عليه في التعجيل ، ومن بقي إلى تمام اليوم الثالث فلا إثم عليه كذلك إذا اتقى كل منهما الله ووقف عند حدوده .
فالتقييد بالتقوى للتنبيه إلى أن العبرة في الأفعال إنما هي بتقوى القلوب وطهارتها وسلامتها .
قال الآلوسي : وقوله { لِمَنِ اتقى } خبر لمبتدأ محذوف ، واللام إما للتعليل أو للاختصاص .
أي : ذلك التخيير المذكور لأجل المتقي لئلا يتضرر بترك ما يقصده من التعجيل والتأخر أو ذلك المذكور من أحكام مطلقاً مختصة بالمتقى لأنه هو الحاج على الحقيقة . والمراد من التقوى على التقديرين تجنب ما يؤثم من فعل أو ترك .
ثم ختمت الآية بقوله - تعالى - : { واتقوا الله واعلموآ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } اتقوا الله في كل ما تأتون وما تذرون ، واعلموا أنكم ستجمعون بعد تفرقكم وتساقون إلى خالقكم يوم القيامة ليجازيكم على أعمالكم .
وقد ختمت الآيات التي تحدثت عن فريضة الحج بهذا الختام المكون من عنصرين ، أحدهما : تقوى الله .
والثاني : العلم اليقيني بالحشر ، للإِشعار بأنهما خلاصة التدين ، وثمرة العبادات بكل أنواعها وكل طرقها ، وإذا خلت أية عبادة من هذين العنصرين كانت صورة لا روح فيها .
وإلى هنا تكون الآيات الكريمة قد ساقت لنا بعض أحكام الحج وآدابه ومناسكه بأسلوب يهدي القلوب ، ويسعد النفوس ، ومن شأن من يعمل بهذه الآيات أن يكون ممن رضى الله عنهم ورضوا عنه .
ثم تنتهي أيام الحج وشعائره ومناسكه بالتوجيه إلى ذكر الله ، وإلى تقواه :
( واذكروا الله في أيام معدودات . فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى . واتقوا الله ، واعلموا أنكم إليه تحشرون ) . .
أيام الذكر هي في الأرجح يوم عرفة ويوم النحر والتشريق بعده . . قال ابن عباس : الأيام المعدودات أيام التشريق . . وقال عكرمة : ( واذكروا الله في أيام معدودات ) يعني التكبير في أيام التشريق بعد الصلوات المكتوبات : الله أكبر . الله أكبر . وفي الحديث المتقدم عن عبد الرحمن بن معمر الديلمي : " وأيام منى ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " . . وأيام عرفة والنحر والتشريق . كلها صالحة للذكر . اليومين الأولين منها أو اليومين الأخيرين . بشرط التقوى :
ثم يذكرهم بمشهد الحشر بمناسبة مشهد الحج ؛ وهو يستجيش في قلوبهم مشاعر التقوى أمام ذلك المشهد المخيف :
( واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون ) . .
وهكذا نجد في هذه الآيات كيف جعل الإسلام الحج فريضة إسلامية ؛ وكيف خلعها من جذورها الجاهلية ؛ وربطها بعروة الإسلام ؛ وشدها إلى محوره ؛ وظللها بالتصورات الإسلامية ؛ ونقاها من الشوائب والرواسب . . وهذه هي طريقة الإسلام في كل ما رأى أن يستبقيه من عادة أو شعيرة . . إنها لم تعد هي التي كانت في الجاهلية ؛ إنما عادت قطعة جديدة متناسقة في الثوب الجديد . . إنها لم تعد تقليدا عربيا ، إنما عادت عبادة إسلامية . فالإسلام ، والإسلام وحده ، هو الذي يبقى وهو الذي يرعى . .
قال ابن عباس : " الأيام المعدودات " أيام التشريق ، و " الأيام المعلومات " أيام العَشْر . وقال عكرمة : { وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ } يعني : التكبير أيامَ التشريق بعد الصلوات المكتوبات : الله أكبر ، الله أكبر .
وقال الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع ، حدثنا موسى بن علي ، عن أبيه ، قال : سمعت عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يوم عَرَفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدُنا أهل الإسلام ، وهي أيام أكل وشرب " {[3687]} .
وقال الإمام أحمد أيضًا : حدثنا هُشَيم ، أخبرنا خالد ، عن أبي المليح ، عن نُبَيشة الهذلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيام التشريق أيامُ أكل وشرب وذكر الله " . رواه{[3688]} مسلم أيضًا{[3689]} وتقدم حديث جبير بن مطعم : " عَرَفَة كلها موقف ، وأيام التشريق كلها ذبح " . وتقدم [ أيضًا ]{[3690]} حديث عبد الرحمن بن يَعْمَر الدِّيلي {[3691]} " وأيام منى ثلاثة ، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه " .
وقال ابن جرير : حدثنا يعقوب بن إبراهيم وخلاد بن أسلم ، قالا حدثنا هُشَيم ، عن عَمْرو بن أبي سلمة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أيام التشريق أيام طُعْم وذكر{[3692]} " {[3693]} .
وحدثنا خلاد بن أسلم ، حدثنا رَوْح ، حدثنا صالح ، حدثني ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن حُذافة يطوف في منى : " لا تصوموا هذه الأيام ، فإنها أيام أكل وشرب ، وذكر الله ، عز وجل " {[3694]} .
وحدثنا يعقوب ، حدثنا هُشَيم ، عن سفيان بن حسين ، عن الزهري ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة ، فنادى في أيام التشريق فقال : " إن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر الله ، إلا من كان عليه صَوْم من هَدْي " .
زيادة حسنة ولكن مرسلة . وبه قال هُشَيم ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عمرو بن دينار : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بشْرَ بن سحيم ، فنادى في أيام التشريق فقال : " إن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر الله " .
وقال هُشَيم ، عن ابن أبي ليلى ، عن عطاء ، عن عائشة قالت : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم أيام التشريق ، قال : " هي أيام أكل وشرب وذكر الله " .
وقال محمد بن إسحاق ، عن حكيم بن حكيم ، عن مسعود بن الحاكم الزُّرَقي ، عن أمه قالت : لكأني{[3695]} أنظر إلى عليّ على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء ، حتى وقف{[3696]} على شعب الأنصار وهو يقول : " يا أيها الناس ، إنها ليست بأيام صيام ، إنما هي أيام أكل وشرب وذكر " {[3697]} .
وقال مِقْسَم عن ابن عباس : الأيام المعدودات : أيام التشريق ، أربعة أيام : يوم النحر ، وثلاثة [ أيام ]{[3698]} بعده ، ورُوي عن ابن عمر ، وابن الزبير ، وأبي موسى ، وعطاء ، ومجاهد ، وعكرمة ، وسعيد ابن جُبَير ، وأبي مالك ، وإبراهيم النخَعي ، [ ويحيى بن أبي كثير ] {[3699]} والحسن ، وقتادة ، والسدي ، والزهري ، والربيع بن أنس ، والضحاك ، ومقاتل بن حيّان ، وعطاء الخراساني ، ومالك بن أنس ، وغيرهم - مثل ذلك .
وقال علي بن أبي طالب{[3700]} : هي ثلاثة ، يوم النحر ويومان بعده ، اذبح في أيِّهنّ شئت ، وأفضلها أولها .
والقول الأول هو المشهور وعليه دل ظاهر الآية الكريمة ، حيث قال : { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ } فدل على ثلاثة بعد النحر .
ويتعلق بقوله : { وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ } ذكْرُ الله على الأضاحي ، وقد تقدم ، وأن الراجح في ذلك مذهب الشافعي ، رحمه الله ، وهو أن وقت الأضحية من يوم النحر إلى آخر أيام التشريق . ويتعلق به أيضًا الذكر المؤقت خلف الصلوات ، والمطلق في سائر الأحوال . وفي وقته أقوال{[3701]} للعلماء ، وأشهرها الذي عليه العمل أنَّه من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق ، وهو آخر النَّفْر الآخِر . وقد جاء فيه حديث رواه الدارقطني ، ولكن لا يصح مرفوعا{[3702]} والله أعلم . وقد ثبت أن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، كان يكبر في قبته ، فيكبر أهل السوق بتكبيره ، حتى ترتج منى تكبيرًا .
ويتعلق بذلك أيضًا التكبيرُ وذكر الله عند رمي الجمرات كلّ يوم من أيام التشريق . وقد جاء في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره : " إنما جعل الطواف بالبيت ، والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار ، لإقامة ذكر الله عز وجل " {[3703]} .
ولما ذكر الله تعالى النَّفْر الأول والثاني ، وهو تفرق الناس من موسم الحج إلى سائر الأقاليم والآفاق بعد اجتماعهم في المشاعر والمواقف ، قال : { وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } [ أي : تجتمعون يوم القيامة ]{[3704]} ، كما قال : { وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } [ المؤمنون : 79 ] .