قوله تعالى : ( واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون ) يأمر الله عباده أن يذكروه في أيام معدودات والمراد بالأيام المعدودات أيام منى وهي أيام التشريق وعدتها على الأرجح أربعة أيام . وهي يوم النحر والأيام الثلاثة الأخرى بعده ، وهو ما ذهب إليه جمهور العلماء وفيهم ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبو موسى الأشعري وعطاء ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي والزهري وغيرهم كثيرون .
وقيل : إن الأيام المعدودات ثلاثة هي يوم النحر ويومان آخران بعده ، وللحاج أن يذبح في أيهن شاء . وهو مذهب علي بن أبي طالب .
وما يحتج به للقول الأول قوله تعالى : ( فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه ) وظاهر ذلك يدل على أن عدة هذه الأيام بعد يوم النحر أكثر من يومين . وفي الحديث ما يؤيد ذلك . فقد ورد عن النبي ( ص ) قوله : " وأيام منى ثلاثة ، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه " والأيام الثلاثة هي غير يوم النحر . والحاج الذي يريد أن يتعجل المقام للرمي في يومين يصير مقامه بمنى ثلاثة أيام بيوم النحر .
على أن هذه الأيام المعدودات يراد للمسلمين فيها أن يذكروا الله بالتكبير بعد الصلوات المكتوبات . وصورة التكبير في هذه الأيام الجليلة العطرة أن يهتف المؤمنون جميعا : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر ولله الحمد .
وثمة خلاف بين العلماء في مدة التكبير من أيام العبد . فقال عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس : إن مدة التكبير من صلاة الصبح يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق . وقال ابن مسعود وأبو حنيفة أنها من غداة عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر . وقال مالك : مدة التكبير من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق وهو قول الشافعي .
وهي أيام عيد المسلمين يتلاقون فيها على صعيد العقيدة المتينة الصلبة ، عقيدة الإيمان الواعي والتوحيد الخالص ، يضاف إلى ذلك ما يظلل المسلمين في هذه الأيام من أفياء المودة والطمأنينة والحبور وهم يعيشون أياما ملؤها السلام والخير . وفي ذلك يقول الرسول ( ص ) : " يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام ، وهي أيام أكل وشرب وذكر الله " . {[282]}
وعن أبي هريرة أن رسول الله ( ص ) قال : " أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله " {[283]} .
وعن أبي هريرة أن رسول الله ( ص ) بعث عبد الله بن حذافة يطوف في منى أن لا تصوموا هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل .
قوله : ( فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى ) أيام منى للذبح والرمي عدتها بالتمام ثلاثة أيام غير يوم النحر كما بينّاه في كحينه . فيوم النحر للنحر ، والثلاثة الأخرى لرمي الجمار ، ذلك لمن أراد لمقام للنسك على التمام ، لكن الذي يتعجل فيرى في يومين بعد يوم النحر فجائز ولا إثم عليه . يدل على ذلك ما أخرجه الدارقطني والترمذي عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي أن ناسا من أهل نجد أتوا رسول الله ( ص ) وهو بعرفة فسألوه فأمر مناديا فنادى " الحج عرفه ، فمن جاء ليلة جَمْع قبل طلوع الفجر فقد أدرك ، أيام منى ثلاثة ، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه " ويراد بقوله : " جمع " المزدلفة . وقيل في سبب التسمية بذلك لاجتماع آدم وزوجته حواء فيها ، أما منى فقد سميت بذلك لكثرة ما يمنى أي يراق فيها من دماء الذبائح{[284]} .
وقوله : ( لمن اتقى ) متعلق بالغفران . والتقدير أن مغفرة الله تكون لمن يتقي ربه من العباد فيقبل عليه بدوام التوبة والطاعة وينتهي عن مناهيه ومعاصيه .
وقوله : ( واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون ) أمر الله عباده بتقواه وذلك أن يخشوه حق الخشية ، وأن يذكروه في السر والعلن ، وأن يبعدوه كأنما يرونه ، فهم بذلك يقبلون على طاعته إقبالا ، ويدبرون عن معصيته إدبارا . وليعلموا دائما أنهم في آخر الأمر راجعون إليه ، وأنهم محشورون ثم موقوفون بين يديه جميعا ولا يعزب منهم عن سلطانه وحسابه أحد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.