الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{۞وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوۡمَيۡنِ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۖ لِمَنِ ٱتَّقَىٰۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (203)

قوله( {[6578]} ) : ( وَاذْكُرُوا اللَّهَ/فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ) [ 201 ] .

هذه الأيام هي ثلاثة أيام بعد يوم النحر ، وهي أيام التشريق( {[6579]} ) ، وهي أيام منى عند مالك( {[6580]} ) .

وقال زيد بن أسلم : " المعلومات : يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق ، والمعدودات : أيام التشريق " .

وعن مجاهد وابن عباس : " المعلومات : العشر . والمعدودات : أيام التشريق " ( {[6581]} ) .

وإنما سميت أيام التشريق لأن الناس يشرحون فيها اللحم ويقددونه ، فالتشريق( {[6582]} ) التشريح . فكأنها سميت أيام التشريح ، فأمروا بالذكر فيها عند رمي الجمار وغيرها( {[6583]} ) .

وقال النبي [ عليه السلام( {[6584]} ) ] في أيام منى -و( {[6585]} )هي أيام التشريق- : " هِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ " ( {[6586]} ) .

والأيام( {[6587]} ) المعلومات هي : يوم النحر ، ويومان بعده . فيوم النحر معلوم ، ويومان بعده معلومان معدودات ، واليوم( {[6588]} ) الثالث بعد يوم النحر( {[6589]} ) معدود( {[6590]} ) .

قوله : ( فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ ) [ 201 ] .

أرخص( {[6591]} ) الله تعالى أن ينفر الناس اليوم الثاني من الأيام المعدودات وأعلمهم أن من تأخر( {[6592]} ) إلى اليوم الثالث أنه لا إثم عليه ، أي لا حرج ولا ضيق في تركه الرخصة ، ومن تعجَّل فلا إثم عليه في تركه( {[6593]} ) الاتمام إلى اليوم الثالث( {[6594]} ) .

وروي عن ابن مسعود وابن عمر : " لا إثم عليه : أي قد غفر له ، ومن تأخر قد غُفر له " ( {[6595]} ) .

وقال/ابن عباس : " لا إثم عليه : أي رجع مغفوراً له " ( {[6596]} ) ، وقال : " إن العمرة لتكفر ما معها من الذنوب ، فكيف بالحج " ( {[6597]} ) .

واستبعد جماعة تأويل من قال : " لا حرج عليه " ( {[6598]} ) ، لأن من جلس إلى الثالث فقد أتى بالغاية ، فليس يقال لمن أدى فرضه : " لا حرج عليك فيما صنعت " ( {[6599]} ) .

وقيل : معناه : لا حرج عليك في تركك( {[6600]} ) الرخصة( {[6601]} ) .

ومن قال : " غفر له " معناه( {[6602]} ) . فهو أبين وأحسن/وعليه [ أكثر ]( {[6603]} ) الناس( {[6604]} ) . وقال مجاهد : " معناه : لا إثم عليه إلى الحج القابل " ( {[6605]} ) .

( وَمَن تَأَخَّرَ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ ) [ 201 ] .

أي لا حرج عليه( {[6606]} ) إلى الحج القابل ، أي مغفور له إلى ذلك الوقت . وقال أبو العالية : " معناه( {[6607]} ) : غفر له( {[6608]} ) ما تقدم " ( {[6609]} ) ، وفي مصحف عبد الله : " لمن اتقى الله " .

قال ابن عباس : " معناه( {[6610]} ) : لا حرج عليه لمن اتّقى المعاصي فيما( {[6611]} ) يستقبل ، أي غفر له " ( {[6612]} ) .

وقيل : معنى ( لِمَنِ اتَّقَى ) أي : اتقى قتال الصيد في الحرم( {[6613]} ) .

وقال ابن مسعود أيضاً : ( إِثْمَ عَلَيْهِ ) أي : مغفور له إن اتّقى ما حرم عليه في الحج " ( {[6614]} ) .

وروى أبو حازم( {[6615]} ) عن أبي هريرة أن النبي [ عليه السلام( {[6616]} ) ] قال : " مَنْ حَجَّ فَلَمْ( {[6617]} ) يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّه " ( {[6618]} ) .

وروي أن عمر قال لما سمع الآية : " خرج القوم من ذنوبهم ، وربّ الكعبة " .

وعن أبي هريرة أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال( {[6619]} ) : " الحَجُّ المَيْسُورُ لَيْسَ لَهُ/جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّةَ . والعُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا " ( {[6620]} ) ومعنى اللام في ( لِمَنِ اتَّقَى ) : أي : هذا لمن اتقى .

وقيل : المعنى : قلنا فلا إثم عليه لمن اتّقى . واللام متعلقة بالقول . وقال الأخفش : " ذلك لمن اتّقى " ( {[6621]} ) .

وقيل : معنى : ( فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ ) أي : لا يقل المتعجل للمتأخر : أنت آثم ، ولا المتأخر للمتعجل : أنت آثم( {[6622]} ) .

تم الجزء [ الرابع ]( {[6623]} ) .


[6578]:- في ع3: قوله تعالى.
[6579]:- انظر: هذا التفسير في مجاز القرآن 1/71، وتفسير الغريب 80، وتفسير القرطبي 3/1.
[6580]:- انظر: الموطأ 1/377، و1/404.
[6581]:- انظر: تفسير الثوري 65، والدر المنثور 1/562، وهو قول الجمهور في تفسير القرطبي 3/3. وقوله: "وعن مجاهد...أيام التشريق" ساقط من ق.
[6582]:- في ع2: بالتشريق. وهو تحريف.
[6583]:- في ع2: غير. وهو تحريف.
[6584]:- في ع3: صلى الله عليه وسلم.
[6585]:- سقط من ع1.
[6586]:- رواه مالك ومسلم. انظر: الموطأ 1/376، وصحيح مسلم 2/800.
[6587]:- في ع3: أيام. وهو خطأ.
[6588]:- في ع3: يوم. وهو خطأ.
[6589]:- قوله: "بعد يوم النحر" ساقط من ع2.
[6590]:- في ع2، ع3: معدود غير معلوم. وبهذا التفسير قال الفراء في معانيه 1/122-123، وابن العربي في أحكامه 1/140.
[6591]:- في ع3: أي رخص.
[6592]:- سقط من ع2، ع3.
[6593]:- في ع3: ترك.
[6594]:- انظر: هذا التوجيه في جامع البيان 4/215، والمحرر الوجيز 2/134.
[6595]:- انظر: تفسير ابن مسعود 2/107، وجامع البيان 4/219، والدر المنثور 1/567.
[6596]:- انظر: جامع البيان 4/219.
[6597]:- انظر: جامع البيان 4/219.
[6598]:- وهو قول مجاهد. انظر: تفسيره 1/104.
[6599]:- وقد رد الطبري هذا التأويل بنفس التعليل المتقدم. انظر: جامع البيان 4/225.
[6600]:- في ق: ترك.
[6601]:- انظر: جامع البيان 4/225.
[6602]:- في ع2: معنى.
[6603]:- سقط من ع1، ق.
[6604]:- انظر: جامع البيان 4/222.
[6605]:- انظر: جامع البيان 4/220، والمحرر الوجيز 2/135.
[6606]:- سقط من ع1، ق.
[6607]:- في ع2: معنى.
[6608]:- في ع3: غفرنا.
[6609]:- انظر: جامع البيان 4/220، والمحرر الوجيز 2/135.
[6610]:- سقط من ع3.
[6611]:- في ع3: فيه. وهو تحريف.
[6612]:- انظر: الدر المنثور 1/566.
[6613]:- انظر: معاني الفراء 1/123، وهو قول ابن عباس في جامع البيان 4/221، والدر المنثور 1/566.
[6614]:- انظر: تفسير القرطبي 2/106-107.
[6615]:- هو سلمان الأشجعي أبو حازم الكوفي. ثقة. (ت100هـ). انظر: تقريب التهذيب 1/315.
[6616]:- في ع3: صلى الله عليه وسلم.
[6617]:- في ع3: لم.
[6618]:- انظر: صحيح مسلم 2/983، وسنن ابن ماجه 2/964-965، وسنن الترمذي 3/272.
[6619]:- سقط من ع3.
[6620]:- انظر: الموطأ 1/346، وسنن النسائي 5/115، ومصادر الحديث السابقة.
[6621]:- انظر: معانيه 1/165.
[6622]:- انظر: جامع البيان 4/228.
[6623]:- تكملة موضحة ساقطة من جميع النسخ.