غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوۡمَيۡنِ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۖ لِمَنِ ٱتَّقَىٰۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (203)

197

وقوله تعالى { واذكروا الله } أي بالتكبير في أدبار الصلوات وعند الجمار يكبر مع كل حصاة . وفيه دليل على وجوب الرمي لأن الأمر بالتكبير أمر بالذي يتوقف التكبير على حضوره ، وإنما اختير هذا النسق لأنهم ما كانوا منكرين للرمي وإنما كانوا يتركون ذكر الله تعالى عنده { في أيام معدودات } هي أيام التشريق ثلاثة أيام بعد النحر : أولها يوم القر لأن الناس تستقر فيه بمنى . والثاني يوم النفر الأول لأن بعض الناس ينفرون في هذا اليوم من منى . والثالث يوم النفر الثاني . عن عبد الرحمان بن معمر الديلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر منادياً ينادي الحج عرفة . من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج وأيام منى ثلاثة من تعجل في يومين فلا إثم عليه واعلم أن التكبير المشروع في غير الصلاة وخطبة العيدين نوعان : مرسل ومقيد . فالمرسل هو الذي لا يتقيد ببعض الأحوال بل يؤتى به في المنازل والمساجد والطرق ليلاً ونهاراً كما مر في تفسير قوله تعالى { ولتكبروا الله على ما هداكم } [ البقرة : 185 ] وذكرنا صورة التكبير هناك أيضاً . ولا فرق في التكبير المرسل بين عيد الفطر والأضحى . وأما التكبير المقيد فأظهر الوجهين أنه لا يستحب في عيد الفطر لم ينقلوا ذلك عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ، وإنما يستحب في الأضحى . وتقييده هو أن يؤتى به في أدبار الصلوات خاصة . واختلفوا في ابتدائه وانتهائه فقيل : من طهر يوم النحر إلى ما بعد طلوع الصبح من آخر أيام التشريق ، فيكون التكبيرات على هذا في خمس عشرة صلاة وهو قول ابن عباس وابن عمر وبه قال مالك والشافعي في أشهر أقواله ، وحجتهم أن الناس فيه تبع للحجاج وهم يبتدؤون التكبير عقيب الظهر يوم النحر إلى مضي خمس عشرة صلاة . فيكون آخرها صلاة الصبح من آخر أيام منى وذكرهم قبل ذلك التلبية . والقول الثاني للشافعي أنه يبتدأ به من صلاة المغرب ليلة النحر إلى الصبح من آخر أيام التشريق ، فيكون التكبير في أعقاب ثماني عشرة صلاة . والقول الثالث أنه يبتدأ من صلاة الفجر يوم عرفة ويقطع بعد صلاة العصر من يوم النحر ، فتكون التكبيرات بعد ثماني صلوات ، وهو قول علقمة والأسود والنخعي وأبي حنيفة . واعترض عليه بأن هذه التكبيرات تنسب إلى أيام التشريق ، فوجب أن يؤتى بها فيها . وإن انضم معها زمن آخر فلا أقل من أن تكون هي أغلب . والقول الرابع يبتدأ به من صلاة الفجر يوم عرفة ويقطع بعد صلاة العصر من آخر أيام التشريق ، فيكبر عقيب ثلاث وعشرين صلاة ، وهو قول أكابر الصحابة كعمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم وقول الثوري وأبي يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق والمزني من الفقهاء لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم الصبح يوم عرفة ثم أقبل علينا وقال : " الله أكبر " . ومد التكبير إلى العصر من آخر أيام التشريق ، ولأن هذا هو الأحوط فتكثير التكبير خير من تقليله . وعلى هذا القول إنما تكون التكبيرات مضافة إلى أيام التشريق لأنها أكثر تلك المدة . قال الجوهري : تشريق اللحم تقديده ، ومنه أيام التشريق لأن لحوم الأضاحي تشرق فيها في الشمس . وقيل : هو من قولهم " أشرق ثبير كيما نغير " . وقيل : سميت بذلك لأن الهدي لا ينحر حتى تشرق الشمس . وأما رمي أيام التشريق فإنه يجب أن يرمي كل يوم بين الزوال والغروب بكل جمرة من الجمرات الثلاث بالترتيب مبتدئاً من الجمرة الأولى من جانب المزدلفة ومختتماً برمي جمرة العقبة وهي التي تلي مكة رميات سبعاً في سبع دفعات لأن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك رماها . وقال : خذوا عني مناسككم . فجملة ما يرمي في الحج سبعون حصاة ، يرمي إلى جمرة العقبة يوم النحر سبع حصيات ، وإحدى وعشرون في كل يوم من أيام التشريق إلى الجمرات الثلاث إلى كل واحدة سبع تواتر النقل به قولاً وفعلاً ، ويكبر مع كل حصاة . وعلى الحجيج أن يبيتوا بمنى الليلتين الأوليين من ليالي التشريق ، فإذا رموا اليوم الثاني فمن أراد منهم أن ينفر قبل غروب الشمس فله ذلك ويسقط عنه مبيت الليلة الثالثة والرمي من الغد وذلك قوله تعالى { فمن تعجل } أي عجل أو استعجل { في يومين فلا إثم عليه } ومن لم ينفر حتى غربت الشمس فعليه أن يبيت الليلة الثالثة ويرمي يومها ، وبه قال أحمد ومالك والشافعي . وعند أبي حنيفة يسوغ النفر ما لم يطلع الفجر ، فإذا طلع لزم التأخر إلى تمام الأيام الثلاثة وذلك قوله تعالى { ومن تأخر فلا إثم عليه لمن التقى } قال في الكشاف : تعجل واستعجل يجيئان متعديين مثل تعجل الذهاب واستعجله ، ويجيئان مطاوعين بمعنى عجل وهذا أوفق لقوله { ومن تأخر } والرمي في اليوم الثالث يجوز تقديمه على الزوال عند أبي حنيفة . وعند الشافعي لا يجوز كسائر الأيام . وقد سئل ههنا أن المتأخر قد استوفى ما عليه من العمل فكيف ورد في حقه { فلا إثم عليه } وهذا إنما يقال في حق المقصر الذي يظن أنه قد رهقه آثام فيما أقدم عليه . فأجيب بأن الرخصة قد تكون عزيمة كالقصر عند أبي حنيفة والشيعة لا يجوز في السفر غيره ، فلمكان هذا الاحتمال رفع الحرج في الستعجال والتأخر دلالة على أن الحاج مخير بين الأمرين ، أو بأن أهل الجاهلية كانوا فريقين : منهم من يجعل المتعجل آثماً ، ومنهم من يجعل المتأخر آثماً مخالفاً لسنة الحج ، فبيّن الله تعالى أن لا إثم على واحد منهما . وقيل : إن المعنى في إزالة الإثم عن المتأخر إنما هو لمن زاد على مقام الثلاثة . فكأنه قيل : إن أيام منى التي ينبغي المقام بها فيها ثلاثة ، فمن نقص فلا إثم عليه ، ومن زاد على الثلاثة ولم ينفر مع عامة الناس فلا شيء عليه . وقيل : إن الآية سيقت لبيان أن الحج مكفر للذنوب والآثام لا لبيان أن التعجل وتركه سيان كما أن الإنسان إذا تناول الترياق فالطبيب يقول له : الآن إذا تناولت السم فلا بأس ، وإن لم تتناول فلا بأس ، يريد أن الترياق دواء كامل في دفع المضار لا أن تناول السم وعدم تناوله يجريان مجرى واحداً . وقيل : إن جوار البيت مكروه عند كثير من العلماء لأن ذلك قد يفضي إلى نقص حشمة البيت ووقعه في قلبه وعينه فأمكن أن يختلج في قلب أحد أن التعجيل أفضل بناء على هذا المعنى ، ولما في التعجل من المسارعة إلى طواف الزيارة ، فبيّن تعالى أنه لا حرج في واحد منهما . وقال الواحدي : هذا من باب رعاية المقابلة والمشاكلة مثل { وجزاء سيئة سيئة مثلها } [ الشورى : 40 ] بل ههنا أولى لأن المندوب يصدق عليه أنه لا إثم على صاحبه فيه ، وجزاء السيئة ليس بسيئة أصلاً . وأما قوله تعالى { لمن اتقى } أي ذلك التخيير ونفي الإثم عن المتعجل والمتأخر لأجل الحاج المتقي كيلا يتخالج في قلبه إثم منهما فإن ذا التقوى متحرز من كل ما يريبه . وقيل : معناه أن هذه المغفرة إنما تحصل لمن كان متقياً قبل حجة كقوله { إنما يتقبل الله من المتقين } [ المائدة : 27 ] أو لمن كان متقياً عن جميع المحظورات حال اشتغاله بالحج . وقوله { واتقوا الله } أي فيما يستقبل فيه حث على ملازمة التقوى فيما بقي من عمره وتنبيه على مجانبة الاغترار بالحج السابق كما أن قوله { واعلموا أنكم إليه تحشرون } توكيد للأمر بالتقوى وبعث على التشدد فيه لأن الحشر - وهو اسم يقع على ابتداء - خروج الناس من الأجداث إلى انتهاء الموقف يوجب تصوره ، لزوم سيرة الاتقاء عن ترك الواجبات وفعل المحظورات . والمراد من قوله { إليه } أنه حيث لا مالك سواه ولا ملجأ إلا إليه ، ولا مستعان إلا هو { يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله }

[ الانفطار : 19 ] .

/خ203