إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{۞وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوۡمَيۡنِ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۖ لِمَنِ ٱتَّقَىٰۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (203)

{ واذكروا الله } أي كبِّروه في أعقاب الصلواتِ وعند ذبحِ القرابينِ ورمي الجمارِ وغيرِها { فِي أَيَّامٍ معدودات } هي أيامُ التشريق { فَمَن تَعَجَّلَ } أي استعجَلَ في النفر أو النفْرَ فإن التفعّل والاستفعال يجيئان لازمين ومتعدّيين يقال : تعجل في الأمر واستعجل فيه وتعجله واستعجله والأول أوفقُ للتأخر كما في قوله : [ البسيط ]

قد يُدرك المتأني بعضَ حاجتِه *** وقد يكون من المستعجل الزللُ{[92]}

{ فِي يَوْمَيْنِ } أي في تمامِ يومين بعد يوم النحر وهو القرُّ ويومُ الرؤس واليومُ بعده ينفِر إذا فرَغ من رمي الجمار { فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ } بتعجله { وَمَن تَأَخَّرَ } في النفر حتى رمى في اليوم الثالثِ قبل الزوالِ أو بعده ، وعند الشافعيّ بعده فقط { فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ } بما صنعَ من التأخُّرِ ، والمرادُ التخييرُ بين التعجل والتأخر ، ولا يقدح فيه أفضليةُ الثاني وإنما ورد بنفي الإثم تصريحاً بالرد على أهل الجاهلية حيث كانوا مختلفين فمن مُؤثِّمٍ للمتعجل ومؤثمٍ للمتأخر { لِمَنِ اتقى } خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ أي الذي ذُكر من التخيير ونفي الإثم عن المتعجّل والمتأخر ، أو من الأحكام لمن اتقى لأنه الحاج على الحقيقة والمنتفع به أو لأجله حتى لا يتضرِّرَ بترك ما يُهمُّه منهما { واتقوا الله } في مَجامِع أمورِكم بفعل الواجبات وترك المحظورات ليعبأَ بكم وتنتظِموا في سلك المغتنمين بالأحكام المذكورة والرُخَص أو احذروا الإخلالَ بما ذُكر من الأحكام ، وهو الأنسبُ بقوله عز وجل : { واعلموا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } أي للجزاء على أعمالكم بعد الإحياءِ والبعث ، وأصلُ الحشر الجمعُ والضمُّ المتفرّق ، وهو تأكيدٌ للأمر بالتقوى وموجب للامتثال به ، فإن من علِم بالحشر والمحاسبة والجزاءِ كان ذلك من أقوى الدواعي إلى ملازمة التقوى .


[92]:وهو للقاطمي في ديوانه ص 25 وجمهرة أشعار العرب 2/805 وللأعشى في تخليص الشواهد ص 102 وخزانة الأدب 5/377 وبلا نسبة في لسان العرب 7/120 (بعض).