السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡدُودَٰتٖۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوۡمَيۡنِ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۖ لِمَنِ ٱتَّقَىٰۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (203)

{ واذكروا الله }أي : كبروه أدبار الصلوات وعند ذبح القرابين ورمي الجمار وغيرها ، { في أيام معدودات } أي : أيام التشريق الثلاثة وسميت معدودات لقلتهن كقوله تعالى : { دراهم معدودة } ( يوسف ، 20 ) ، والأيام المعلومات عشر ذي الحجة آخرهن يوم النحر ، والتكبير في الأيام المعدودات عقب كل صلاة ولو فائتة ونافلة مشروع في حق الحاج وغيره ، لكن غير الحاج يكبر من صبح يوم عرفة إلى عقب عصر آخر أيام التشريق للاتباع ، رواه الحاكم وصحح إسناده . وأما الحاج فيكبر من ظهر يوم النحر لأنها أوّل صلاته بمنى ، ولا يسن التكبير عقب صلاة عيد الفطر لعدم وروده .

{ فمن تعجل } أي : استعجل بالنفر من منى { في يومين } أي : في ثاني أيام التشريق بعد رمي جماره بعد الزوال عند الشافعيّ وأصحابه قال في «الكشاف » وعند أبي حنيفة وأصحابه ينفر قبل طلوع الفجر { فلا إثم عليه } بالتعجيل { ومن تأخر } حتى بات ليلة الثالث ورمى جماره بعد زواله عندنا ، أو قال في «الكشاف » : يجوز تقديم الرمي على الزوال عند أبي حنيفة { فلا إثم عليه } بذلك أي : هم مخيرون في ذلك .

فإن قيل : أليس التأخير أفضل ؟ أجيب : بأنّ التخيير يقع بين الفاضل والأفضل كما خير المسافر بين الصوم والإفطار ، وإن كان الصوم أفضل عند عدم المشقة ، وقيل : إن أهل الجاهلية كانوا فريقين : منهم من جعل المتعجل آثماً ومنهم من جعل المتأخر آثماً ، فورد القرآن بنفي الإثم عنهما جميعاً ، وذلك التخيير ونفي الإثم عن المتعجل والمتأخر { لمن اتقى } الله تعالى في حجه ، لأنه الحاجّ على الحقيقة عند الله تعالى ، وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : ( من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ) .

{ واتقوا الله } في مجامع أموركم ليعبأ بكم { واعلموا أنكم إليه تحشرون } في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم .