قوله تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيباً إليه } راجعاً إليه مستغيثاً به . { ثم إذا خوله نعمةً منه } أعطاه نعمة منه . { نسي } ترك . { ما كان يدعو إليه من قبل } أي نسي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه . { وجعل لله أندادا } يعني : الأوثان . { ليضل عن سبيله } ليزل عن دين الله . { قل } لهذا الكافر { تمتع بكفرك قليلاً } في الدنيا إلى أجلك . { إنك من أصحاب النار } قيل : نزلت في عتبة بن ربيعة ، وقال مقاتل : نزلت في أبي حذيفة بن المغيرة المخزومي ، وقيل : عام في كل كافر .
{ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ } : يخبر تعالى عن كرمه بعبده وإحسانه وبره ، وقلة شكر عبده ، وأنه حين يمسه الضر ، من مرض أو فقر ، أو وقوع في كربة بَحْرٍ أو غيره ، أنه يعلم أنه لا ينجيه في هذه الحال إلا اللّه ، فيدعوه متضرعا منيبا ، ويستغيث به في كشف ما نزل به ويلح في ذلك .
{ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ } اللّه { نِعْمَةً مِنْهُ } بأن كشف ما به من الضر والكربة ، { نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ } أي : نسي ذلك الضر الذي دعا اللّه لأجله ، ومر كأنه ما أصابه ضر ، واستمر على شركه .
{ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ } أي : ليضل بنفسه ، ويضل غيره ، لأن الإضلال فرع عن الضلال ، فأتى بالملزوم ليدل على اللازم .
{ قُلْ } لهذا العاتي ، الذي بدل نعمة اللّه كفرا : { تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ } فلا يغنيك ما تتمتع به إذا كان المآل النار .
{ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ }
( وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيباً إليه . ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل ، وجعل لله أنداداً ، ليضل عن سبيله . قل : تمتع بكفرك قليلاً ، إنك من أصحاب النار ) . .
إن فطرة الإنسان تبرز عارية حين يمسه الضر ؛ ويسقط عنها الركام ؛ وتزول عنها الحجب ، وتتكشف عنها الأوهام ؛ فتتجه إلى ربها ، وتنيب إليه وحده ؛ وهي تدرك أنه لا يكشف الضر غيره . وتعلم كذب ما تدعي من شركاء أو شفعاء .
فأما حين يذهب الضر ويأتي الرخاء ، ويخوله الله نعمة منه ، ويرفع عنه البلاء . فإن هذا الإنسان الذي تعرت فطرته عند مس الضر يعود فيضع عليها الركام ، وينسى تضرعه وإنابته وتوحيده لربه . وتطلعه إليه في المحنة وحده ، حين لم يكن غيره يملك أن يدفع عنه محنته . . ينسى هذا كله ويذهب يجعل لله أنداداً . إما آلهة يعبدها كما كان في جاهليته الأولى ؛ وإما قيماً وأشخاصاً وأوضاعاً يجعل لها في نفسه شركة مع الله ، كما يفعل في جاهلياته الكثيرة ! فإذا هو يعبد شهواته وميوله ومطامعه ومخاوفه وماله وأولاده وحكامه وكبراءه كما يعبد الله أو أخلص عبادة ؛ ويحبها كما يحب الله أو أشد حباً ! والشرك ألوان . فيها الخفي الذي لا يحسبه الناس شركاً ، لأنه لا يأخذ شكل الشرك المعروف وإنما هو من الشرك في الصميم .
وتكون العاقبة هي الضلال عن سبيل الله . فسبيل الله واحد لا يتعدد . وإفراده بالعبادة والتوجه والحب هو وحده الطريق إليه . والعقيدة في الله لا تحتمل شركة في القلب . لا تحتمل شركة من مال ولا ولد ولا وطن ولاأرض ولا صديق ولا قريب ، فأيما شركة قامت في القلب من هذا وأمثاله فهي اتخاذ أنداد لله ، وضلال عن سبيل الله ، منته إلى النار بعد قليل من المتاع في هذه الأرض :
( قل : تمتع بكفرك قليلاً : إنك من أصحاب النار ) . .
وكل متاع في هذه الأرض قليل مهما طال . وأيام الفرد على هذه الأرض معدودة مهما عمر . بل إن حياة الجنس البشري كله على الأرض لمتاع قليل ، حين يقاس إلى أيام الله !
وقوله : { وَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ } أي : عند الحاجة يضرع ويستغيث بالله وحده لا شريك له ، كما قال تعالى : { وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإنْسَانُ كَفُورًا } [ الإسراء : 67 ] . ولهذا قال : { ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ } أي : في حال الرفاهية ينسى ذلك الدعاء والتضرع ، كما قال تعالى : { وَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ } [ يونس : 12 ] .
{ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ } أي : في حال العافية يشرك بالله ، ويجعل له{[25126]} أندادا . { قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ } أي : قل لمن هذه حاله وطريقته ومسلكه : تمتع بكفرك قليلا . وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد ، كقوله : { قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ } [ إبراهيم : 30 ] ، وقوله : { نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ } [ لقمان : 24 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.