فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞وَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ضُرّٞ دَعَا رَبَّهُۥ مُنِيبًا إِلَيۡهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُۥ نِعۡمَةٗ مِّنۡهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدۡعُوٓاْ إِلَيۡهِ مِن قَبۡلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادٗا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِۦۚ قُلۡ تَمَتَّعۡ بِكُفۡرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلنَّارِ} (8)

{ وَإِذَا مَسَّ الإنسان ضُرٌّ } أيّ ضر كان من مرض ، أو فقر ، أو خوف { دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ } أي راجعاً إليه مستغيثاً به في دفع ما نزل به تاركاً لما كان يدعوه ، ويستغيث به من ميت أو حيّ ، أو صنم أو غير ذلك { ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مّنْهُ } أي أعطاه وملكه ، يقال : خوّله الشيء ، أي : ملكه إياه ، وكان أبو عمرو بن العلاء ينشد :

هنالك إن يستخولوا المال يخولوا *** وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا

ومنه قول أبي النجم :

أعطى ولم يبخل ولم يبخل *** كوم الذرى من خول المخوّل

{ نَسِي مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ } أي : نسي الضرّ الذي كان يدعو الله إلى كشفه عنه من قبل أن يخوله ما خوله . وقيل : نسي الدعاء الذي كان يتضرع به وتركه ، أو نسي ربه الذي كان يدعوه ، ويتضرّع إليه ، ثم جاوز ذلك إلى الشرك بالله ، وهو معنى قوله : { وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً } أي : شركاء من الأصنام ، أو غيرها يستغيث بها ويعبدها { لّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ } أي ليضل الناس عن طريق الله التي هي الإسلام والتوحيد . وقال السدّي : يعني أنداداً من الرجال يعتمد عليهم في جميع أموره . ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم : أن يهدّد من كان متصفاً بتلك الصفة ، فقال : { قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً } أي : تمتعاً قليلاً ، أو زماناً قليلاً ، فمتاع الدنيا قليل ، ثم علل ذلك بقوله : { إِنَّكَ مِنْ أصحاب النار } أي : مصيرك إليها عن قريب ، وفيه من التهديد أمر عظيم . قال الزجاج : لفظه لفظ الأمر ، ومعناه : التهديد والوعيد . قرأ الجمهور : { ليضل } بضم الياء ، وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو بفتحها .

/خ12