تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞وَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ضُرّٞ دَعَا رَبَّهُۥ مُنِيبًا إِلَيۡهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُۥ نِعۡمَةٗ مِّنۡهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدۡعُوٓاْ إِلَيۡهِ مِن قَبۡلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادٗا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِۦۚ قُلۡ تَمَتَّعۡ بِكُفۡرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلنَّارِ} (8)

قوله تعالى : { وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ } أخبر الله الخلق ما كان من عادة الكفرة في غير آية من القرآن أنهم كانوا يخلصون الدين لله ، ويتضرعون إليه ، إذا مسهم بلاء أو شدة ، إذا ركبوا البحر ، كان لهم خوف الهلاك في ذلك وفزع كقوله تعالى { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } الآية : [ العنكبوت : 65 ] وغير ذلك من الآيات وكذلك [ في ]كل البلاء فزعوا إلى الله عز وجل وتضرعوا إليه { ثم إذا كشف الضر } [ النحل : 54 ] عادوا إلى ما كانوا من قبل .

وقوله تعالى : { نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ } يحتمل قوله : { نسي } ألا تملك الأصنام التي عبدوها دفع ذلك عنهم ولا كشفه ، أو { نسي } ألا تنفع شفاعتهم إياهم ونحوه كقوله عز وجل : { وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ } [ الإسراء : 67 ] أي نسوا ما عملوا من عجز الأصنام ونحوه .

وقوله تعالى : { وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ } كأن الآية في الرؤساء منهم ، جعلوا لله أندادا ليضلوا الناس عن سبيله . يدل على ذلك قوله تعالى : { قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا } في الدنيا { إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ } لما علم أنه يختم على الكفر ، والله أعلم .

ثم الحكمة في ذكر هذا وأمثاله لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحتمل وجوها : أحدها : يصبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على سوء معاملتهم إياه ليحلم كما حلم عن سوء معاملتهم ، ولم يستأصلهم على إثر ذلك . وذلك أعظم في العقل . والثانيٍ : يخبر الأواخر عن سوء معاملتهم ربهم ليحذروا عن مثل معاملتهم ربهم . والثالث : يخبر عن حلمه أن كيف حلم عنهم فاحلم أنت ، والله أعلم .

وقرئ ليضل .