البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞وَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ضُرّٞ دَعَا رَبَّهُۥ مُنِيبًا إِلَيۡهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُۥ نِعۡمَةٗ مِّنۡهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدۡعُوٓاْ إِلَيۡهِ مِن قَبۡلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادٗا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِۦۚ قُلۡ تَمَتَّعۡ بِكُفۡرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلنَّارِ} (8)

خوله النعمة : أي أعطاه ابتداء من غير مجازاة ، ولا يقال في الجراء خول . قال زهير :

هنالك إن يستخولوا المال يخولوا *** ويروى يستخيلوا المال يخيلوا

وقال أبو النجم :

أعطى فلم يبخل ولم يبخل *** كوم الذرى من خول المخول

الظاهر أن الإنسان هنا جنس الكافر ، وقيل : معين ، كعتبة بن ربيعة .

ويدخل في الضر جميع المكاره في جسم أو أهل أو مال .

{ دعا ربه } : استجار ربه وناداه ، ولم يؤمل في كشف الضر سواه ، { منيباً إليه } : أي راجعاً إليه وحده في إزالة ذلك .

{ ثم إذا خوله } : أناله وأعطاه بعد كشف ذلك الضر عنه .

وحقيقة خوله أن يكون من قولهم : هو خائله ، قال : إذا كان متعهداً حسن القيام عليه ، أو من خال يخول ، إذا إختال وافتخر ، وتقول العرب :

إن الغني طويل الذيل مياس . . .

{ نسي ما كان يدعو } : أي ترك ، والظاهر أن ما بمعنى الذي ، أي نسى الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه .

وقيل : ما بمعنى من ، أي نسي ربه الذي كان يتضرع إليه ويبتهل في كشف ضره .

وقيل : ما مصدرية ، أي نسي كونه يدعو .

وقيل : تم الكلام عند قوله : { نسي } ، أي نسي ما كان فيه من الضر .

وما نافية ، نفى أن يكون دعاء هذا الكافر خالصاً لله مقصوراً من قبل الضرر ، وعلى الأقوال السابقة .

{ من قبل } : أي من قبل تخويل النعمة ، وهو زمان الضرر .

{ وجعل لله أنداداً } : أي أمثالاً يضاد بعضها بعضاً ويعارض .

قال قتادة : أي من الرجال يطيعونهم في المعصية .

وقال غيره : أوثاناً ، وهذا من سخف عقولهم .

حين مسى الضر دعوا الله ولم يلتجئوا في كشفه إلا إليه ؛ وحين كشف ذلك وخول النعمة أشركوا به ، فاللام لام العلة ، وقيل : لام العاقبة .

وقرأ الجمهور : { ليضل } ، بضم الياء : أي ما اكتفى بضلال نفسه حتى جعل غيره يضل .

وقرأ ابن كثير ، وأبو عمر ، وعيسى : بفتحها ، ثم أتى بصيغة الأمر فقال : { تمتع بكفرك قليلاً } : أي تلذذوا صنع ما شئت قليلاً ، أي عمراً قليلاً ، والخطاب للكافر جاعل الأنداد لله .

{ إنك من أصحاب النار } : أي من سكانها المخلدين فيها .

وقال الزمخشري : وقوله { تمتع بكفرك } ، أي من باب الخذلان والتخلية ، كأنه قيل له : إذ قد أبيت قبل ما أمرت به من الإيمان والطاعة ، فمن حقك أن لا تؤمر به بعد ذلك .

ويؤمر بتركه مبالغة خذلانه وتخليته وشأنه ، لأنه لا مبالغة في الخذلان أشد من أن يبعث على عكس ما أمروا به ، ونظيره في المعنى : { متاع قليل ثم مأواهم جهنم } انتهى .