قوله تعالى : { واذكروا الله } . يعني التكبيرات أدبار الصلاة وعند الجمرات يكبر مع كل حصاة وغيرها من الأوقات .
قوله تعالى : { في أيام معدودات } . الأيام المعدودات : هي أيام التشريق ، وهي أيام منى ورمي الجمار ، سميت معدودات لقلتهن كقوله : ( دراهم معدودة ) والأيام المعلومات : عشر ذي الحجة آخرهن يوم النحر . هذا قول أكثر أهل العلم . وروي عن ابن عباس المعلومات : يوم النحر ويومان بعده والمعدودات أيام التشريق . وعن علي قال : المعلومات ، يوم النحر ، وثلاثة أيام بعده ، وقال عطاء عن ابن عباس : المعلومات يوم عرفة ، ويوم النحر وأيام التشريق . وقال محمد بن كعب : هما شيء واحد وهي أيام التشريق ، وروى عن نبيشة الهذلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله " . ومن الذكر في أيام التشريق : التكبير ، واختلفوا فيه فروي عن عمر وعبد الله بن عمر أنهما كانا يكبران بمنى تلك الأيام خلف الصلاة وفي المجلس ، وعلى الفراش والفسطاط ، وفي الطريق . ويكبر الناس بتكبيرهما ويتأولان هذه الآية . والتكبير أدبار الصلاة مشروع في هذه الأيام في حق الحاج وغير الحاج عند عامة العلماء واختلفوا في قدره فذهب قوم إلى أنه يبتدئ التكبير عقيب صلاة الصبح من يوم عرفة ، ويختتم بعد العصر من آخر أيام التشريق ، يروى ذلك عن عمر وعن علي رضي الله عنهما ، وبه قال مكحول ، وإليه ذهب أبو يوسف رضي الله عنه ، وذهب قوم إلى أنه يبتدئ التكبير عقيب صلاة الصبح من يوم عرفة ، ويختتم بعد العصر من يوم النحر . يروى ذلك عن ابن مسعود وبه قال أبو حنيفة رضي الله عنه ، وقال قوم : يبتدئ عقيب صلاة الظهر من يوم النحر ، ويختتم بعد الصبح من آخر أيام التشريق ، يروى ذلك عن ابن عباس وبه قال مالك والشافعي ، في أحد قوليه . قال الشافعي : لأن الناس فيه تبع للحاج ، وذكر الحاج قبل هذا الوقت التلبية ويأخذون في التكبير يوم النحر من صلاة الظهر ، ولفظ التكبير : كان سعيد بن جبير والحسن يقولان : الله أكبر الله أكبر الله أكبر ثلاثاً نسقاً . وهو قول أهل المدينة ، وإليه ذهب الشافعي ، وقال : وما زاد من ذكر الله فهو حسن ، وعند أهل العراق يكبر اثنتين . يروى ذلك عن ابن مسعود .
قوله تعالى : { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } . أراد أن من نفر من الحاج في اليوم الثاني من أيام التشريق فلا إثم عليه ، وذلك أن على الحاج أن يبيت بمنى الليلة الأولى والثانية من أيام التشريق ويرمي كل يوم بعد الزوال إحدى وعشرين حصاة ، عند كل جمرة سبع حصيات ، ورخص في ترك البيتوتة لرعاة الإبل ، وأهل سقاية الحاج ، ثم كل من رمى اليوم الثاني من أيام التشريق . وأراد أن ينفر فيدع البيتوتة الليلة الثالثة ورمى يومها فذلك له واسع لقوله تعالى ( فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ) ومن لم ينفر حتى غربت الشمس فعليه أن يبيت حتى يرمي اليوم الثالث ثم ينفر .
قوله تعالى : { ومن تأخر فلا إثم عليه } . يعني لا إثم على من تعجل فنفر في اليوم الثاني في تعجيله ، ومن تأخر حتى ينفر في اليوم الثالث فلا إثم عليه في تأخره . وقيل معناه : فمن تعجل فقد ترخص فلا إثم عليه بالترخص ، ومن تأخر فلا إثم عليه بترك الترخص . وقيل معناه رجع مغفوراً له ، لا ذنب عليه ، تعجل أو تأخر ، كما روينا " من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع أي خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " وهذا قول علي وابن مسعود .
قوله تعالى : { لمن اتقى } . أي لمن اتقى أن يصيب في حجه شيئاً نهاه الله عنه كما قال : " من حج فلم يرفث ولم يفسق " .
قال ابن مسعود : إنما جعلت مغفرة الذنوب لمن اتقى الله تعالى في حجه ، وفي رواية الكلبي عن ابن عباس معناه : لمن اتقى الصيد لا يحل له أن يقتل صيداً حتى تخلو أيام التشريق ، وقال أبو العالية ذهب إثمه إن اتقى فيما بقي من عمره .
قوله تعالى : { واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون } . تجمعون في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم .
{ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }
يأمر تعالى بذكره في الأيام المعدودات ، وهي أيام التشريق الثلاثة بعد العيد ، لمزيتها وشرفها ، وكون بقية أحكام المناسك تفعل بها ، ولكون الناس أضيافا لله فيها ، ولهذا حرم صيامها ، فللذكر فيها مزية ليست لغيرها ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أيام التشريق ، أيام أكل وشرب ، وذكر الله "
ويدخل في ذكر الله فيها ، ذكره عند رمي الجمار ، وعند الذبح ، والذكر المقيد عقب الفرائض ، بل قال بعض العلماء : إنه يستحب فيها التكبير المطلق ، كالعشر ، وليس ببعيد .
{ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ } أي : خرج من " منى " ونفر منها قبل غروب شمس اليوم الثاني { فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ } بأن بات بها ليلة الثالث ورمى من الغد { فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ } وهذا تخفيف من الله [ تعالى ] على عباده ، في إباحة كلا الأمرين ، ولكن من المعلوم أنه إذا أبيح كلا الأمرين ، فالمتأخر أفضل ، لأنه أكثر عبادة .
ولما كان نفي الحرج قد يفهم منه نفي الحرج في ذلك المذكور وفي غيره ، والحاصل أن الحرج منفي عن المتقدم ، والمتأخر فقط قيده بقوله : { لِمَنِ اتَّقَى } أي : اتقى الله في جميع أموره ، وأحوال الحج ، فمن اتقى الله في كل شيء ، حصل له نفي الحرج في كل شيء ، ومن اتقاه في شيء دون شيء ، كان الجزاء من جنس العمل .
{ وَاتَّقُوا اللَّهَ } بامتثال أوامره واجتناب معاصيه ، { وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } فمجازيكم بأعمالكم ، فمن اتقاه ، وجد جزاء التقوى عنده ، ومن لم يتقه ، عاقبه أشد العقوبة ، فالعلم بالجزاء من أعظم الدواعي لتقوى الله ، فلهذا حث تعالى على العلم بذلك .
وقوله : { واذكروا الله في أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ } معطوف على قوله - تعالى - { فاذكروا الله كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً } وما بينهما اعتراض .
والمراد بالأيام المعدودات أيام التشريق الثلاثة التي بعد يوم النحر . والتشريق : تقديد اللحم .
قال القرطبي : ولا خلاف بين العلماء أن الأيام المعدودات في هذه الآية هي أيام منى ، وهي أيام التشريق ، وأن هذه الثلاثة الأسماء واقعة عليها ، وهي أيام رمى الجمار " .
فالآية الكريمة تأمر الحجاج وغيرهم من المسلمين أن يكثروا من ذكر الله في هذه الأيام المباركة ، لأن أهل الجاهلية كانوا يشغلونها بالتفاخر ومغازلة النساء " ويزعمون أن الحج قد انتهى يوم النحر وهو اليوم العاشر من ذي الحجة .
ولقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأيام ينبغي أن تعمر بذكر الله وبشكره على نعمه .
روى الإِمام مسلم عن نبيشه الهذلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله " .
وروى البخاري عن ابن عمر : أنه كان يكبر بمنى تلك الأيام ، وخلف الصلوات ، وعلى فراشه وفي فسطاطه . وفي مجلسه ، وفي ممشاه ، في تلك الأيام جميعاً .
ومن الذكر في تلك الأيام التبيكر مع كل حصاة م نحصى الجمار كل يوم من أيام التشريق .
فقد أخرج البخاري عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر مع كل حصاة .
ويرى جمهور الفقهاء أن هذه الأيام يحرم فيها الصيام ، لأنها أيام كل وشرب وذكر لله .
والمعنى : اذكروا الله ، أي : كبروه في أدبار الصلوات وعند ذبح القرابين ، وعند رمي الجمار وغيرها في تلك الأيام المعدودات التي هي موسم من مواسم العبادة والطاعات ، فإن الإِكثار من ذكر الله يرفع الدرجات ، ويمسح السيئات .
ثم قال- تعالى- : { فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتقى } . تعجل واستعجل يجيئان مطاوعين بمعنى عجل ، يقال : تعجل الأمر واستعجل . ويأتيان متعديين فيقال : تعجل الذهاب واستعجله ويرى الزمخشري أن المطاوعة أوفق لقوله - تعالى - : { وَمَن تَأَخَّر } .
وإيضاح ذلك : أنه يجب على الحاج المبيت بمنى الليلة الأولى والثانية من ليالي أيام التشريق ، ليرمي كل يوم بعد الزوال إحدى وعشرين حصاة يرمى عند كل جمرة سبع حصيات ، ثم من رمى في اليوم الثاني وأراد أن ينفر ويترك المبيت بمنى في الليلة الثالثة ورمى يومها بعد الزوال - كما يرى الشافعية - وبعده أو قبله - كما يرى الحنفية - فلا إثم عليه في عدم مبيته بمنى في الليلة الثالثة .
أي : فمن تعجل فسافر في اليومين الأولين فلا إثم عليه في التعجيل ، ومن بقي إلى تمام اليوم الثالث فلا إثم عليه كذلك إذا اتقى كل منهما الله ووقف عند حدوده .
فالتقييد بالتقوى للتنبيه إلى أن العبرة في الأفعال إنما هي بتقوى القلوب وطهارتها وسلامتها .
قال الآلوسي : وقوله { لِمَنِ اتقى } خبر لمبتدأ محذوف ، واللام إما للتعليل أو للاختصاص .
أي : ذلك التخيير المذكور لأجل المتقي لئلا يتضرر بترك ما يقصده من التعجيل والتأخر أو ذلك المذكور من أحكام مطلقاً مختصة بالمتقى لأنه هو الحاج على الحقيقة . والمراد من التقوى على التقديرين تجنب ما يؤثم من فعل أو ترك .
ثم ختمت الآية بقوله - تعالى - : { واتقوا الله واعلموآ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } اتقوا الله في كل ما تأتون وما تذرون ، واعلموا أنكم ستجمعون بعد تفرقكم وتساقون إلى خالقكم يوم القيامة ليجازيكم على أعمالكم .
وقد ختمت الآيات التي تحدثت عن فريضة الحج بهذا الختام المكون من عنصرين ، أحدهما : تقوى الله .
والثاني : العلم اليقيني بالحشر ، للإِشعار بأنهما خلاصة التدين ، وثمرة العبادات بكل أنواعها وكل طرقها ، وإذا خلت أية عبادة من هذين العنصرين كانت صورة لا روح فيها .
وإلى هنا تكون الآيات الكريمة قد ساقت لنا بعض أحكام الحج وآدابه ومناسكه بأسلوب يهدي القلوب ، ويسعد النفوس ، ومن شأن من يعمل بهذه الآيات أن يكون ممن رضى الله عنهم ورضوا عنه .
ثم تنتهي أيام الحج وشعائره ومناسكه بالتوجيه إلى ذكر الله ، وإلى تقواه :
( واذكروا الله في أيام معدودات . فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى . واتقوا الله ، واعلموا أنكم إليه تحشرون ) . .
أيام الذكر هي في الأرجح يوم عرفة ويوم النحر والتشريق بعده . . قال ابن عباس : الأيام المعدودات أيام التشريق . . وقال عكرمة : ( واذكروا الله في أيام معدودات ) يعني التكبير في أيام التشريق بعد الصلوات المكتوبات : الله أكبر . الله أكبر . وفي الحديث المتقدم عن عبد الرحمن بن معمر الديلمي : " وأيام منى ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " . . وأيام عرفة والنحر والتشريق . كلها صالحة للذكر . اليومين الأولين منها أو اليومين الأخيرين . بشرط التقوى :
ثم يذكرهم بمشهد الحشر بمناسبة مشهد الحج ؛ وهو يستجيش في قلوبهم مشاعر التقوى أمام ذلك المشهد المخيف :
( واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون ) . .
وهكذا نجد في هذه الآيات كيف جعل الإسلام الحج فريضة إسلامية ؛ وكيف خلعها من جذورها الجاهلية ؛ وربطها بعروة الإسلام ؛ وشدها إلى محوره ؛ وظللها بالتصورات الإسلامية ؛ ونقاها من الشوائب والرواسب . . وهذه هي طريقة الإسلام في كل ما رأى أن يستبقيه من عادة أو شعيرة . . إنها لم تعد هي التي كانت في الجاهلية ؛ إنما عادت قطعة جديدة متناسقة في الثوب الجديد . . إنها لم تعد تقليدا عربيا ، إنما عادت عبادة إسلامية . فالإسلام ، والإسلام وحده ، هو الذي يبقى وهو الذي يرعى . .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِيَ أَيّامٍ مّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخّرَ فَلآ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتّقَىَ وَاتّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوآ أَنّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }
يعني جل ذكره : اذكروا الله بالتوحيد والتعظيم في أيام محصيات ، وهي أيام رمي الجمار ، أمر عباده يومئذٍ بالتكبير أدبار الصلوات ، وعند الرمي مع كل حصاة من حصى الجمار يرمي بها جمرة من الجمار .
وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل : ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم : قال : حدثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : وَاذْكُروا اللّهَ فِي أيّامٍ مَعْدُوداتٍ قال : أيام التشريق .
وحدثني محمد بن نافع البصري ، قال : حدثنا غندر ، قال : حدثنا شعبة ، عن هشيم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، مثله .
وحدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : وَاذْكُرُوا اللّهَ فِي أيّامٍ مَعَدُودَاتٍ يعني الأيام المعدودات أيام التشريق ، وهي ثلاثة أيام بعد النحر .
وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : وَاذْكُرُوا اللّهَ فِي أيّامٍ مَعْدُوداتٍ يعني أيام التشريق .
وحدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، مثله .
وحدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا مخلد ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس : سمعه يوم الصدر يقول بعد ما صدر يكبر في المسجد ويتأوّل : وَاذْكُرُوا اللّهَ فِي أيّامٍ مَعْدُودَاتٍ .
حدثنا عليّ بن داود ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : وَاذْكُرُوا اللّهَ فِي أيّامِ مَعْدُوداتٍ يعني أيام التشريق .
وحدثنا عبد الحميد بن بيان السكري ، قال : أخبرنا إسحاق ، عن شريك ، عن أبي إسحاق ، عن عطاء بن أبي رباح في قول الله عز وجل : وَاذْكُرُوا اللّهَ فِي أيّامٍ مَعْدُوداتٍ قال : هي أيام التشريق .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثني أبي ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء ، مثله .
3وحدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : وَاذْكُرُوا اللّهَ فِي أيّامٍ مَعْدُوداتٍ قال أيام التشريق بمنى .
3حدثنا محمد بن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن ليث ، عن مجاهد وعطاء قالا : هي أيام التشريق .
وحدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم قال : الأيام المعدودات : أيام التشريق .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، مثله .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا يونس ، عن الحسن ، قال : الأيام المعدودات : الأيام بعد النحر .
وحدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : سألت إسماعيل بن أبي خالد عن الأيام المعدودات ، فقال : أيام التشريق .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : وَاذْكُرُوا اللّهَ فِي أيّامِ مَعْدُوداتٍ كنا نحدّث أنها أيام التشريق .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : وَاذْكُرُوا اللّهَ فِي أيّامِ مَعْدُوداتٍ قال : هي أيام التشريق .
وحدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما الأيام المعدودات : فهي أيام التشريق .
وحدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، مثله .
وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، عن مالك ، قال : الأيام المعدودات : ثلاثة أيام بعد يوم النحر .
وحدثت عن حسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد ، قال : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : فِي أيّامِ مَعْدُوداتٍ قال : أيام التشريق الثلاثة .
وحدثني ابن البرقي ، قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، قال : سألت ابن زيد عن الأيام المعدودات ، والأيام المعلومات ؟ فقال : الأيام المعدودات : أيام التشريق ، والأيام المعلومات : يوم عرفة ، ويوم النحر ، وأيام التشريق .
وإنما قلنا : إن الأيام المعدودات هي : أيام مِنى وأيام رمي الجمار لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول فيها : إنها أيام ذكر الله عز وجل . ذكر الأخبار التي رويت بذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم وخلاد بن أسلم ، قال : حدثنا هشيم ، عن عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «أيّامُ التّشْريق أيّامُ طُعْمٍ وَذِكْرٍ » .
وحدثنا خلاد ، قال : حدثنا روح ، قال : حدثنا صالح ، قال : ثني ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن حذافة يطوف في منى : «لا تَصُومُوا هَذِهِ الأيّامَ فإنّهَا أيّامُ أكْلٍ وَشْرْبٍ وَذِكْرِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ » .
وحدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، وحدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال جميعا : حدثنا خالد ، عن أبي قلابة ، عن أبي المليح ، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إنّ هَذِهِ الأيّامَ أيّامُ أكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ الله » .
وحدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن ابن أبي ليلى ، عن عطاء ، عن عائشة ، قالت : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم أيام التشريق وقال : «هِيَ أيّامُ أكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللّهِ » .
وحدثني يعقوب ، قال : ثني هشيم ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عمرو بن دينار : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بشر بن سحيم ، فنادى في أيام التشريق ، فقال : «إنّ هذهِ الأيامَ أيامُ أكلٍ وَشُربٍ وذكرِ اللّهِ » .
وحدثني يعقوب . قال : حدثنا هشيم ، عن سفيان بن حسين ، عن الزهري ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة بن قيس فنادى في أيام التشريق فقال : «إنّ هَذِهِ الأيّامَ أيّامُ أكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللّهِ ، إلاّ مَنْ كانَ عليهِ صَوْمٌ مِنْ هَدْيٍ » .
وحدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن محمد بن إسحاق ، عن حكيم بن حكيم ، عن مسعود بن الحكم الزرقي ، عن أمه قالت : لكأني أنظر إلى عليّ رضي الله عنه على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء حين وقف على شعب الأنصار وهو يقول : «أيّها النّاسُ إنّها لَيْسَتْ بأيّام صِيامٍ ، إنّمَا هِيَ أيّامُ أكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ » .
فإن قال قائل : إن النبيّ صلى الله عليه وسلم إذ قال في أيام منى : «إنّها أيّام أكْلٍ وَشُربٍ وَذِكْرِ اللّهِ » لم يخبر أمته أنها الأيام المعدودات التي ذكرها الله في كتابه ، فما تنكر أن يكون النبيّ صلى الله عليه وسلم عنى بقوله : وذكر الله : الأيام المعلومات ؟ قيل : غير جائز أن يكون عنى ذلك ، لأن الله لم يكن يوجب في الأيام المعلومات من ذكره فيها ما أوجب في الأيام المعدودات ، وإنما وصف المعلومات جل ذكره بأنها أيام يذكر فيها اسم الله على بهائم الأنعام ، فقال : لِيَشْهَدوا مَنافِعَ لهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ فِي أيّامٍ مَعْلُوماتٍ على ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعامِ فلم يوجب في الأيام المعلومات من ذكره كالذي أوجبه في الأيام المعدودات من ذكره ، بل أخبر أنها أيام ذكره على بهائم الأنعام . فكان معلوما إذ قال صلى الله عليه وسلم لأيام التشريق : «إنّها أيّامُ أكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللّهِ » فأخرج قوله : «وذكْر اللّه » ، مطلقا بغير شرط ولا إضافة ، إلى أنه الذكر على بهائم الأنعام ، أنه عنى بذكر الذكر الذي ذكره الله في كتابه ، فأوجبه على عباده مطلقا بغير شرط ولا إضافة إلى معنى في الأيام المعدودات . وأنه لو كان أراد بذلك صلى الله عليه وسلم وصف الأيام المعلومات به ، لوصل قوله : «وذكر » ، إلى أنه ذكر الله على ما رزقهم من بهائم الأنعام ، كالذي وصف الله به ذلك ولكنه أطلق ذلك باسم الذكر من غير وصله بشيء ، كالذي أطلقه تبارك وتعالى باسم الذكر ، فقال : وَاذْكُرُوا اللّهَ فِي أيّامِ مَعْدُوداتٍ فكان ذلك من أوضح الدليل على أنه عنى بذلك ما ذكره الله في كتابه وأوجبه في الأيام المعدودات .
القول في تأويل قوله تعالى : فَمَنْ تَعَجّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأخّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتّقَى .
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : فمن تعجل في يومين من أيام التشريق للنفر في اليوم الثاني فلا إثم عليه في نفره وتعجله في النفر ، ومن تأخر عن النفر في اليوم الثاني من أيام التشريق إلى اليوم الثالث حتى ينفر في اليوم الثالث فلا إثم عليه في تأخره . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا هشيم ، عن عطاء ، قال : لا إثم عليه في تعجيله ، ولا إثم عليه في تأخيره .
حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا هشيم ، عن عوف ، عن الحسن ، مثله .
حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن عكرمة ، مثله .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : فَمَنْ تَعَجّلَ فِي يَوْمَيْنِ يوم النفر فَلا إثْمَ عَلَيْه لا حرج عليه وَمَنْ تأخّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْه .
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما من تعجل في يومين فلا إثم عليه ، يقول : من نفر في يومين فلا جناح عليه ، ومن تأخر فنفر في الثالث فلا جناح عليه .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : فَمَنْ تَعَجّلَ فِي يَوْمَيْنِ يقول : فمن تعجل في يومين : أي من أيام التشريق فلا إثم عليه ، ومن أدركه الليل بمنى من اليوم الثاني من قبل أن ينفر فلا نفر له حتى تزول الشمس من الغد . ومن تأخّرَ فلا إثْمَ عَلَيْه يقول : من تأخر إلى اليوم الثالث من أيام التشريق فلا إثم عليه .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : فَمَنْ تَعَجّلَ في يَوْمَينِ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ قال : رخص الله في أن ينفروا في يومين منها إن شاءوا ، ومن تأخر في اليوم الثالث فلا إثم عليه .
حدثني محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن إبراهيم أنه قال في هذه الآية : فَمَنْ تَعَجّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ قال في تعجيله .
وحدثنا هناد بن السريّ ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن منصور ، عن إبراهيم قال : لا إثم عليه : لا إثم على من تعجل ، ولا إثم على من تأخر .
وحدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : هذا في التعجيل .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا شريك وإسرائيل ، عن زيد بن جبير ، قال : سمعت ابن عمر يقول : حلّ النفر في يومين لمن اتقى .
وحدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن ابن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس . فَمَنْ تَعَجّلَ فِي يَوْمَيْن فَلا إثمَ عَلَيْهِ في تعجله وَمَنْ تأخّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ في تأخره .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : قلت لعطاء : أللمكيّ أن ينفر في النفر الأول ؟ قال : نعم ، قال الله عز وجل : فَمَنْ تَعَجّلَ في يَوْمَيْن فَلا إثْمَ عَلَيْهِ فهي للناس أجمعين .
حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم : فَمَنْ تَعَجّلَ فِي يَوْمَيْن فَلا إثْمَ عَلَيْهِ قال : ليس عليه إثم .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : فَمَنْ تَعَجّلَ فِي يَوْمَيْن بعد يوم النحر فَلا إثْمَ عَلَيْهِ يقول : من نفر من منى في يومين بعد النحر فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه في تأخره ، فلا حرج عليه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم : فَمَنْ تَعَجّلَ فِي يَوْمَيْن فَلا إثْمَ عَلَيْهِ في تعجله وَمَنْ تأخّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ في تأخره .
وقال آخرون : بل معناه : فمن تعجل في يومين فهو مغفور له لا إثم عليه ، ومن تأخر كذلك . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن ثوير ، عن أبيه ، عن عبد الله : فَمَنْ تَعَجّلَ فِي يَوْمَيْن فَلا إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأخّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ قال : ليس عليه إثم .
وحدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن عبد الله : فَمَنْ تَعَجّلَ فِي يَوْمَيْن فَلا إثْمَ عَلَيْهِ أي غفر له وَمَنْ تأخّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ قال : غفر له .
حدثنا أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا مسعر ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن عبد الله : فَمَنْ تَعَجّلَ فِي يَوْمَيْن فَلا إثْمَ عَلَيْهِ أي غفر له .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا المحاربي ، وحدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد جميعا . عن سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن عبد الله في قوله : فَمَنْ تَعَجّلَ فِي يَوْمَيْن فَلا إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تأخّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ قال : قد غفر له .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم في قوله : فَمَنْ تَعَجّلَ فِي يَوْمَيْن فَلا إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تأخّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ قد غفر له .
وحدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن عبد الله قال في هذه الآية : فَمَنْ تَعَجّلَ فِي يَوْمَيْن فَلا إثْمَ عَلَيْهِ وَمنْ تأخّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ قال : بريء من الإثم .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عليّ بن زيد ، عن الحسن ، عن ابن عمر : فَمَنْ تَعَجّلَ فِي يَوْمَيْن فَلا إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تأخّرَ فَلا إثمَ عَلَيْهِ قال : رجع مغفورا له .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله : فَمَنْ تَعَجّلَ فِي يَوْمَيْن فَلا إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تأخّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ قال : قد غفر له .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن جابر ، عن أبي عبد الله ، عن ابن عباس : فَمَنْ تَعَجّلَ فِي يَوْمَيْن فَلا إثْمَ عَلَيْهِ قال : قد غفر له ، إنهم يتأولونها على غير تأويلها ، إن العمرة لتكفر ما معها من الذنوب فكيف بالحج ؟ .
حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن إبراهيم وعامر : فَمَنْ تَعَجّلَ فِي يَوْمَيْن فَلا إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تأخّرَ فَلا إثمَ عَلَيْهِ قالا : غفر له .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : ثني من أصدّقه ، عن ابن مسعود قوله : فَلا إثْمَ عَلَيْهِ قال : خرج من الإثْم كله وَمَنْ تأخّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْه قال : بريء من الإثم كله ، وذلك في الصدَر عن الحجّ . قال ابن جريج : وسمعت رجلاً يحدّث عن عطاء بن أبي رباح ، عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : فلا إثم عليه ، قال : غفر له ، ومن تأخر فلا إثم عليه ، قال : غُفر له .
حدثني أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا أسود بن سوادة القطان ، قال : سمعت معاوية بن قرة قال : يخرج من ذنوبه .
وقال آخرون : معنى ذلك : فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه فيما بينه وبين السنة التي بعدها . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسحاق بن يحيى بن طلحة ، قال : سألت مجاهدا عن قول الله عزّ وجل : فَمَنْ تَعَجّلَ فِي يَوْمَيْن فَلا إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تأخّرَ فَلا إثْم عَلَيْهِ قال : لمن في الحج ، ليس عليه إثم حتى الحج من عام قابل .
وقال آخرون : بل معناه : فلا إثم عليه إن اتقى الله فيما بقي من عمره . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية : فَمَنْ تَعَجّلَ فِي يَوْمَيْن فَلا إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تأخّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ قال : ذهب إثمه كله إن اتقى فيما بقي .
حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن المغيرة ، عن إبراهيم ، مثله .
وحدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، مثله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : فَمَنْ تَعَجّلَ فِي يَوْمَيْن فَلا إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تأخّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ قال : لمن اتقى بشرط .
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : فَمَنْ تَعَجّلَ فِي يَوْمَيْن فَلا إثْمَ عَلَيْهِ لا جناح عليه ، ومن تأخر إلى اليوم الثالث فلا جناح عليه لمن اتقى وكان ابن عباس يقول : وددت أنَي من هؤلاء ممن يصيبه اسم التقوى .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج : هي في مصحف عبد الله : لمن اتقى الله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : ( فَمَنْ تَعَجّلَ فِي يَوْمَيْن فَلا إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تأخّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ ) فلا حرج عليه ، يقول اتقى معاصي الله عز وجل .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : فمن تعجل في يومين من أيام التشريق فلا إثم عليه ، أي فلا حرج عليه في تعجيله النفر إن هو اتقى قتلَ الصيد حتى ينقضي اليوم الثالث ، ومن تأخر إلى اليوم الثالث فلم ينفر فلا حرج عليه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا محمد بن أبي صالح : لمن اتقى أن يصيب شيئا من الصيد حتى يمضي اليوم الثالث .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( فَمَنْ تَعَجّلَ فِي يَوْمَيْن فَلا إثْمَ عَلَيْهِ ) ولا يحلّ له أن يقتل صيدا حتى تخلو أيام التشريق .
وقال آخرون : بل معناه : فمن تعجل في يومين من أيام التشريق فنفر فلا إثم عليه ، أي مغفور له . ومن تأخر فنفر في اليوم الثالث فلا إثم عليه ، أي مغفور له إن اتقى على حجه أن يصيب فيه شيئا نهاه الله عنه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : لِمَنِ اتّقى قال : يقول لمن اتّقى على حجه .
قال قتادة : ذكر لنا أن ابن مسعود كان يقول : من اتّقى في حجه غفر له ما تقدم من ذنبه ، أو ما سلف من ذنبه .
وأولى هذه الأقوال بالصحة قول من قال : تأويل ذلك : فمن تعجل في يومين من أيام منى الثلاثة فنفر في اليوم الثاني فلا إثم عليه ، لحط الله ذنوبه ، إن كان قد اتقى الله في حجه فاجتنب فيه ما أمره الله باجتنابه وفعل فيه ما أمره الله بفعله وأطاعه بأدائه على ما كلفه من حدوده . ومن تأخر إلى اليوم الثالث منهن فلم ينفر إلى النفر الثاني حتى نفر من غد النفر الأول ، فلا إثم عليه لتكفير الله له ما سلف من آثامه وأجرامه ، وإن كان اتّقى الله في حجة بأدائه بحدوده .
وإنما قلنا إن ذلك أولى تأويلاته لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «مَنْ حَجّ هَذَا البَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ ، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمّهُ » وأنه قال صلى الله عليه وسلم : «تابِعُوا بَيْنَ الحَجّ وَالعُمْرَةِ ، فإنّهُما يَنْفِيانِ الذّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَديدِ وَالذّهَبِ وَالفِضّةِ » .
حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي ، قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، قال : حدثنا عمرو بن قيس ، عن عاصم ، عن شقيق ، عن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «تَابِعُوا بَيْنَ الحَجّ وَالعُمْرَةِ فإنهُما يَنفِيانِ الفَقْرَ وَالذّنُوبَ كمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ وَالذّهَبِ وَالفِضّةِ ، وَلَيسَ للحَجّةِ المَبْرُورَةِ ثَوَابٌ دُونَ الجنّة » .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكم بن بشير ، عن عمرو بن قيس ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بنحوه .
حدثنا حدثنا الفضل بن الصباح ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عاصم بن عبيد الله ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، عن أبيه ، عن عمر يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال : «تَابِعُوا بَيْنَ الحَجّ وَالعُمْرةِ ، فإنّ متابعةَ ما بينهما تَنْفِي الفَقْرَ والذّنوبَ كَمَا يَنْفي الكِيرُ الخَبثَ ، أو خبثَ الحَديدِ » .
حدثنا إبراهيم بن سعد ، قال : حدثنا سعيد بن عبد الحميد ، قال : حدثنا ابن أبي الزناد ، عن موسى بن عقبة ، عن صالح مولى التوأمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذَا قَضَيْتَ حَجّكَ فأنْتَ مِثْلُ ما وَلَدَتْكَ أُمّكَ » .
وما أشبه ذلك من الأخبار التي يطول بذكر جميعها الكتاب ، مما ينبيء عنه أن من حجّ فقضاه بحدوده على ما أمره الله ، فهو خارج من ذنوبه ، كما قال جل ثناؤه : فَلا إثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتّقى الله في حجه . فكان في ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يوضح عن أن معنى قوله جل وعز : فَلا إثْمَ عَلَيْهِ أنه خارج من ذنوبه ، محطوطة عنه آثامه ، مغفورة له أجرامه . وأنه لا معنى لقول من تأول قوله : فَلا إثْمَ عَلَيْهِ فلا حرج عليه في نفره في اليوم الثاني ، ولا حرج عليه في مقامه إلى اليوم الثالث لأن الحرج إنما يوضع عن العامل فيما كان عليه ترك عمله فيرخص له في عمله بوضع الحرج عنه في عمله ، أو فيما كان عليه عمله ، فيرخص له في تركه بوضع الحرج عنه في تركه . فأما ما على العامل عمله فلا وجه لوضع الحرج عنه فيه إن هو عمله ، وفرضه عمله ، لأنه محال أن يكون المؤدّي فرضا عليه حَرِجا بأدائه ، فيجوز أن يقال : قد وضعنا عنك فيه الحرج .
وإذ كان ذلك كذلك ، وكان الحاج لا يخلو عند من تأول قوله : فَلا إثْمَ عَلَيْهِ فلا حرج عليه ، أو فلا جناح عليه من أن يكون فرضه النفر في اليوم الثاني من أيام التشريق ، فوضع عنه الحرج في المقام ، أو أن يكون فرضه المقام إلى اليوم الثالث ، فوضع عنه الحرج في النفر في اليوم الثاني ، فإن يكن فرضه في اليوم الثاني من أيام التشريق المقام إلى اليوم الثالث منها ، فوضع عنه الحرج في نفره في اليوم الثاني منها ، وذلك هو التعجيل الذي قيل : فَمَنْ تَعَجّلَ في يَوْمَينِ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ فلا معنى لقوله على تأويل من تأوّل ذلك : فَلا إِثمَ عَلَيْهِ فلا جناح عليه ، وَمَنْ تَأَخّرَ فَلا إِثمَ عَلَيْهِ لأن المتأخر إلى اليوم الثالث إنما هو متأخر عن أداء فرض عليه تارك قبول رخصة النفر ، فلا وجه لأن يقال : لا حرج عليك في مقامك على أداء الواجب عليك ، لما وصفنا قبل ، أو يكون فرضه في اليوم الثاني النفر ، فرخص له في المقام إلى اليوم الثالث فلا معنى أن يقال : لا حرج عليك في تعجلك النفر الذي هو فرضك وعليك فعله للذي قدمنا من العلة وكذلك لا معنى لقول من قال : معناه : فَمَنْ تَعَجّلَ في يَوْمَيْنِ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ ولا حرج عليه في نفره ذلك ، إن اتقى قتل الصيد إلى انقضاء اليوم الثالث لأن ذلك لو كان تأويلاً مسلما لقائله لكان في قوله : وَمَنْ تأخّرَ فلاَ إثْمَ عَلَيْهِ ما يبطل دعواه ، لأنه لا خلاف بين الأمة في أن الصيد للحاج بعد نفره من منى في اليوم الثالث حلال ، فما الذي من أجله وضع عنه الحرج في قوله : وَمَنْ تأخّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ إذا هو تأخر إلى اليوم الثالث ثم نفر ؟ هذا مع إجماع الحجة على أن المحرم إذا رمى وذبح وحلق وطاف بالبيت فقد حلّ له كل شيء ، وتصريح الرواية المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو ذلك ، التي :
حدثنا بها هناد بن السري الحنظلي ، قال : حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن حجاج ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عمرة قالت : سألت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها متى يحلّ المحرم ؟ فقالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذَا رَمَيْتُمْ وَذَبحْتُمْ وَحَلَقْتُمْ حَلّ لَكُمْ كُلّ شَيْءٍ إلاّ النّساءَ » . قال : وذكر الزهري عن عمرة ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله .
وأما الذي تأول ذلك أنه بمعنى : لا إثم عليه إلى عام قابل فلا وجه لتحديد ذلك بوقت ، وإسقاطه الإثم عن الحاج سنة مستقبلة ، دون آثامه السالفة ، لأن الله جل ثناؤه لم يحصر ذلك على نفي إثم وقت مستقبل بظاهر التنزيل ، ولا على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام ، بل دلالة ظاهر التنزيل تبين عن أن المتعجل في اليومين والمتأخر لا إثم على كل واحد منهما في حاله التي هو بها دون غيرها من الأحوال ، والخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم يصرّح بأنه بانقضاء حجه على ما أمر به خارج من ذنوبه كيوم ولدته أمه . ففي ذلك من دلالة ظاهر التنزيل ، وصريح قول الرسول صلى الله عليه وسلم دلالة واضحة على فساد قول من قال : معنى قوله : فَلا إثْمَ عَلَيْهِ فلا إثم عليه من وقت انقضاء حجه إلى عام قابل .
فإن قال لنا قائل : ما الجالب اللام في قوله : لِمَنِ اتّقَى وما معناها ؟ قيل : الجالب لها معنى قوله : فَلا إثْمَ عَلَيْهِ لأن في قوله : فَلا إثْمَ عَلَيْهِ معنى حططنا ذنوبه وكفرنا آثامه ، فكان في ذلك معنى : جعلنا تكفير الذنوب لمن اتّقَى الله في حجه ، فترك ذكر جعلنا تكفير الذنوب اكتفاء بدلالة قوله : فَلا إثْمَ عَلَيْهِ .
وقد زعم بعض نحويي البصرة أنه كأنه إذا ذكر هذه الرخصة فقد أخبر عن أمر ، فقال : لمن اتّقَى أي هذا لمن اتقى . وأنكر بعضهم ذلك من قوله ، وزعم أن الصفة لا بد لها من شيء تتعلق به ، لأنها لا تقوم بنفسها ، ولكنها فيما زعم من صلة «قول » متروك ، فكان معنى الكلام عنده «قلنا » : ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى ، وقام قوله : ومن تأخّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ مقام القول .
وزعم بعض أهل العربية أن موضع طرح الإثم في المتعجل ، فجعل في المتأخر ، وهو الذي أدى ولم يقصر ، مثل ما جعل على المقصر ، كما يقال في الكلام : إن تصدّقت سرّا فحسن ، وإن أظهرت فحسن . وهما مختلفان ، لأن المتصدّق علانية إذا لم يقصد الرياء فحسن ، وإن كان الإسرار أحسن وليس في وصف حالتي المتصدقين بالحسن وصف إحداهما بالإثم وقد أخبر الله عز وجل عن النافرين بنفي الإثم عنهما ، ومحال أن ينفي عنهما إلا ما كان في تركه الإثم على ما تأوله قائلو هذه المقالة . وفي إجماع الجميع على أنهما جميعا لو تركا النفر وأقاما بمنى لم يكونا آثمين ما يدلّ على فساد التأويل الذي تأوله من حكينا عنه هذا القول . وقال أيضا : فيه وجه آخر ، وهو معنى نهي الفريقين عن أن يؤثم أحد الفريقين الاَخر ، كأنه أراد بقوله : فَلا إثْمَ عَلَيْهِ لا يقل المتعجل للمتأخر : أنت آثم ، ولا المتأخر للمتعجل أنت آثم بمعنى : فلا يؤثمنّ أحدهما الاَخر . وهذا أيضا تأويل لقول جميع أهل التأويل مخالف ، وكفى بذلك شاهدا على خطئه .
القول في تأويل قوله تعالى : اتّقُوا اللّهَ وَاعْلَمُوا أنّكُم إلَيْهِ تُحْشَرُونَ .
يعني بذلك جل ثناؤه : واتقوا الله أيها المؤمنون فيما فرض عليكم من فرائضه ، فخافوه في تضييعها والتفريط فيها ، وفيما نهاكم عنه في حجكم ومناسككم أن ترتكبوه أو تأتوه وفيما كلفكم في إحرامكم لحجكم أن تقصروا في أدائه والقيام به ، واعلموا أنكم إليه تحشرون ، فمجازيكم هو بأعمالكم ، المحسن منكم بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، وموف كل نفس منكم ما عملت وأنتم لا تظلمون .
{ واذكروا الله في أيام معدودات } كبروه في أدبار الصلاة وعند ذبح القرابين ورمي الجمار وغيرها في أيام التشريق . { فمن تعجّل } فمن استعجل النفر . { في يومين } يوم القر والذي بعده ، أي فمن نفر في ثاني أيام التشريق بعد رمي الجمار عندنا ، وقبل طلوع الفجر عند أبي حنيفة . { فلا إثم عليه } باستعجاله . { ومن تأخر فلا إثم عليه } ومن تأخر في النفر حتى رمى في اليوم الثالث بعد الزوال ، وقال أبو حنيفة : يجوز تقديم رميه على الزوال . ومعنى نفي الإثم بالتعجيل والتأخير التخيير بينهما والرد على أهل الجاهلية فإن منهم من أثم المتعجل ومنهم من أثم المتأخر . { لمن اتقى } أي الذي ذكر من التخيير ، أو من الأحكام لمن اتقى لأنه الحاج على الحقيقة والمنتفع به ، أو لأجله حتى لا يتضرر بترك ما يهمه منهما . { واتقوا الله } في مجامع أموركم ليعبأ بكم { واعلموا أنكم إليه تحشرون } للجزاء بعد الإحياء . وأصل الحشر الجمع وضم المتفرق .
وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ( 203 )
وأمر الله تعالى عباده بذكره في الأيام المعدودات ، وهي الثلاثة التي بعد يوم النحر ، وهي أيام التشريق( {[1907]} ) ، وليس يوم النحر من المعدودات ، ودل على ذلك إجماع الناس على أنه لا ينفر أحد يوم القر وهو ثاني يوم النحر( {[1908]} ) ، فإن يوم النحر من المعلومات ، ولو كان يوم النحر في المعدودات لساغ أن ينفر من ينفر من شاء متعجلاً يوم القر ، لأنه قد أخذ يومين من معدودات ، وحكى مكي والمهدوي عن ابن عباس أنه قال : «المعدودات هي أيام العشر » ، وهذا إما أن يكون من تصحيف النسخة ، وإما أن يريد العشر الذي بعد يوم النحر ، وفي ذلك بعد ، والأيام المعلومات هي يوم النحر ويومان بعده لإجماعهم على أنه لا ينحر أحد في اليوم الثالث ، والذكر في المعلومات إنما هو على ما رزق الله من بهيمة الأنعام .
وقال ابن زيد : «المعلومات عشر ذي الحجة وأيام التشريق » ، وفي هذا القول بعد ، وجعل الله الأيام المعدودات أيام ذكر الله ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «هي أيام أكل وشرب وذكر الله »( {[1909]} ) .
ومن جملة الذكر التكبير في إثر الصلوات ، واختلف في طرفي مدة التكبير( {[1910]} ) : فقال عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس : يكبر من صلاة الصبح من يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق .
وقال ابن مسعود وأبو حنيفة : يكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر .
وقال يحيى بن سعيد : يكبر من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الظهر من آخر يوم التشريق .
وقال مالك : يكبر من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق ، وبه قال الشافعي .
وقال ابن شهاب : «يكبر من الظهر يوم النحر إلى العصر من آخر أيام التشريق » .
وقال سعيد بن جبير : «يكبر من الظهر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق » .
وقال الحسن بن أبي الحسن : «يكبر من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الظهر يوم النفر الأول » .
وقال أبو وائل : «يكبر من صلاة الظهر يوم عرفة إلى صلاة الظهر يوم النحر » .
ومشهور مذهب مالك أنه يكبر إثر كل صلاة ثلاثة تكبيرات ، وفي المذهب رواية أنه يقال بعد التكبيرات الثلاث : لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد .
وقوله تعالى : { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } ، قال ابن عباس والحسن وعكرمة ومجاهد : المعنى من نفر في اليوم الثاني من الأيام المعدودات فلا حرج عليه ، ومن تأخر إلى الثالث فلا حرج عليه ، فمعنى الآية كل ذلك مباح ، وعبر عنه بهذا التقسيم اهتماماً وتأكيداً إذ كان من العرب من يذم المتعجل وبالعكس( {[1911]} ) ، فنزلت الآية رافعة للجناح في كل ذلك ، ومن العلماء من رأى أن التعجل إنما أبيح لمن بعد قطره لا للمكي والقريب ، إلا أن يكون له عذر ، قاله مالك وغيره ، ومنهم من رأى أن الناس كلهم مباح لهم ذلك ، قاله عطاء وغيره .
وقال علي بن أبي طالب وابن مسعود وإبراهيم : معنى الآية من تعجل فقد غفر له ومن تأخر فقد غفر له ، واحتجوا بقوله عليه السلام :«من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من خطاياه كيوم ولدته أمه » ، فقوله تعالى : { فلا إثم عليه } نفي عام وتبرئة مطلقة ، وقال مجاهد أيضاً : معنى الآية من تعجل أو تأخر فلا إثم عليه إلى العام القابل ، وأسند في هذا القول أثر .
وقال أبو العالية : المعنى في الآية لا إثم عليه لمن اتقى بقية عمره ، والحاج مغفور له البتة .
وقال أبو صالح وغيره : معنى الآية لا إثم عليه لمن اتقى قتل الصيد وما يجب عليه تجنبه في الحج ، وقال أيضاً : لمن اتقى في حجه فأتى به تاماً حتى كان مبروراً ، واللام في قوله { لمن اتقى } متعلقة إما بالغفران على بعض التأويلات ، أو بارتفاع الإثم في الحج على بعضها( {[1912]} ) ، وقيل : بالذكر الذي دل عليه قوله { واذكروا } ، أي الذكر لمن اتقى ، ويسقط رمي الجمرة الثالثة عمن تعجل( {[1913]} ) .
وقال ابن أبي زمنين : «يرميها في يوم النفر الأول حين يريد التعجل » .
قال ابن المواز : «يرمي المتعجل في يومين بإحدى وعشرين حصاة ، كل جمرة بسبع حصيات ، فيصير جميع رميه بتسع وأربعين حصاة » .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : لأنه قد رمى جمرة العقبة بسبع يوم النحر .
قال ابن المواز : «ويسقط رمي اليوم الثالث » .
وقرأ سالم بن عبد الله { فلا إثم عليه } بوصل الألف ، ثم أمر تعالى بالتقوى وذكر بالحشر والوقوف بين يديه( {[1914]} ) .