قوله تعالى : { وراودته التي هو في بيتها عن نفسه } ، يعني : امرأة العزيز . والمراودة : طلب الفعل ، والمراد ههنا أنها دعته إلى نفسها ليواقعها ، { وغلقت الأبواب } ، أي : أطبقتها ، وكانت سبعة ، { وقالت هيت لك } ، أي : هلم وأقبل . قرأه أهل الكوفة والبصرة : { هيت لك } بفتح الهاء التاء جميعا . وقرأ أهل المدينة والشام : { هيت } بكسر الهاء وفتح التاء . وقرأ ابن كثير : { هيت } بفتح الهاء وضم التاء والوجه أن في هذه الكلمة ثلاث لغات ، هيت ، وهيت ، وهيت ، والكل بمعنى هلم ، وقرأ السلمي وقتادة : { هئت } لك ، بكسر الهاء وضم التاء مهموزا ، على مثال جئت ، يعني : تهيأت لك ، وأنكره أبو عمرو والكسائي ، وقالا : لم يحك هذا عن العرب . والأول هو المعروف عند العرب . قال ابن مسعود رضي الله عنه : أقرأني النبي صلى الله عليه وسلم : " هيت لك " . قال أبو عبيدة كان الكسائي يقول : هي لغة لأهل حوران رفعت إلى الحجاز معناها إلي تعال . وقال عكرمة : هي أيضا بالحورانية هلم . وقال مجاهد وغيره : هي لغة عربية وهي كلمة حث وإقبال على الشيء . قال أبو عبيدة : إن العرب لا تثني " هيت " ولا تجمع ولا تؤنث ، وإنها بصورة واحدة في كل حال . { قال } يوسف لها عند ذلك : { معاذ الله } ، أي : أعوذ بالله واعتصم بالله مما دعوتني إليه ، { إنه ربي } يريد أن زوجك قطفير سيدي { أحسن مثواي } ، أي : أكرم منزلي . هذا قول أكثر المفسرين . وقيل : الهاء راجعة إلى الله تعالى ، يريد : أن الله تعالى ربي أحسن مثواي ، أي : آواني ، ومن بلاء الجب عافاني . { إنه لا يفلح الظالمون } ، يعني : إن فعلت هذا فخنته في أهله بعد ما أكرم مثواي فأنا ظالم ، ولا يفلح الظالمون . وقيل : لا يفلح الظالمون : أي لا يسعد الزناة .
{ 23 - 29 } { وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ * وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ }
هذه المحنة العظيمة أعظم على يوسف من محنة إخوته ، وصبره عليها أعظم أجرا ، لأنه صبر اختيار مع وجود الدواعي الكثيرة ، لوقوع الفعل ، فقدم محبة الله عليها ، وأما محنته بإخوته ، فصبره صبر اضطرار ، بمنزلة الأمراض والمكاره التي تصيب العبد بغير اختياره وليس له ملجأ إلا الصبر عليها ، طائعا أو كارها ، وذلك أن يوسف عليه الصلاة والسلام بقي مكرما في بيت العزيز ، وكان له من الجمال والكمال والبهاء ما أوجب ذلك ، أن { رَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ } أي : هو غلامها ، وتحت تدبيرها ، والمسكن واحد ، يتيسر إيقاع الأمر المكروه من غير إشعار أحد ، ولا إحساس بشر .
{ وَ } زادت المصيبة ، بأن { غَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ } وصار المحل خاليا ، وهما آمنان من دخول أحد عليهما ، بسبب تغليق الأبواب ، وقد دعته إلى نفسها { وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ } أي : افعل الأمر المكروه وأقبل إليَّ ، ومع هذا فهو غريب ، لا يحتشم مثله ما يحتشمه إذا كان في وطنه وبين معارفه ، وهو أسير تحت يدها ، وهي سيدته ، وفيها من الجمال ما يدعو إلى ما هنالك ، وهو شاب عزب ، وقد توعدته ، إن لم يفعل ما تأمره به بالسجن ، أو العذاب الأليم .
فصبر عن معصية الله ، مع وجود الداعي القوي فيه ، لأنه قد هم فيها هما تركه لله ، وقدم مراد الله على مراد النفس الأمارة بالسوء ، ورأى من برهان ربه - وهو ما معه من العلم والإيمان ، الموجب لترك كل ما حرم الله - ما أوجب له البعد والانكفاف ، عن هذه المعصية الكبيرة ، و { قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ } أي : أعوذ بالله أن أفعل هذا الفعل القبيح ، لأنه مما يسخط الله ويبعد منه ، ولأنه خيانة في حق سيدي الذي أكرم مثواي .
فلا يليق بي أن أقابله في أهله بأقبح مقابلة ، وهذا من أعظم الظلم ، والظالم لا يفلح ، والحاصل أنه جعل الموانع له من هذا الفعل تقوى الله ، ومراعاة حق سيده الذي أكرمه ، وصيانة نفسه عن الظلم الذي لا يفلح من تعاطاه ، وكذلك ما منَّ الله عليه من برهان الإيمان الذي في قلبه ، يقتضي منه امتثال الأوامر ، واجتناب الزواجر ، والجامع لذلك كله أن الله صرف عنه السوء والفحشاء ، لأنه من عباده المخلصين له في عباداتهم ، الذين أخلصهم الله واختارهم ، واختصهم لنفسه ، وأسدى عليهم من النعم ، وصرف عنهم من المكاره ما كانوا به من خيار خلقه .
استمع إلى السورة الكريمة وهى تحكى بأسلوبها البليغ ما فعلتهه معه امرأة العزيز من ترغيب وترهيب ، وإغراء وتهديد . . . فتقول :
{ وَرَاوَدَتْهُ التي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ . . . }
قوله - سبحانه - { وَرَاوَدَتْهُ التي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ . . . } رجوع إلى شرح ما جرى ليوسف في منزل العزيز بعد أن أمر امرأته بإكرام مثواه ، وما كان من حال تلك المرأة مع يوسف ، وكيف أنها نظرت إليه بعين ، تخالف العين التي نظر بها إليه زوجها .
والمراودة - كما يقول صاحب الكشاف - مفاعلة من راد يرود إذا جاء وذهب ، كأن المعنى : خادعته عن نفسه ، أى : فعلت معه ما يفعله المخادع لصاحبه عن الشئ الذي لا يريد أن يخرجه من يده ، يحتال أن يغلبه عليه ويأخذه منه ، وهو عبارة عن التحايل لمواقعته إياها .
والتعبير عن حالها معه بالمراودة المقتضية لتكرار المحاولة ، للإِشعار بأنها كان منها الطلب المستمر ، المصحوب بالإِغراء والترفق والتحايل على ما تشتهيه منه بشتى الوسائل والحيل . وكان منه - عليه السلام - الإِباء والامتناع عما تريده خوفا من الله - تعالى . .
وقال - سبحانه - { التي هُوَ فِي بَيْتِهَا } دون ذكر لاسمها ، سترا لها ، وابتعادا عن التشهير بها ، وهذا من الأدب السامى الذي التزمه القرآن في تعبيراته وأساليبه ، حتى يتأسى أتباعه بهذا اللون من الأدب في التعبير .
والمراد ببيتها : يبت سكناها ، والإِخبار عن المراودة بأنها كانت في بيتها . أدعى لإظهار كما نزاهته عليه السلام - فإن كونه في بيتها يغرى بالاستجابة لها ، ومع ذلك فقد أعرض عنها ، ولم يطاوعها في مرادها .
وعدى فعل المراودة بعن ، لتضمنه معنى المخادعة .
قال بعض العلماء : و " عن " هنا للمجاوزة ، أى : راودته مباعدة له عن نفسه ، أى : بأن يجعل نفسه لها ، والظاهر أن هذا التركيب من مبتكرات القرآن الكريم ، فالنفس هنا كناية عن غرض المواقعة ، قاله ابن عطية ، أى : فالنفس أريد به عفافه وتمكينها منه لما تريد ، فكأنها تراوده عن أن يسلم إليها إرادته وحكمه في نفسه .
وقوله { وَغَلَّقَتِ الأبواب } أى : أبواب بيت سكناها الذي تبيت فيه بابا فباباً ، قيل : كانت الأبواب سبعة .
والمراد أنها أغلقت جميع الأبواب الموصلة إلى المكان الذي راودته فيه إغلاقا شديدا محكما ، كما يشعر بذلك التضعيف في " غلّقت " زيادة في حمله على الاستجابة لها .
ثم أضاقت إلى كل تلك المغريات أنها قالت له : هيت لك ، أى : هأنذا مهيئة لك فأسرع في الإقبال على . . .
وهذه الدعوة السافرة منها له ، تدل على أنه تلك المرأة كانت قد بلغت النهاية في الكشف عن رغبتها ، وأنها قد خرجت من المألوف من بنات جنسها ، فقد جرت العادة أن تكون المرأة مطلوبة لا طالبة . . .
و " هيت " اسم فعل أمر بمعنى أقبل وأسرع ، فهى كلمة حض وحث على الفعل ، واللام في " لك " لزيادة بيان المقصود بالخطاب ، كما في قولهم : سقيا لك وشكراً لك .
وهى متعلقة بمحذوف فكأنما تقول : إرادتى كائنة لك .
قال الجمل ما ملخصه : " ورد هذه الكلمة قراءات : " هَيتِ " كليت ، و " هِيتَ " كفيل و " هَيتُ " كحيث ، و " هِيئتُ " بكسر الهاء وضم التاء ، و " هِئتَ " بكسر الهاء وفتح التاء .
ثم قال : فالقراءات السبعية خمسة ، وهذه كلها لغات في هذه الكلمة ، وهى في كلها اسم فعل بمعنى هلم أى أقبل وتعال .
وقوله - سبحانه - { قَالَ مَعَاذَ الله إِنَّهُ ربي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون }
بيان لما ردّ به يوس عليها ، بعد أن تجاوزت في إثارته كل حد .
و " معاذ " مصدر أضيف إلى لفظ الجلالة ، وهو منصوب بفعل محذوف أى : قال يوسف في الرد عليها : أعوذ بالله معاذا مما تطلبينه منى ، وأعتصم به اعتصاما مما تحاولينه معى ، فإن ما تطلبينه وتلحين في طلبه يتنافى مع الدين والمروءة والشرف . . ولا يفعله إلا من خبث منبته ، وساء طبعه ، وأظلم قلبه .
وقوله : { إِنَّهُ ربي أَحْسَنَ مَثْوَايَ } تعليل لنفوره مما دعته إليه ، واستعاذ بالله منه .
والضمير في " إنه " يصح أن يعود إلى الله - تعالى - فيكون لفظ ربى بمعنى خالقى . والتقدير : قال يوسف في الرد عليها : معاذ الله أن أفعل الفحشاء والمنكر ، بعد أن أكرمنى الله - تعالى - بما أكرمنى به من النجاة من الجب ، ومن تهيئة الأسباب التي جعلتنى أعيش معززا مكرما ، وإذا كان - سبحانه - قد حبانى كل هذه النعم فيكف ارتكب ما يغضبه ؟
وجوز بعضهم عودة الضمير في " إنه " إلى زوجها ، فيكون لفظ ربى بمعنى سيدى ومالكى ، والتقدير : معاذ الله أن أقابل من اشترانى بماله ، وأحسن منزلى ، وأمرك بإكرامى - بالخيانة له في عرضه .
وفى هذه الجملة الكريمة تذكير لها بألطف أسلوب بحقوق الله - تعالى - وبحقوق زوجها ، وتنبيه لها إلى وجوب الإقلاع عما تريده منه من مواقعتها ، لأنه يؤدى إلى غضب الله وغضب زوجها عليها .
وجملة { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون } تعليل آخر لصدها عما تريده منه .
والفلاح : الظفر وإدراك المأمول .
أى : إن كل من ارتكب ما نهى الله - تعالى - عنه ، تكون عاقبته الخيبة والخسران وعدم الفلاح في الدنيا والآخرة فكيف تريدين منى أن أكون كذلك ؟
هذا ، والمتأمل في هذه الآية الكريمة يرى أن القرآن الكريم قد قابل دواعى الغواية الثلاث التي جاهرت بها امرأة العزيز والمتمثلة في المراودة ، وتغليق الأبواب ، وقولها ، هيت لك : بدواعى العفاف الثلاث التي رد بها عليها يوسف ، والمتمثلة في قوله - كما حكى القرآن عنه - { مَعَاذَ الله إِنَّهُ ربي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون } .
وذلك ليثبت أن الاعتصام بالعفاف والشرف والأمانة ، كان سلاح - يوسف - عليه السلام - في تلك المعركة العنيفة بين نداء العقل ونداء الشهوة . . .
وعندئذ تجيئه المحنة الثانية في حياته ، وهي أشد وأعمق من المحنة الأولى . تجيئه وقد أوتي صحة الحكم وأوتي العلم - رحمة من الله - ليواجهها وينجو منها جزاء إحسانه الذي سجله الله له في قرآنه .
والآن نشهد ذللك المشهد العاصف الخطير المثير كما يرسمه التعبير :
( وراودته التي هو في بيتها عن نفسه ، وغلقت الأبواب وقالت : هيت لك ! قال : معاذ الله . إنه ربي أحسن مثواي . إنه لا يفلح الظالمون - ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه . كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء . إنه من عبادنا المخلصين - واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر ، وألفيا سيدها لدى الباب . قالت : ما جزاء من أراد بأهلك سوءا ؟ إلا أن يسجن أو عذاب أليم . قال : هي راودتني عن نفسي . وشهد شاهد من أهلها . إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين ؛ وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين . فلما رأى قميصه قد من دبر قال : إنه من كيدكن . إن كيدكن عظيم . يوسف أعرض عن هذا ، واستغفري لذنبك ، إنك كنت من الخاطئين ) . .
إن السياق لم يذكر كم كانت سنها وكم كانت سنه ؛ فلننظر في هذا الأمر من باب التقدير .
لقد كان يوسف غلاما عندما التقطته السيارة وباعته في مصر . أي إنه كان حوالي الرابعة عشرة تنقص ولا تزيد . فهذه هي السن التي يطلق فيها لفظ الغلام ، وبعدها يسمى فتى فشابا فرجلا . . . وهي السن التي يجوز فيها أن يقول يعقوب : ( وأخاف أن يأكله الذئب ) . . وفي هذا الوقت كانت هي زوجة ، وكانت وزوجها لم يرزقا أولادا كما يبدو من قوله : ( أو نتخذه ولدا ) . . فهذا الخاطر . . خاطر التبني . . لا يرد على النفس عادة إلا حين لا يكون هناك ولد ؛ ويكون هناك يأس أو شبه يأس من الولد . فلا بد أن تكون قد مضت على زواجهما فترة ، يعلمان فيها أن لا ولد لهما . وعل كل حال فالمتوقع عن رئيس وزراء مصر ألا تقل سنه عن أربعين سنة ، وأن تكون سن زوجه حينئذ حوالي الثلاثين .
ونتوقع كذلك أن تكون سنها أربعين سنة عندما يكون يوسف في الخامسة والعشرين أو حواليها . وهيالسن التي نرجح أن الحادثة وقعت فيها . . نرجحه لأن تصرف المرأة في الحادثة وما بعدها يشير إلى أنها كانت مكتملة جريئة ، مالكة لكيدها ، متهالكة كذلك على فتاها . ونرجحه من كلمة النسوة فيما بعد . . ( امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه ) . . وإن كانت كلمة فتى تقال بمعنى عبد ، ولكنها لا تقال إلا ولها حقيقة من مدلولها من سن يوسف . وهو ما ترجحه شواهد الحال .
نبحث هذا البحث ، لنصل منه إلى نتيجة معينة . لنقول : إن التجربة التي مر بها يوسف - أو المحنة - لم تكن فقط في مواجهة المراودة في هذا المشهد الذي يصوره السياق . إنما كانت في حياة يوسف فترة مراهقته كلها في جو هذا القصر ، مع هذه المرأة بين سن الثلاثين وسن الأربعين ، مع جو القصور ، وجو البيئة التي يصورها قول الزوج أمام الحالة التي وجد فيها امرأته مع يوسف :
( يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين ) .
والتي يتحدث فيها النسوة عن امرأة العزيز ، فيكون جوابها عليهن ، مأدبة يخرج عليهن يوسف فيها ، فيفتتن به ، ويصرحن ، فتصرح المرأة :
( ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين )
فهذه البيئة التي تسمح بهذا وذلك بيئة خاصة . هي بيئة الطبقة المترفة دائما . ويوسف كان فيها مولى وتربى فيها في سن الفتنة . . فهذه هي المحنة الطويلة التي مر بها يوسف ، وصمد لها ، ونجا منها ومن تأثيراتها ومغرياتها وميوعتها ووسائلها الخبيثة . ولسنه وسن المرأة التي يعيش معها تحت سقف واحد كل هذه المدة قيمة في تقدير مدى الفتنة وخطورة المحنة والصمود لها هذا الأمد الطويل . أما هذه المرة فلو كانت وحدها وكانت مفاجأة بلا تمهيد من إغراء طويل ، لما كان عسيرا أن يصمد لها يوسف ، وبخاصة أنه هو مطلوب فيها لا طالب . وتهالك المرأة قد يصد من نفس الرجل . وهي كانت متهالكة .
( وراودته التي هو في بيتها عن نفسه ، وغلقت الأبواب ، وقالت : هيت لك ! ) . .
وإذن فقد كانت المراودة في هذه المرة مكشوفة ، وكانت الدعوة فيها سافرة إلى الفعل الأخير . . وحركة تغليق الأبواب لا تكون إلا في اللحظة الأخيرة ، وقد وصلت المرأة إلى اللحظة الحاسمة التي تهتاج فيها دفعة الجسد الغليظة ، ونداء الجسد الأخير :
هذه الدعوة السافرة الجاهرة الغليظة لا تكون أول دعوة من المرأة . إنما تكون هي الدعوة الأخيرة . وقد لا تكون أبدا إذا لم تضطر إليها المرأة اضطرارا . والفتى يعيش معها وقوته وفتوته تتكامل ، وأنوثتها هي كذلك تكمل وتنضج ، فلا بد كانت هناك إغراءات شتى خفيفة لطيفة ، قبل هذه المفاجأة الغليظة العنيفة .
( قال : معاذ الله . إنه ربي أحسن مثواي . إنه لا يفلح الظالمون ) . .
وأكرمني بأن نجاني من الجب وجعل في هذه الدار مثواي الطيب الآمن .
( إنه لا يفلح الظالمون ) . . الذين يتجاوزون حدود الله ، فيرتكبون ما تدعينني اللحظة إليه .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَرَاوَدَتْهُ الّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نّفْسِهِ وَغَلّقَتِ الأبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنّهُ رَبّيَ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنّهُ لاَ يُفْلِحُ الظّالِمُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وراودت امرأة العزيز ، وهي التي كان يوسف في بيتها { يوسُفَ } عن نفسه أن يواقعها . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : ولما بلغ أشدّه { راودته التي هو في بيتها عن نفسه } : امرأة العزيز .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { وَرَاوَدَتْهُ التي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ } ، قال : أحبته .
قال : ثني أبي ، عن إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، قال : قالت تعالَهْ .
وقوله : { وَغَلّقَتِ الأبْوَابَ } ، يقول : وغلّقت المرأة أبواب البيوت ، عليها وعلى يوسف لما أرادت منه ، وراودته عليه ، بابا بعد باب .
وقوله : { وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ } ، اختلفت القرأة في قراءة ذلك : فقرأته عامة قرأة الكوفة والبصرة : { هَيْتَ لَكَ } ، بفتح ، الهاء والتاء ، بمعنى : هلمّ لك ، وادن ، وتقرّب ، كما قال الشاعر لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه :
أبْلِغْ أمِيرَ المُؤْمِنِينَ *** أخا العِراقِ إذَا أتَيْتا
أنّ العِرَاقَ وأهْلَهُ *** عُنُقٌ إليكَ فهَيْتَ هَيْتا
وبنحو الذي قلنا في ذلك تأولّه من قرأه كذلك :
حدثني محمد بن عبد الله المخرمي ، قال : حدثنا أبو الجوّاب ، قال : حدثنا عمار بن زريق ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { هَيْتَ لَكَ } ، قال : هلمّ لك .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { هَيْتَ لَكَ } ، قال : هلمّ لك .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : { هَيْتَ لَكَ } ، تقول : هلمّ لك .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن عاصم بن بهدلة ، عن زرّ بن حبيش ، أنه كان يقرأ هذا الحرف : { هَيْتَ لَكَ } ، نصبا ، أي : هلمّ لك .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال ابن عباس ، قوله : { هَيْتَ لَكَ } ، قال : تقول : هلمّ لك .
حدثني أحمد بن سهيل الواسطي ، قال : حدثنا قرة بن عيسى ، قال : حدثنا النضر بن عليّ الجزري ، عن عكرمة ، مولى ابن عباس ، في قوله : { هَيْتَ لَكَ } ، قال : هلمّ لك . قال : هي بالحورانية .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ } ، قال : كان الحسن يقول : هلمّ لك .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، عن الحسن : { هَيْتَ لَكَ } ، يقول بعضهم : هلمّ لك .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السديّ : { وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ } ، قال : هلمّ لك . وهي بالقبطية .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن عمرو ، عن الحسن : { هَيْتَ لَكَ } ، قال : كلمة بالسريانية ، أي : عليك .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن : { هَيْتَ لَكَ } ، قال : هلمّ لك .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا خلف بن هشام ، قال : حدثنا محبوب ، عن قتادة ، عن الحسن : { هَيْتَ لَكَ } ، قال : هلمّ لك .
قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا حماد ، عن عاصم ، عن زر : { هَيْتَ لَكَ } ، أي : هلمّ .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا الثوري ، قال : بلغني في قوله : { هَيْتَ لَكَ } ، قال : هلمّ لك .
حدثنا أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا أبو عبيد ، قال : حدثنا عليّ بن عاصم ، عن خالد الحذاء ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أنه قرأ : { هَيْتَ لَكَ } ، وقال : تدعوه إلى نفسها .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله تعالى : { هَيْتَ لَكَ } ، قال : لغة عربية تدعوه بها .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله ، إلا أنه قال : لغة بالعربية تدعوه بها إلى نفسها .
حدثنا الحسن ، قال : حدثنا شبابة ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثل حديث محمد بن عمرو ، سواء .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا هشيم ، عن يونس ، عن الحسن : { هَيْتَ لَكَ } ، بفتح الهاء والتاء ، وقال : تقول : هلمّ لك .
حدثني الحرث ، قال أبو عبيدة : كان الكسائيّ يحكيها ، يعني : { هَيْتَ لَكَ } ، قال : وقال : وهي لغة لأهل حوران وقعت إلى الحجاز ، معناها : «تعال » . قال : وقال أبو عبيد : سألت شيخا عالما من أهل حوران ، فذكر أنها لغتهم يعرفها .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { هَيْتَ لَكَ } ، قال : تعال .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ } ، قال : هلمّ لك إليّ .
وقرأ ذلك جماعة من المتقدمين : { وَقالَتْ هِئْتُ لَكَ } بكسر الهاء ، وضمّ التاء ، والهمز ، بمعنى : تهيأت لك ، من قول القائل : هِئْتُ للأمر أَهِيء هَيْئَةً . وممن رُوي ذلك عنه ابن عباس ، وأبو عبد الرحمن السُلمِي ، وجماعة غيرهما .
حدثنا أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحجاج ، عن هارون ، عن أبان العطار ، عن قتادة : أن ابن عباس قرأها كذلك مكسورة الهاء مضمومة التاء . قال أحمد : قال أبو عبيد : لا أعلمها إلا مهموزة .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن أبان العطار ، عن عاصم ، عن أبي عبد الرحمن السلمي : { هِئْتُ لَكَ } ، أي تهيأت لك .
قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن عكرمة ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كان عكرمة يقول : تهيأت لك .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : { هِئْتُ لَكَ } ، قال عكرمة : تهيأت لك .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن عاصم بن بهدلة ، قال : كان أبو وائل يقول : { هِئْتُ لَكَ } ، أي : تهيأت لك .
وكان أبو عمرو بن العلاء والكسائي ينكران هذه القراءة .
حُدثت عن عليّ بن المُغيرة ، قال : قال أبو عبيدة معمر بن المثنى ، شهدت أبا عمرو وسأله أبو أحمد ، أو أحمد ، وكان عالما بالقرآن ، عن قول من قال : { هِئْتُ لَكَ } ، بكسر الهاء وهمز الياء ، فقال : أبو عمرو . ينسي ، أي : باطل ، جعلها ، «فعِلت » ، من : «تهيأت » ، فهذا الخندق ، فاستعرض حتى تنتهِي إلى اليمن ، هل تعرف أحدا يقول : " هئت لك " ؟
حدثني الحرث ، قال : حدثنا القاسم ، قال : لم يكن الكسائي يحكي : " هِئْتُ لَكَ " عن العرب .
وقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة : { هِيتَ لَكَ } ، بكسر الهاء ، وتسكين الياء ، وفتح التاء .
وقرأه بعض المكيين : { هَيْتُ لَكَ } ، بفتح الهاء ، وتسكين الياء ، وضمّ التاء .
وقرأه بعض البصريين ، وهو عبد الله بن إسحاق : { هَيْتِ لَكَ } ، بفتح الهاء ، وكسر التاء . وقد أنشد بعض الرواة بيتا لطرفة بن العبد في «هَيْتُ » ، بفتح الهاء ، وضم التاء ، وذلك :
لَيْسَ قَوْمي بالأَبْعَدِينَ إذَا ما *** قالَ دَاعٍ مِنَ العَشِيرَةِ هَيْتُ
وأولى القراءة في ذلك ، قراءة من قرأه : { هَيْتَ لَكَ } ، بفتح الهاء والتاء ، وتسكين الياء ، لأنها اللغة المعروفة في العرب دون غيرها ، وأنها فيما ذكر قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، قال ابن مسعود : قد سمعتُ القرأة ، فسمعتهم متقاربين ، فاقرءوا كما علمتم ، وإياكم والتنطع والاختلاف ، فإنما هو كقول أحدكم : هلمّ ، وتعال . ثم قرأ عبد الله : { هَيْتَ لَكَ } ، فقلت : يا أبا عبد الرحمن إن ناسا يقرءونها : { هِيتَ لَكَ } ، فقال عبد الله : إني أقرؤها كما عُلِّمْتُ ، أحبُّ إليّ .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، قال : سمعت عبد الله بن مسعود يقرأ هذه الآية : { وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ } ، قال : فقالوا له : ما كنا نقرؤها إلا : { هِيتَ لَكَ } ، فقال عبد الله : إني أقرؤها كما عُلِّمْتُ ، أحبُّ إليّ .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن منصور ، عن أبي وائل ، قال : قال عبد الله : { هَيْتَ لَكَ } ، فقال له مسروق : إن ناسا يقرءونها : { هِيتَ لَكَ } ، فقال : دعوني ، فإني أقرأ كما أُقْرِئْتُ ، أحبُّ إليّ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم العسقلاني ، قال : حدثنا شعبة ، عن الأعمش ، عن شقيق ، عن ابن مسعود ، قال : { هَيْتَ لَكَ } ، بنصب الهاء والتاء ، وبلا همز .
وذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى ، أن العرب لا تثني { هَيتَ لَكَ } ، ولا تجمع ، ولا تؤنث ، وأنها تصوّره في كلّ حال ، وإنما يتبين العدد بما بعد ، وكذلك التأنيث والتذكير ، وقال : تقول للواحد : " هيت لك " ، وللاثنين : " هيت لكما " ، وللجمع : " هيت لكم " ، وللنساء : " هيت لكن " .
وقوله : { قالَ مَعاذَ الله } ، يقول جلّ ثناؤه : قال يوسف ، إذ دعته المرأة إلى نفسها ، وقالت له : " هلمّ إليّ " : أعتصم بالله من الذي تدعوني إليه ، وأستجير به منه .
وقوله : { إنّهُ رَبّي أحْسَنَ مَثْوَايَ } ، يقول : إن صاحبك وزوجك سيدي . كما :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السديّ : { مَعاذَ اللّهِ إنّهُ رَبّي } ، قال : سيدي .
قال : حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح : { إنّهُ رَبّي } ، قال : سيدي .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : { قالَ مَعاذَ اللّهَ إنّهُ رَبّي أحْسَنَ مَثْوَايَ } ، قال : سيدي ، يعني : زوج المرأة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { قالَ مَعاذَ اللّهِ إنّهُ رَبي } ، يعني : إطفير ، يقول : إنه سيدي .
وقوله : { أحْسَنَ مَثْوَايَ } ، يقول : أحسن منزلتي ، وأكرمني ، وائتمنني ، فلا أخونه . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : { أحْسَنَ مَثْوَايَ } : أمنني على بيته وأهله .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { أحْسَنَ مَثْوَايَ } ، فلا أخونه في أهله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : { أحْسَنَ مَثْوَايَ } ، قال : يريد يوسف : سيده زوج المرأة .
وقوله : { إنّهُ لا يُفْلِحُ الظّالُمِونَ } ، يقول : إنه لا يدرك البقاء ، ولا ينجح مَن ظلم ففعل ما ليس له فعله ، وهذا الذي تدعوني إليه من الفجور ظلم وخيانة لسيدي الذي ائتمنني على منزله . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { إنّهُ لا يُفْلِحُ الظّالُمِونَ } ، قال : هذا الذي تدعوني إليه ظلم ، ولا يفلح من عمل به .
{ وراودته التي هو في بيتها عن نفسه } طلبت منه وتمحلت أن يواقعها ، من راد يرود إذا جاء وذهب لطلب شيء ومنه الرائد . { وغلّقت الأبواب } قيل كانت سبعة والتشديد للتكثير أو للمبالغة في الإيثاق . { وقالت هيت لك } أي أقبل وبادر ، أو تهيأت والكلمة على الوجهين اسم فعل بني على الفتح كأين واللام للتبيين كالتي في سقيا لك . وقرأ ابن كثير بالضم وفتح الهاء تشبيها له بحيث ، ونافع وابن عامر بالفتح وكسر الهاء كعيط . وقرأ هشام كذلك إلا أنه يهمز . وقد روي عنه ضم التاء وهو لغة فيه . وقرئ { هيت } كجير و " هئت " كجئت من هاء يهيء إذا تهيأ وقرئ هيئت وعلى هذا فاللام من صلته . { قال معاذ الله } أعوذ بالله معاذا . { إنه } إن الشأن . { ربي أحسن مثواي } سيدي قطفير أحسن تعهدي إذ قال لك في { أكرمي مثواه } فما جزاؤه أن أخونه في أهله . وقيل الضمير لله تعالى أي إنه خالقي أحسن منزلتي بأن عطف على قلبه فلا أعصيه . { إنه لا يفلح الظالمون } المجازون الحسن بالسيء . وقيل الزناة فإن الزنا ظلم على الزاني والمزني بأهله .