الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَرَٰوَدَتۡهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيۡتِهَا عَن نَّفۡسِهِۦ وَغَلَّقَتِ ٱلۡأَبۡوَٰبَ وَقَالَتۡ هَيۡتَ لَكَۚ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ رَبِّيٓ أَحۡسَنَ مَثۡوَايَۖ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (23)

وقوله سبحانه : { وراودته التي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ } [ يوسف :23 ] . المراودة : الملاطفةُ في السُّوق إِلى غرضٍ ، و{ التي هُوَ فِي بَيْتِهَا } هي زُلَيْخَا امرأةُ العزيز ، وقوله : { عَن نَّفْسِهِ } : كنايةٌ عن غرض المواقعة ، وظاهرُ هذه النازِلة أنها كانَتْ قبل أنْ ينبَّأ عليه السلام ، وقولها : { هَيْتَ لَكَ } : معناه : الدُّعاء ، أيْ : تعالَ وأقْبِلْ عَلَى هَذا الأمْرِ ، قال الحَسن : معناها : هَلُمَّ ، قال البخاريُّ : قال عكرمةُ : { هَيْتَ لَكَ } بالحُورَانِيَّةِ : هَلُمَّ .

وقال ابن جُبير : تَعَالَهْ ، انتهى .

وقرأ هشام عن ابن عامرٍ : «هِئْتُ لَكَ » بكسر الهاءِ والهمزِ وضمِّ التاء ، ورويت عن أبي عَمْرو ، وهذا يحتملُ أنْ يكون من هَاءَ الرجُلُ يَهِيءُ ، إِذا حَسُن هيئته ، ويحتمل أنْ يكون بمعنى : تَهَيَّأَتُ ، و{ مَعَاذَ } : نصب على المصدر ، ومعنى الكلام : أعوذ باللَّهِ ، ثم قال : { إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ } ، فيحتمل أن يعود الضمير في «إِنه » على اللَّهِ عزَّ وجلَّ ، ويحتمل أنْ يريد العزيزَ سيِّدَهُ ، أي : فلا يصلح لي أنْ أخونه ، وقد أكْرَمَ مثواي ، وائتمنني ، قال مجاهد وغيره : «رَبِّي » معناه سَيِّدي وإِذا حفظ الآدميّ لإِحسانه فهو عمل زَاكٍ ، وأحرى أن يحفظ ربه ، والضمير في قوله : { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ } مرادٌ به الأمر والشأن فقطْ ، وحكى بعض المفسِّرين أنَّ يوسُفَ عليه السلام لمَّا قال : مَعَاذَ اللَّهِ ، ثم دافَعَ الأمْرَ باحتجاج وملاينةٍ ، امتحنه اللَّه تعالى بالهَمِّ بما هَمَّ به ، ولو قال : لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلا باللَّهِ ، ودافَعَ بِعُنْفٍ وتغييرٍ ، لم يَهمَّ بشيء من المَكْروه .