ثم إن يوسف كان في غاية الحسن والجمال ، فلما شب طمعت فيه امرأة العزيز وذلك قوله : { وراودته } والمراودة مفاعلة من راد يرود إذا جاء وذهب ، ضمنت معنى الخداع أي فعلت ما يفعل المخادع بصاحبه حتى يزله عن الشيء الذي يريد أن يخرجه من يده ، وقد يخص بمحاولة الوقاع فيقال : راود فلان جاريته عن نفسها وراودته هي عن نفسه إذا حاول كل منهما الوطء والجماع ، وإنما قال : { التي هو في بيتها } ولم يقل زليخا قصداً إلى زيادة التقرير مع استهجان اسم المرأة { وغلقت الأبواب } لا ريب أن التشديد يدل على التكثير لأن غلق متعد كنقيضه وهو فتح . والمفسرون رووا أن الأبواب كانت سبعة { وقالت هيت لك } هذه اللغة في جميع القراآت اسم فعل بمعنى هلم إلا عند من قرأ { هئت لك } بهاء مكسورة بعدها همزة ساكنة ثم تاء مضمومة فإنها معنى تهيأت لك . يقال : هاء يهيء مثل جاء يجيء بمعنى تهيأ . قال النحويون : هيت جاء بالحركات الثلاثة : فالفتح للخفة ، والكسر للالتقاء الساكنين ، والضم تشبيهاً بحيث . وإذا بين باللام نحو " هيت لك " فهي صوت قائم مقام المصدر كأفٍ له أي لك أقول هذا . وإذا لم يبين باللام فهو صوت قائم مقام مصدر قائم مقام الفعل ويكون اسم فعل ، ومعناه إما خبر أي تهيأت وإما أمر أي أقبل . وقد روى الواحدي بإسناده عن أبي زيد { قالت هيت لك } بالعبرانية هيتالج أي تعال عربه القرآن . وقال الفراء : إنها لغة لأهل حوران سقطت إلى مكة فتكلموا بها . وقال ابن الأنباري : هذا وفاق بين لغة قريش وأهل حوران كما اتفقت لغة العرب والروم في القسطاس ، ولغة العرب والفرس في السجيل ، ولغة العرب والترك في الغساق ، ولغة العرب والحبشة في ناشئة الليل . ثم إن المرأة لما ذكرت هذا الكلام أجاب يوسف عليه السلام بثلاثة أجوبة : الأول { قال معاذ الله } وهو من المصادر التي لا يجوز إظهار فعلها أي أعوذ بالله معاذاً ، وفيه إشارة إلى أن حق الله تعالى يمنع عن هذا العمل ، الثاني { إنه } والضمير للشأن { ربي } أي سيدي ومالكي بزعمهم واعتقادهم وإلا فيوسف كان عالماً بأنه حر والحر لا يصير عبداً بالبيع ، أو المراد التربية أي الذي رباني { أحسن مثواي } حين قال { أكرمي مثواه } وفي هذا إشارة إلى أن حق الخلق أيضاً يمنع عن ذلك العمل . وقيل : أراد بقوله : { ربي } الله تعالى لأنه مسبب الأسباب . الثالث قوله : { إنه لا يفلح الظالمون } الذين يجازون الحسن بالسيء ، أو أراد الذين يزنون لأنهم ظلموا أنفسهم . وفيه إشارة إلى الدليل العقلي فإن صون النفس عن الضرر واجب وهذه اللذة قليلة يتبعها خزي في الدنيا وعذاب في الآخرة ، فعلى العاقل أن يحترز عنها فما أحسن نسق هذه الأجوبة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.