تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَرَٰوَدَتۡهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيۡتِهَا عَن نَّفۡسِهِۦ وَغَلَّقَتِ ٱلۡأَبۡوَٰبَ وَقَالَتۡ هَيۡتَ لَكَۚ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ رَبِّيٓ أَحۡسَنَ مَثۡوَايَۖ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (23)

{ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ 23 وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ 24 وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ 25 }

المفردات :

وراودته : طلبت إليه ، من راد يرود ؛ إذا ذهب وجاء لطلب شيء ، والمراد : تحايلت لمواقعته إياها ، ولم تجد منه قبولا .

وغلقت الأبواب : أحكمت إغلاقها ، قيل : كانت سبعة ، والتشديد ؛ للتكثير أو للمبالغة في الإيثاق .

هيت لك : هيث : اسم فعل أمر بمعنى : أقبل وبادر ، واللام في لك للبيان . أي : لك أقول هذا ، كما في هلم لك ، وقرئ : هئت بكسر الهاء وبالهمز وضم التاء ، بمعنى : تهيأت لك فهو : فعل ماضي وفاعله .

معاذ الله : أي : أعوذ بالله معاذا . أي : ألجأ إليه التجاء .

إنه ربي : إنه سيدي الذي رباني .

أحسن مثواي : مقامي ، أي : أحسن تعهدي وأكرمني فلا أخونه أبدا .

23

التفسير :

23 { وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ . . . } الآية .

سبق أن قال العزيز لامرأته : { أكرمي مثواه } ، ونشأ يوسف كريما حكيما عليما ، وبلغ أشده ، واستوى له العلم والجسم والفضل والكمال والجمال ؛ فأحبته امرأة العزيز ، وتمنت لو بدأها ، لكنه كان في غاية الأدب وحسن السيرة ؛ فلجأت إلى فنون الأنثى ذاهبة إلى فن ، آبية من فن ، { وراودته } من راد ، يراود بالإبل ؛ إذا ذهب وجاء ، وهي تعبر عن تلطف الأنثى وتحايلها في رفق ولين ؛ كأنها تريد أن تصرفه عن نفسه ، فهو في عفة واستقامة تجعله يسيطر على نفسه وهواه ، لكنها تريد أن تسلبه سيطرته على نفسه ، تريد أن تتصباه وتستثير نوازع شهوته وطلبات جسده .

{ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ } .

والمعنى : واحتالت امرأة العزيز التي يقيم يوسف في بيتها احتالت عليه وطالبته برفق وخديعة أن يمكنها من نفسه ، يخالطها مخالطة الرجل للمرأة .

{ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ } .

أحكمت إغلاق الأبواب ، بل حاولت أن تجعلها حيطانا لا يسهل الوصول لأحد منها ؛ لذلك قال القرآن { غلقت } بتشديد اللام ، فهي التي أغلقت الأبواب بنفسها ، وأحكمت إغلاقها .

{ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ } .

أي : هلم أقبل وبادر ، قد تهيأت لك ! وهي كلمة أقرب إلى منجاة خاصة تطلب بها الأنثى من يريد مخالطتها ، وهي تعبر عن تضرع المرأة بكل وسيلة تملكها ؛ لإغراء الرجل الذي تريده ، وهنا وقد بلغت المرأة آخر ما تستطيع من إغراء ؛ وقف يوسف الصديق يذكرها بالزوج ، وبالله ، ويحذرها من الظلم .

{ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } .

أي : أعوذ بالله معاذا ، وألتجيء إليه وأعتصم مما تريدين مني ، فهو يعيذني من هذا المنكر وهذه الفاحشة .

{ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ } .

إنه الضمير للشأن والحديث . أي : إن الأمر والشأن الخطير الذي يمنعني من إجابتك ؛ هو سيدي الذي رباني وأحسن تعهدي ، حيث أمرك بإكرامي ، فكيف أسيء إليه بخيانته في زوجته ؟ !

واختار أبو حيان أن الضمير لله تعالى .

والمعنى : أن الله تعالى خالقي أحسن مثواي ، وجعل قلب العزيز يعطف علي ، ويطلب منك إكرامي ؛ فكيف أعصى ربي بارتكاب تلك الفاحشة ؟ !

{ ِإنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } .

أي : إن الشأن في سنة الله في خلقه وعدالته ، هو أنه لا يفوز الظالمون في دنياهم وأخراهم ، فأما في الدنيا فيعاقبون بالعلل والأسقام ، والذلّ بعد العزّ ، والفقر بعد الغنى ، وغير ذلك من الآفات ، وأما في الآخرة فالجحيم والزمهرير ، ومن فاتته عقوبة الدنيا لم يفلت من عقوبة الآخرة .

قال تعالى : { ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص في الأبصار } . ( إبراهيم : 42 ) .