الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَرَٰوَدَتۡهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيۡتِهَا عَن نَّفۡسِهِۦ وَغَلَّقَتِ ٱلۡأَبۡوَٰبَ وَقَالَتۡ هَيۡتَ لَكَۚ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ رَبِّيٓ أَحۡسَنَ مَثۡوَايَۖ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (23)

{ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا } يعني امرأة العزيز ، وطلبت منه أن يواقعها { وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ } وكانت سبعة .

{ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ } ، اختلف القراء فيه ، فقرأ ابن عباس والسلمي وأبو وائل وقتادة : هِئتُ لك بكسر الهاء وضم التاء مهموزاً ، بمعنى تهيأتُ لك ، وأنكرها أبو عمرو ، قال أبو عبيدة معمر بن المثنى : سمعت أبا عمرو وسئل عن قراءة من قرأ : هِئتُ لك بكسر الهاء وهمز الياء فقال أبو عمرو : باطل ، جعلها من تهيأت ، اذهب واستعرض العرب حتى تنتهي إلى اليمن ، هل تعرف أحداً يقول هذا ؟

وقال الكسائي أيضاً : لم يُحكَ هئت عن العرب ، وقال عكرمة : هِئتُ لك : أي زيّنت لك وحسنت وهي قراءة غير مرضية ، وقرأ نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر وعبدالله بن أبي إسحاق : هيت لك بفتح الهاء وكسر التاء ، وقرأ يحيى بن وثاب : هِيتُ بكسر الهاء وضم التاء ، وقرأ ابن كثير بفتح الهاء وضم التاء ، وأنشد طرفة :

ليس قومي بالأبعدين إذا *** ما قال داع من العشيرة هَيتَ

هم يجيبون إذا هم سراعا *** كالأبابيل لا يغادر بيت

وقرأ أهل المدينة والشام بكسر الهاء وفتح التاء ، وقرأ الباقون بفتح الهاء والتاء ، وهي لغة النبي صلى الله عليه وسلم واللغة المعروفة عند العرب ، الشعبي عن عبد الله بن مسعود : أقرأني النبي صلى الله عليه وسلم هَيتَ لك .

وروى الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود أنه قرأ هيت لك ، فقيل له : هيت لك ، فقال ابن مسعود : إنما نقرأها كما تعلّمناها وسمعناها جميعاً هلُمَّ وأقبل وادنُ ، قال الشاعر [ يخاطب ] أمير المؤمنين علي ( رضي الله عنه ) :

أَبلغْ أمير المؤمنين اهل العراق إذا أتيتا *** أن العراق وأهله سلم [ إليك ] فهيت هيتا

قال السّدّي : هي بالقبطيّة هلمّ لك ، وقال الحسين : هيت لك كلمة بالسريانية أي عليك ، قال أبو عُبيد : كان الكسائي يقول هي لغة لأهل حوران وقعت إلى الحجاز معناها تعالَ ، قال أبو عبيد : سألتُ شيخاً عالماً من حوران فذكرَ أنها لغُتهم ، وكذا قال عكرمة ، وقال مجاهد وغيره : هي لغة عربية تدعوه بها إلى نفسها وهي كلمة حَثّ وإقبال على الشيء ، وأصلهما من [ الدعوة ] والصياح تقول العرب : هيّتَ فُلان بفلان إذا دعاهُ وصاحَ به ، قال الشاعر :

قَدْ رابني أنّ الكريّ أسكتا *** لو كان مَعْنيّاً بها لهَيَّتا

أي صاح به ، والكريّ المكاريّ .

وقال أُستاذنا أبو االقاسم بن حبيب : رأيتُ في بعض التفاسير هيتَ لك يقول : هل لك رغبة في حُسني وجمالي ، وذكر أبو عبيدة أن العرب لاتُثنّي هَيتَ ولا تجمع ولا تؤنّث ، وإنّها بصورة واحدة في كلّ حال وإنّما تتميّز بما بَعدها وبما قبلها .

قال يوسف ( عليه السلام ) عندَ ذلك : { مَعَاذَ اللَّهِ } أعتصمُ وأستجيرُ بالله ممّا دعوتِني إليه وهو مصدر تقديره : عياذاً بالله .

{ إِنَّهُ رَبِّي } يعني إنّ زَوجكِ قطفير سيديّ ، { أَحْسَنَ مَثْوَايَ } أي منزلتي ، وعلى هذا أكثر المفسّرين ، قال بعضهم : إنّها مردودة الى الله { أَحْسَنَ مَثْوَايَ } أي آواني ومن بلاء الحب عافاني .

{ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } يعني إن فعلتُ ، وأْتَمنني هذا فخنتُه في أهلهِ بعدما أكرمني وأْتمَنني وأحسنَ مثواي فأنا ظالم ولا يُفلح الظالمون ، وقيل الزناة .